تعمل شبكات مرتبطة برجل أعمال روسي مقرَّب من بوتين على اختراق الرأي العامّ في دول إفريقية مختلفة. (Kacper Pempel/Reuters)
تابعنا

في إطار توجه موسكو نحو إفريقيا، برز في الآونة الأخيرة نشاط لمجموعات روسية على شبكات التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العامّ داخل دول القارة السمراء.

ويندرج هذا ضمن المهامّ المتعددة التي تنفّذها شركات المتعاقدين العسكريين الروس، وأشهرها مجموعة فاغنر التي يديرها رجل الأعمال يفغيني بريغوزين، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

السودان آخر المستهدفين

وفقاً لتقرير نُشر مطلع يونيو/حزيران الجاري، أزالت شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك مجموعة من الحسابات والصفحات التي استهدفت التأثير على الرأي العامّ في السودان.

أعدّت التقرير تيسا نايت الباحثة المساعدة في Digital Forensic Research Lab بالتعاون مع Code for Africa، الشبكة المختصة بالشؤون التقنية في إفريقيا، وتناولت فيه نشاط هذه الحسابات الذي تَركَّز على ترويج صورة روسيا كدولة صديقة للشعب السوداني، مع تصوير القادة البارزين في نفس الوقت على أنهم بيادق للولايات المتحدة.

ويضيف التقرير أن الشبكة المذكورة مكوَّنة من 30 صفحة وست مجموعات و83 حساباً و49 ملفاً شخصياً على إنستغرام، وأنها ضمّت ما مجموعه 440 ألف حساب مستخدم فردي، في حين عزا فيسبوك هذه الشبكة إلى أفراد شاركوا سابقاً في وكالة أبحاث الإنترنت التابعة لرجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، والتي اشتهرت بجهود التدخل خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.

استخدمت الشبكة اللغة العربية في نشر محتواها، تحت أسماء عربية للصفحات والحسابات كـ"المطبخ السياسي" و"اختيار الشعب" و"نحمي وطننا"، ولإضفاء المصداقية عمدت إلى استخدام صور شخصية لمستخدمين آخرين بعد أن عدّلتها، كتغيير بعض الألوان وإضافة الشعر، إلى غير ذلك ممّا يَحُول دون إمكانية الوصول المباشر إلى نسختها الأصلية في الشبكة العنكبوتية.

القاعدة البحرية الروسية والتلاعب الإلكتروني

يُعَدّ ملف القاعدة البحرية الروسية المزمع إنشاؤها في السودان أحد الأمثلة على التلاعب الذي نشطت هذه الشبكة في تنفيذه، من خلال دعم مواقف سياسية مؤيدة لروسيا من خلال واجهات رقمية تدّعي أنها سودانية.

شهد 8 ديسمبر/كانون الأول 2020 توقيع السودان وروسيا مسوَّدة اتفاقية تسمح للأخيرة بإنشاء قاعدة دعم لوجستي على شاطئ البحر الأحمر، وهو ما يشكّل موطئ قدم استراتيجياً لموسكو في المنطقة، وفي أواخر أبريل/نيسان 2021 زعم الحساب الرسمي لقناة العربية السعودية على تويتر، تعليق الاتفاق على إنشاء القاعدة الروسية، وهو ما نفته السفارة الروسية بالخرطوم في بيان على صفحتها في فيسبوك.

ووفقاً لتقرير نايت فقد نشرت الصفحات التابعة للشبكة الروسية على فيسبوك بين 28 أبريل/نيسان و3 مايو/أيار، محتوى يتعلق بالقاعدة البحرية الروسية ومدى فائدتها للسودان، كما ألقت باللوم على “السلطات الفاسدة” التي أرادت ابتزاز روسيا بتعليقها اتفاقية إنشاء المركز اللوجستي.

وبعد أن كانت هذه الصفحات الموالية لروسيا داعمة للفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، غيّرَت مسارها بعد الالتباس حول اتفاقية إنشاء القاعدة البحرية، وبدأت تلقي اللوم على البرهان بسبب مزاعم إنهائه الاتفاقية، مدّعيةً أنه يضع مصالحه الشخصية فقط في الاعتبار، ومنذ أوائل مايو/أيار نشرت الصفحات باستمرار محتوى ينتقد البرهان، قائلة إنه فاسد وجشع ويعمل لمصلحة الغرب.

حملة إلكترونية روسية على إفريقيا

النموذج السوداني الذي تستهدفه جهات روسية لم يكن الوحيد في إفريقيا، ووفقاً لتقرير نشرته رويترز في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فقد أعلنت شركة فيسبوك أنها وقفت ثلاث شبكات من الحسابات الروسية حاولت التدخل في السياسة الداخلية لثماني دول إفريقية، وكانت مرتبطة بيفغيني بريغوزين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمتهَم بالتدخل في الانتخابات الأمريكية التي أُجريَت عام 2016.

وقالت فيسبوك إن الحملات استخدمت ما يقرب من 200 حساب مزيف على فيسبوك وإنستغرام مصمَّم لاستهداف أشخاص في مدغشقر وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج والكاميرون والسودان وليبيا، واستطاعت هذه الحسابات جمع أكثر من مليون متابع.

وتَوصَّل معهد العلاقات الدولية التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية في دراسة تحليلية لنشاط الحسابات التي وقفها فيسبوك، إلى مجموعة استنتاجات، أهمها أن هذا النوع من النشاط مبني على طلب جهة تابعة للدولة جزئياً على الأقلّ، وأنه يعتمد كثيراً على المتعاقدين الذين يتحدثون لغة المنطقة المستهدَفة أو من أبنائها، وأن هذه المجموعات الروسية استفادت، بالإضافة إلى منصات الوسائط الاجتماعية المعروفة مثل تويتر وفيسبوك، من مجموعات واتساب وتيليغرام العامة.

كما أضاف باحثو المعهد أنه استُخدمت وسائل المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي المصممة لتطوير علاقة وثيقة مع الجمهور، بما في ذلك مقاطع فيديو Facebook Live، ونماذج Google للتعليقات وغيرها.

وبيّنَت الدراسة أن نشاط هذه المجموعات يختلف باختلاف الدولة المستهدَفة، ففي إفريقيا الوسطى على سبيل المثال أُنشئَت شبكة من صفحات فيسبوك للدعاية والإشادة بمجموعة واسعة من الأنشطة التي تؤدّيها الحكومة الروسية في الجمهورية الإفريقية، من الدعم العسكري إلى الأحداث الثقافية. وكانت تهدف إلى خلق انطباع بوجود دعم محلي واسع النطاق لإدارة الرئيس فوستان تواديرا وشركائه الروس.

وتخدم هذه الشبكات مجموعة من الأهداف، منها ترويج القوى السياسية والزعماء المتحالفين مع موسكو، بما يصبّ في صالح توسيع نفوذ روسيا السياسي في القارة.

كما تستهدف في الوقت نفسه القوى الدولية المنافسة لها في إفريقيا، حيث لاحظ الخبراء ترويج الحسابات المرتبطة بروسيا بنشاطٍ صورةً سلبيةً لفرنسا لزعزعة استقرار "التعاون بين فرنسا ومجموعة الخمسة" التي تضمّ كلّاً من موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر، وذكر فيسبوك وتويتر أنهما "أزالا شبكة من الحسابات المزيفة المرتبطة بروسيا والتي تم تشغيلها من غانا ونيجيريا واستهدفت الولايات المتحدة".

ولئن كانت موسكو متهمة بالتأثير في انتخابات دولة متقدمة تقنياً كالولايات المتحدة عام 2016، فلنا أن نتخيل حجم التحدي الذي يفرضه هذا النوع من النشاط الروسي على الدول الإفريقية التي تعاني أصلاً من بنى تحتية ضعيفة في مجال التقنية، بمّا يزيد انكشاف مجتمعاتها أمام التدخل الخارجي، ويحوّلها إلى ساحة تلاعب بالعقول بما يخدم مصالح القوى الكبرى، ويزيد في المقابل معاناتها المزمنة من تدخلاتها.

TRT عربي