حقل غاز "تمار" الواقع بالمياه الإقليمية التابعة لإسرائيل (Bloomberg)
تابعنا

جددت الحكومة المصرية ترحيبها بالتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، وذلك من خلال بيان صدر عن وزارة الطاقة المصرية، تضمّن تفاصيل مباحثات هاتفية ثنائية تمت بين وزير البترول المصري طارق الملا ووزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرّار، وشدّد خلالها الوزيران على ضرورة وأهمية تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الغاز الطبيعي، في إطار منتدى غاز شرق المتوسط.

ودفعت سلسلة الصفقات التي أُبرمت على مدار 16 عاماً بين البلدين إلى تساؤل مراقبين حول مدى استفادة القاهرة من تلك الصفقات، خصوصاً بعد تحوُّل الأخيرة المفاجئ من مصدّر إلى مستورد للغاز بموجب اتفاقية عام 2019، في وقت تحدث فيه خبراء عن "اكتفاء مصر الذاتي" من الغاز الطبيعي عقب بدء انتاجها الغاز بكميات هائلة بعد اكتشاف حقل "ظُهر"، الذي يصنّف كأكبر الحقول المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط.

تعاظم إقليمي للقاهرة أم "يوم عيد" لتل أبيب؟

تربط القاهرة بتل أبيب سلسلة من صفقات التعاون في مجال الغاز الطبيعي، أُبرمَت أولاها خلال عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، حين اتفق البلدان عام 2005 على تصدير مصر كميات كبيرة من الغاز إلى إسرائيل بسعر زهيد قدّره مختصون بأقلّ من نصف متوسط السعر العالمي.

وأثارت تلك الاتفاقية جدلاً واسعاً، خصوصاً بعد سقوط نظام مبارك عام 2011، إذ كانت القاهرة حينها تصدّر كل مليار وحدة غاز حرارية لإسرائيل بسعر 4 دولارات فقط، في وقت كانت دول إقليمية أخرى تشتري الغاز فيه بسعر يتراوح بين 7 و10 دولارات للكمية ذاتها.

ويرى مراقبون أن سقوط نظام مبارك وتدهور الأوضاع الأمنية في الفترة التي تلَت ذلك صبّ في مصلحة إسرائيل، فمع تكرُّر هجمات استهدفت وقتها البنية التحتية لخط الأنابيب الذي يصل إلى إسرائيل، توقّفت مصر عن توفير كمية الغاز المتفَق عليها عام 2005 مع تل أبيب.

وأدى توقف مصر عن تصدير الغاز إلى استنفار إسرائيلي، أفضى لاحقاً إلى تحوّل استراتيجي في ملف التعاون حول الغاز بين البلدين، إذ لجأت تل أبيب إلى التحكيم الدولي مطالبةً بتعويضات تبلغ مليارَي دولار.

تزامناً مع ذلك بدأت إسرائيل تشعر أنها مكتفية ذاتياً ولم تعُد تحتاج إلى الغاز المصري كسابق عهدها، فساومت مصر على تخفيض العقوبات الموقعة على مصر جراء وقف تصدير الغاز، مقابل استيراد مصر للغاز الإسرائيلي.

ووافقت مصر على عرض إسرائيل، ووُقّعت اتفاقية استيراد القاهرة للغاز الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، وسط تحوُّل لافت أصبحت فيه القاهرة فجأة مستورداً بدلاً من مصدّر، ليعود خطّ أنابيب العريش-عسقلان إلى العمل، لكن باتجاه عكسي، الأمر الذي وصفته تل أبيب وقتها بـ"اتفاق تاريخي"، أو كما عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو واصفاً الأمر بـ"يوم عيد".

وتبلغ قيمة الاتفاق 15 مليار دولار، تحصل مصر بموجبه على 85 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقلَي "تمار" و"لوثيان" الواقعين بالمياه الإقليمية التابعة لإسرائيل، وتكرّره وتسيّله في منشآت تسييل الغاز المتخصصة بمدينتَي إدكو ودمياط شمالي البلاد، ليُصدَّر بعد تلك العملية إلى أوروبا.

وفي هذا الصدد تعلّق منى سكرية، مؤسِّسة شركة "رؤى استراتيجية للشرق الأوسط" للاستشارات، بأن مصر "ربطت موافقتها النهائية على الاتفاقية مع إسرائيل بإيجاد حل لتعويض بقيمة مليارَي دولار هي مطالَبة بدفعها لشركات إسرائيلية، في أعقاب تعليق الإمدادات سنة 2012".

غير أن الحكومة المصرية ترى عكس ذلك، وتروّج فكرة تحوُّل مصر إلى "منصة إقليمية لتصدير الغاز"، وهو ما أكّده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقب إعلان اتفاقية استيراد بلاده الغاز من إسرائيل، إذ أفاد بأنه بموجب الاتفاقية لا يمكن اعتبار مصر مجرد مستوردة للغاز الإسرائيلي، فهي ستسيّله ثم تعيد تصديره إلى أوروبا.

ويرى الرئيس المصري أن الأمر سينعكس إيجابياً على مصر التي ستشهد تعاظماً لدورها الإقليمي وتحولها إلى مركز للطاقة، إذ أردف مخاطباً شعبه: "احنا جبنا جون يا مصريين" (أي أحرزنا هدفاً).

ولاء غير متبادل

انتقد الباحث خالد فؤاد، المتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط، عملية استيراد القاهرة غاز تل أبيب، معتبراً بذلك أن إسرائيل "تجني أرباحاً اقتصادية وجيوسياسية على حساب مصر".

وشدّد فؤاد على أن مصر بالفعل لديها فائض من الغاز الطبيعي لدرجة تكفيها لتصديره، وذلك بعد اكتشاف حقل "ظُهر" وتوفّر الإمكانات والتقنيات اللازمة لمصر لتكرير الغاز عبر محطات التسييل.

ولفت فؤاد إلى أن تل أبيب لا تعبأ بمصالح مصر الاستراتيجية والإقليمية، بل وتعمل ضدها في عديد من الملفَّات، أولها ملف خط أنابيب "إيست ميد" الذي "ينعكس مباشرة على تموضع مصر كمنصة إقليمية لتصدير الغاز، ويقدم الخط في حال إنشائه فرصة لإمداد إسرائيل بجزء من احتياجات أوروبا من الغاز بطريقة أسهل وأسرع وأرخص من محطات التسييل المصرية"، وفقاً للباحث المتخصص في شؤون الطاقة.

وعلى صعيد آخر يرى مراقبون أن تل أبيب تعرّض أمن مصر القومي للخطر وتضرب مصالحها الاستراتيجية في مقتل، بعد عقد إسرائيل اتفاقية تعاون استراتيجي مع الإمارات في سبتمبر/أيلول 2020، يُنقل بموجبها النفط الإماراتي عبر خط إيلات-عسقلان، بما يؤدي إلى تبعات صعبة المراس إذ يؤثّر في عائدات قناة السويس ويقلّل أهميتها، وينعكس مباشرةً على أمن مصر القومي.

وكان رئيس هيئة قناة السويس المصرية أسامة ربيع أكد أن المشروع الإسرائيلي-الإماراتي "يمكن أن يقلّل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%".

وعلى الرغم من تصريحات ربيع وغيره من المسؤولين المصريين المعبّرين عن بالغ قلقهم بشأن تحركات تل أبيب المخالفة لمصالح مصر، جاء بيان وزير البترول المصري طارق الملا وحديثه الإيجابي عن تطلعات بلاده إلى مزيد من التعاون مع إسرائيل حول ملف الغاز الحيوي، حاملاً دلالات على أن القاهرة عازمة على المضي قدماً في اتفاقية مداها 15 عاماً، يراها منتقدون "تفريطاً متعمَّداً في حقوق مصر وثرواتها لأجيال عديدة قادمة".

TRT عربي