كيف عززت الجزائر شراكتها الاقتصادية مع الصين؟ (Others)
تابعنا

منذ صيف عام 2022، عبّرت الجزائر رسمياً عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة "بريكس". وهو ما عبّر عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قائلاً إن بلاده تتوافر على "معظم الشروط المطلوبة للانضمام" إلى المجموعة ذات "الأهمية الاقتصادية والسياسية الكبيرة"، كما ستبعدها عن تجاذبات الأقطاب الدولية، على حدّ وصفه.

من جانبها، استقبلت الصين هذه الإشارة بحفاوة، إذ أعرب القائم بأعمال السفارة الصينية، كين جين عن ترحيب بكين بمساعي الجمهورية العربية للانضمام إلى "بريكس"، وأن بلاده "تولي اهتماماً كبيراً" لذلك.

على حين تُضاف هذه الخطوة إلى توجه اختارته الجزائر منذ أزيد من عقد من الزمن، بتوسيع شراكاتها الاقتصادية مع الصين، ما يؤهل البلد الآسيوي ليتصدر ترتيب شركائها الاقتصاديين الدوليين. وهو ما يطرح أسئلة عن أهداف وخلفيات هذا التوجه الجزائري، وعن مدى تأثيره في العلاقات التقليدية مع فرنسا.

كيف عززت الجزائر شراكتها الاقتصادية مع الصين؟

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقّعت الجزائر "خطة خماسية ثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل" مع الصين. هذه الاتفاقية التي يمتد تنزيلها على طول خمس سنوات تكثف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي بين البلدين.

وقتها، أوضح بيان مشترك للخارجيتين الجزائرية والصينية، أن التوقيع الجديد يُعدّ "تعزيزاً لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة سنة 2014، واستكمالاً للرغبة المشتركة للجانبين في توثيق العلاقات الجزائرية-الصينية والدفع بها إلى أعلى المراتب"، كما يعكس "حرص الطرفين على تثمين التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018".

وإن كانت هذه الخطوة مُضافة إلى إعلان الرغبة في الانضمام إلى "بريكس"، آخر أشكال توسيع الجزائر شراكاتها الاقتصادية مع الصين. فإن الجمهورية العربية، ومنذ بداية الألفية الثالثة، طورت الجزائر العاصمة وبكين علاقاتهما الاقتصادية، لتشمل عدة جوانب منها التبادلات التجارية والاستثمارات في قطاعات الصناعة والطاقة والتعدين والبناء.

هذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن هادف، في حديثه لـTRTعربي، قائلاً إن العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والصين "علاقات عريقة وممتدة في التاريخ المعاصر للبلدين، و(تتمظهر) في التعاون الكبير بينهما الذي يروم كل المجالات الاقتصادية".

وبلغة الأرقام، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر والصين نحو 14.6 مليار دولار في عام 2021، بنمو قُدِّر بنسبة 32.6%. وفي عام 2022، استوردت الصين ما حجمه 1.2 مليار دولار من السلع الجزائرية معظمها مواد طاقية كالنفط والغاز ومعادن مثل خام الحديد.

وما بين عامي 2005 و2020، استثمرت الصين في الجزائر ما يقدر بـ23.85 مليار دولار. وتركزت هذه الاستثمارات في قطاعي النقل والعقارات، إذ بَنتْ الشركات الصينية مشاريع بنية تحتية رئيسة مثل الطريق السيار شرق-غرب والمسجد الكبير في الجزائر العاصمة. كما استثمرت الصين في قطاع الطاقة، إذ طورت الشركات الصينية حقول النفط والغاز الجزائرية.

إضافة إلى انضمام الجزائر إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وسيستفيد البلد المغاربي من هذه المبادرة بتطوير بنيته التحتية للنقل، وعلى رأسها مشروع تطوير ميناء الحمدانية شرق العاصمة الجزائر، ليصبح أحد أكبر موانئ القارة السمراء.

طريق لاستبدال فرنسا؟

منذ عام 2013، نجحت الصين في أن تصبح المورد الأول للجزائر مزيحة فرنسا من مركز الصدارة الذي احتلته لعقود. وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي الجزائري، بالقول: "خلال السنوات الأخيرة أصبحت الصين أول مورد وشريك تجاري للجزائر وأخذت مكانة أكثر من الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا الشريك التجاري الأول التقليدي".

إضافة إلى هذا، يوضح عبد الرحمن هادف، أن هناك زخماً جديداً في الشراكة الاقتصادية بين البلدين، حيث أتن "الصين اليوم ماضية في الذهاب إلى ابرام شراكات جديدة مع الجزائر الميزة فيها أنها تعطي البعد الاستثماري مكانة أكبر"، إذ "نتكلّم اليوم عن مشاريع كبرى مهيكلة تُنجز من طرف المؤسسات الصينية في مجالات مثل البناء والأشغال العمومية، وتهم أيضاً قطاعات جديدة كالقطاع الصناعي وقطاع التعدين، مثل منجم الفوسفات شرق البلاد".

وفي تقرير أخير له، أشار موقع "أتالايار" الإسباني، إلى أن هذا الزخم الذي تعرفه الاستثمارات الصينية في الجزائر "أطاحت بفرنسا" اقتصادياً من البلاد. مستدلاً على ذلك بالصفقة التي وقعتها شركة "سوناطراك" الجزائرية مع شركات صينية لبناء مجمع للصناعات البيتروكيماوية، والذي كان من المتوقع أن تشترك فيه شركة "توتال إنرجي" الفرنسية بنسبة 49%.

ويشير الخبير الاقتصادي الجزائري إلى أن تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الصين يدخل في إطار مساعي الدولة الجزائرية لتوسيع دائرة شراكاتها الخارجية، والنموذج الاقتصادي الجديد الذي تتجه نحو تبنيه.

وقال هادف: "اليوم الجزائر في مرحلة تحول اقتصادي شامل، وبالتالي توجد نية تغيير النموذج التنموي الذي يرتكز عليها الاقتصاد الجزائري، من خلال الذهاب إلى نموذج جديد ومتنوع ومستدام".

ويقوم هذا النموذج التنموي الجديد، حسب المتحدث، على محورين؛ أولهما "تثمين مقومات مختلف القطاعات الاقتصادية من الصناعة والزراعة والسياحة واقتصاد المعرفة وغيرها من القطاعات التي ممكن أن تصبح اليوم خلّاقة للثروة"، أما المحور الثاني فيتعلق بـ"الاندماج في سلسلة القيم العالمية، من خلال تحالفات وشراكات وتعاون دولي مبني على احترام السيادة وأيضاً على تحقيق المصالح المشتركة".

ويخلص الخبير الاقتصادي، في ختام حديثه، إلى القول: "نظن أن الجزائر اليوم تحتاج إلى إبرام شراكات جديدة والذهاب مع دول تشاركها هذه الرؤية. ونرى أن هناك الكثير من الدول اليوم مستعدة للذهاب في هذا النحو، مثل الصين وتركيا وبعض دول أمريكا اللاتينية وحتى الدول الأوروبية".

TRT عربي