تابعنا
بالإضافة إلى معاناة اللاجئين السوريين في المخيّمات اليونانية من الفقر والخوف وعدم الأمان، انضافت معاناة جديدة مرتبطة بجائحة كورونا وتأثيرها على مطالبهم وحقوقهم.

"لا يحقّ لأحد أن يسجن أبي فهو حقّي الذي بقي لي في هذه الحياة، فلم أعد أبتغي تلك الألعاب الأوروبية الزاهية الملونة التي طالما حدّثني والدي عنها محاولاً إغرائي بها أثناء الطريق إلى اليونان، أريد فقط الهروب من كورونا الذي يتكلمون عنه!". بهذا أجاب الطفل محمّد العبد الله السلامة أحد سكّان مخيم جزيرة ليروس اليونانية حين سُئل عن آماله التي وضعها في حقيبته أثناء بدء تهجيره من مناطق دير الزور السورية هرباً من الموت وأملاً في البحث عن الحياة منذ بداية هذا العام، لكنّ النتيجة كانت عكس المتوقّع لتنتهي باعتقال أبيه في السجن المركزي في الجزيرة، ليبقى وحيداً تائهاً يفتّش عن الحنان المفقود في قلوب المارّة عسى أن يلمح جزءاً من أبيه!

أمّ الطفل محمّد العبد الله في حديثها إلى TRT عربي تطالب بالإفراج الفوري عن زوجها "المريض" واصفةً واقعها بالمأساوي.

وقالت حسب أقربائها في المخيّم: "إنّ عائلتي تتكون من 6 أطفال أصغرهم لم يتجاوز الشهر وأكبرهم لا يزيد على 15 عاماً، لقد تعبنا ولم يعد باستطاعتنا التحمّل، قدّمنا كلّ أوراق اللجوء المطلوبة إلى الجهات المعنية في اليونان حسب الأصول، لكنّها رفضت بحجة أنّ دير الزور منطقة آمنة وهذا بخلاف الحقيقة والواقع!"، تضيف أم الطفل: "ولم يُكتفَ برفض الطلب فحسب، بل ساقتنا السلطات إلى السجن مع عائلة صبري العلي السورية من عين عرب التي رُفض طلب لجوئها كذلك، إلى حين أن تدخلت الأمم المتحدة وأفرجت عنّا، ليبقى الرجال في السجن ويصبحوا في معتقل داخل معتقل!".

مشادات ومطالب إنسانية

اتهم وزير الهجرة اليوناني الجانب التركي بعرقلة تنفيذ اتفاق 18 مارس/آذار 2016 المبرم بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بذريعة جائحة كورونا حسب تعبيره، ما اعتبره حامي أقصوي المتحدّث باسم الخارجية التركية اتهاماً باطلاً ومزاعم مضللة لا أساس لها من الصحة وتهدف إلى تشويه الحقيقة لا أكثر وبدافع ما وصفه بـ"التستر على الجرائم التي ترتكبها اليونان بحقّ طالبي اللجوء"، مشيراً إلى أنّه على إثر الاتفاق بين الجانبين انخفضت نسبة الهجرة غير النظامية إلى 92% بفضل التزام الجانب التركي تنفيذ القرار".

يضيف المتحدّث باسم الخارجية التركية: "تحاول اليونان إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا من دون تسجيلهم ولا دراسة طلباتهم في الحصول على اللجوء الإنساني، ما يخالف بالضرورة الاتفاق المبرم بين الجانبين في اتفاق 18 مارس/آذار"، وأضاف أقصوي: "كما علقت اليونان طلبات استقبال اللجوء مؤقتاً بشكل يخالف الاتفاقيات المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي والتزاماتها الدولية -على الرغم من أنّه عنصر مهم في الاتفاق- لحماية الصحة العامة، فإن تركيا توقف بشكل مؤقت إعادة استقبال طالبي اللجوء بموجب الاتفاق، وأُبلغت السلطات اليونانية بذلك حسب الأصول".

وفي السياق ذاته أكّد أحد سكّان مخيم ليروس اليوناني لـTRT عربي "أنّ السلطات اليونانية تحاول بالفعل الضغط النفسي الممنهج على اللاجئ في المخيم من خلال وقف المساعدات الإنسانية والمالية المقدّمة له حال رفض أوراقه لأسباب تعسفية وغير مقنعة سواء السوري أو غير السوري!". مشيراً إلى أنّ السلطات اليونانية أصدرت قراراً يقضي بإعطاء 2000 يورو لكل لاجئ يوقّع على ورقة العودة إلى وطنه، معتبرة أنّ كل ما عدا السوريين دافع لجوئهم هو اقتصادي وليس هروباً من الحرب أو الاضطهاد، مع العلم أنّه جرى التأكيد لـTRT أنّ عوائل سورية تُرفض بذريعة أنّ مناطقها داخل سوريا باتت آمنة وتعتبر عائلة العبد الله من دير الزور وعائلة العلي من كوباني من العوائل المرفوضة!

في السياق نفسه، انتقد الباحث الاجتماعي والسياسي فانسان ميسبولي رئيس جمعية قصص البحر المتوسط الحقيقية في فرنسا وأحد أهم الناشطين في الشأن الإنساني، في إفادته لـTRT عربي، أسلوب التعاطي مع اللاجئ والعوائل المنكوبة في اليونان، معتبراً أنّه "في حال تقصير الجانب التركي واستخدام اللجوء كورقة ضغط سياسي لا يبرر ذلك لليونان أن تعرقل ملفات اللجوء وأن تتعاطى بشكل لا إنساني مع الواقع أو بشكل سياسي مع المتغير الإنساني. لذا فإنّ حالة الرهاب القصري من الإنسان الهارب من الموت والباحث عن الحياة لا تليق بالمبادئ الأخلاقية والقانونية والإنسانية التي على الجميع التزامها وتحييد الإنسان عن لعبة الصراع السياسي والاقتصادي!".

لجنة شؤون اللاجئين

وفي حديث أجرته TRT عربي مع أمل شيخو رئيسة لجنة شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وصفت أوضاع اللاجئين في اليونان بالمأساوية وغير اللائقة بالإنسان مبيّنة ذلك بالقول: "مع الأسف إنّ السلطات اليونانية تحاول اغتنام كل مناسبة وكل وسيلة لإعادة اللاجئين بشكل قسري، فهذا القمع المفرط الذي تتعامل به السلطات اليونانية مع اللاجئين من مختلف الجنسيات جريمة ووصل إلى مستويات غير معقولة، خاصة بعد موجة اللجوء الأخيرة".

مع الأسف إنّ السلطات اليونانية تحاول اغتنام كل مناسبة وكل وسيلة لإعادة اللاجئين بشكل قسري.

أمل شيخو، رئيسة لجنة شؤون اللاجئين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

هذا، ودعت رئيس لجنة اللاجئين السلطات اليونانية إلى ضرورة مواجهة الوباء داخل المخيمات، مشيرة إلى وجود "مخاطر تتعلق بالوضع الأمني والصحي وبخاصة بعد إصابة سيدة سورية في مخيم ريتسونا الذي يبعد عن أثينا 80 كليومتراً بفيروس كورونا. من المهم جداً العمل على خطة طوارئ وتنفيذها بشكل سريع لمنع تفشي الوباء ضمن صفوف اللاجئين في المخيمات وعلى الحدود، ويكون ذلك من خلال التأمين الفوري للمستلزمات والرعاية والخدمات المناسبة كافة، وهي مسؤوليات تقع على عاتق الحكومة اليونانية بالدرجة الأولى والاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية".

وتضيف المتحدثة نفسها لـTRT عربي: "مثلاً مع بدء ظهور حالات فيروس كورونا في تركيا، أُفرغ مخيم اللاجئين العالقين على الحدود التركية اليونانية بالكامل، وجرت إجراءات الحجر الصحي وفصل العائلات عن الشبان والتعامل مع كل شريحة بالطريقة المناسبة. وبعد مرور الفترة الضرورية للتحقق من وضعهم غادروا جميعاً، لكنّ بعضهم فضّل البقاء في تركيا وآخرون قرروا متابعة طريقهم نحو أوروبا".

عينٌ على المخيم.. وكورونا يتأهب!

نفى السيد هاني عسكر أحد سكّان المخيّم وجود أيّ إصاباتٍ في صفوف اللاجئين داخل مخيم ليروس اليوناني، لكن في الوقت ذاته حذّر من إمكانية تسلل الفيروس إلى المخيّم ليفتك بساكنيه، إذا لم تتحرّك السلطات اليونانية في الإسراع باتخاذ قرارات فورية وإنسانية بشأن ملفات اللجوء المقدّمة إليها منذ عدّة أشهر حسب إفادته.

ويبيّن هاني وهو ربّ أسرة مكونة من ثلاثة أطفال وأمّهم أثناء لقائه مع TRT عربي أنّ "السلطات اليونانية المسؤولة عن المخيمات تخبرنا دوماً بوجوب أخذ الاحتياطات المناسبة لمنع تسلل فيروس كورونا، ولا شك أنّها تقدّم التعليمات الخاصة وبشكل دوري حول التوعية بوجوب الاهتمام بالنظافة واتخاذ الإجراءات المناسبة للتباعد بين الأشخاص وأثناء التعامل والأنشطة اليومية. لكن في الحقيقة لا تكمن المشكلة في التعليمات ذاتها ولا بنقص الوعي الموجود عند سكّان المخيّم، بل الكارثة في عدم إمكانية تطبيق سكان المخيم لهذه القرارات واتباع التعليمات على أرض الواقع!".

ويوضّح ذلك بقوله: "إنّ البيئة المحيطة بسكان المخيم ليست مناسبة ولا آمنة بل وغير قابلة للاستخدام الآدمي!، فكيف لنا أن نطبّق قواعد التباعد الإنساني الصحي داخل المخيم وفيه ما يزيد عن 2500 لاجئ، في حين أنّ الطاقة الاستيعابية له لا تزيد عن 800 إنسان!، كيف لنا أن نتباعد ونأخذ مسافة أمان بين الأشخاص والأبنية المتوفرة غير مجهزة لا سيما والأغلبية يسكنون في الخرابات والأبنية المهجورة المجاورة بدورها للمخيّم المعد لاستقبال اللاجئين؟!، كيف لنا أن نتباعد وكل يوم على اللاجئ أن يذهب إلى المدينة لمدة محدودة ويقف بدور كبير ويخالط الناس عن قرب لكي يأتي باللوازم الضرورية للأطفال والعائلة وعلى حسابه الخاص".

إنّ البيئة المحيطة بسكان المخيم ليست مناسبة ولا آمنة بل وغير قابلة للاستخدام الآدمي!

هاني عسكر، أحد سكان المخيم ورب أسرة مكونة من ثلاثة أطفال وأمهم

ويشير إلى أنّه "إضافة إلى الطابور الطويل والعذاب الشاق الذي يعانيه اللاجئ أثناء محاولته الحصول على طعامه، فإنّ الطعام الموزّع في المخيّم فاسد ولا يمكن تناوله على الإطلاق، بل وبسبب الطعام الفاسد كل أطفالي اليوم يتعالجون داخل المصح نتيجة التسمم بالطعام الموزّع في المخيّم!".

هذا، وتساءل هاني أيضاً أثناء لقائه مع TRT عربي: "كيف لنا أن نطبّق قواعد النظافة لمحاربة كورونا ولا يحتوي المخيم على أدنى مقومات التصريف الصّحي ووسائل التنظيف!، فكل الأوساخ والفضلات تتجمّع في جورة كبيرة في منتصف المخيم!، وعليه فإنّ كل التوجيهات والبروشورات التي تحاول السلطات توعية الناس بواسطتها من أجل اتقاء كورونا لا معنى لها وغير قابلة للتطبيق في ظل الظروف المأساوية والمحيطة التي لا تساعد على تطبيق تعليمات أو قرارات حكومية كهذه!، إنّ كلامهم حول كورونا في ظل عدم توفر الأدوات والبيئة المناسبة، يجعلنا فقط نعيش حالة خوف ورهاب تعود بالضرر على نفسية الأطفال والكبار على السواء!".

ويضيف المتحدث نفسه لـTRT عربي: "إنّ مواجهة فيروس كورونا داخل المخيّم ليس باتخاذ الإجراءات التقليدية التي يُنظّر بها صاحب القرار على الإنسان البسيط، بل بتسريع طلبات اللجوء وتأمين اللوازم الضرورية والإفراج الفوري عن المهجّرين المحتجزين داخل السجن الخاص بالمخيم!، وعدم وقف الأوراق الخاصة بطلبات اللجوء!. باختصار إنّه لعار كبير هذا التعامل مع اللاجئ بإقلال وإنسانية منقوصة!".

تتكون عائلة أم محمد من 6 أطفال أصغرهم لم يتجاوز الشهر وأكبرهم لا يزيد على 15 عاماً (AA)
TRT عربي