أنور رسلان، متهم بالإشراف على إساءة معاملة معتقلين في سجن بالقرب من دمشق قبل عقد من الزمن (AFP)
تابعنا

بعد جلسات ماراثونية، وفي محاكمة هي سابقة من نوعها في العالم، قضت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنس، غربيّ ألمانيا، بالسجن مدى الحياة بحق أنور رسلان، ضابط المخابرات المنشقّ عن نظام الأسد واللاجئ هناك، لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومسؤوليته عن مقتل 27 معارضاً سورياً وتعذيب أربعة آلاف آخرين على الأقلّ في الفترة ما بين 2011 و2012.

رسلان، الذي كان غادر جهاز مخابرات الأسد سنة 2012، ما فتئ محاميه يذكر أن موكله لم يحاول إخفاء ماضيه عندما لجأ إلى ألمانيا مع عائلته بعدها بسنتين، بل وطلب بنفسه حماية شرطة برلين ضد أي أعمال انتقامية على خلفية الانتهاكات التي كان يرتكبها في أثناء خدمته.

فيما أتت المتابعة القضائية بعد أن اكتشف أنور البني، المحامي المعارض الذي يطارد الآن المتعاونين السابقين مع النظام اللاجئين في أوروبا، وجود رسلان بألمانيا، حيث قاد ضده حملة دفعت المدّعي العامّ الألماني إلى اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي انتهى بوقفه في فبراير/شباط 2019 ووضعه رهن الحبس الاحتياطي.

ولقي الحكم احتفاءً على نطاق واسع، من النشطاء والمنظمات الحقوقية الدولية. غير أنه أثار جدلاً كذلك حول ما اعتبره آخرون "عدالة انتقائية" تستهدف المنشقين ولا تتجرئ على محاكمة رأس النظام.

احتفاء واسع

بعد النطق بحكم السجن المؤبد في حق رسلان، وصف الرجل الذي وقف وراء تحريك القضية، أنور البني، الأمر بأنه "انتصارٌ لسوريا ولمستقبل سوريا".

وعلّق أحد ضحايا الجرائم التي ارتُكبت في المعتقل الذي كان يديره الضابط المدان، وسيم مقداد، في تصريحات أدلى بها لوكالة الأنباء الفرنسية، قائلاً: "آمل أن نكون أعطينا صوتاً لمن لا صوت لهم" في سوريا، مؤكّدا أن "جلّ ما أريده هو إحقاق الحقّ لا الأخذ بالثأر أو الانتقام".

ونقلاً عن ذات المصدر، أكّدَت المحامية السورية جمانة سيف، أن "هذه المحاكمة في غاية الأهمية للسوريين، لأنها تتمحور حول جرائم خطرة جدّاً ما زالت تُرتكب اليوم".

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، غرَّد الصحفي علي الحميدي، قائلاً: "‏كسوريين، نحن ضحايا نظام مستبدّ مجرم، ننشد العدالة أبداً. إدانة ‎أنور رسلان والحكم عليه بالسجن، ليس نهاية حظنا بالعدالة بل بداية طريق طويل، فالمجرمون كثر، ونريد أن نقتصّ من الجميع وأن تشفى صدور كل الضحايا". وغرَّد المعارض السوري والمعتقل السابق عمر الشغر، بأن "اليوم ‎رسلان وغداً ‎الأسد. هذه بداية ما سينقل الديكتاتور من كرسي السلطة إلى كرسي المحكمة".

دولياً، أشادت المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، بالحكم، واصفة إياه بـ"القفزة التاريخية إلى الأمام في المسعى إلى الحقيقة والعدالة، وتعويضات عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في سوريا على مرّ أكثر من عقد"، مضيفة بأن هذا "سيشكّل رادعاً قوياً وسيساهم في منع ارتكاب تلك الفظاعات في المستقبل".

في نفس السياق أشادت الخارجية الأمريكية بالحكم، معتبرة إياه "انتصاراً كبيراً لضحايا" النظام السوري و"إشارة واضحة إلى وجوب محاسبة المسؤولين عن هذه الفظائع". وقالت الخارجية البريطانية في تغريدة لها، إن الحكم " انتصار تاريخي في ‎ألمانيا (...)، هذه خطوة أخرى تجاه المساءلة وتحقيق العدالة للشعب السوري".

"عدالة انتقائية" وجدل القصاص

هذا الاحتفاء، على وسعه، لم يمنع من أن يصبح الحدث موطن جدلٍ بين النشطاء السوريين، الذين أكد قسم منهم أن المحاكمة وإن انتصرت للضحايا ضد جلادهم، ليست إلا حلقة صغيرة لا يمكنها أن تكون نهاية الظلم، ما لم تتوجه إلى النظام نفسه.

هكذا علَّق الإعلامي السوري غسان ياسين، معتبراً أن الحكم لا يعدو أن يكون "انتقاماً من المنشقّين"، ولا علاقة له بالعدالة.

وقال ياسين في تغريدة على تويتر: "‏أنا واحد من ضحايا ‎أنور رسلان، وتعرضت لتعذيب شديد في اعتقالين منفصلين خلال 2011. أقول لكم وبصوت عالٍ: أي محاكمة للمنشقين قبل محاكمة أركان ‎تنظيم الدولة البراميلية هي قطعاً في صالح الأسد الكيماوي، ولا تعنيني ولا علاقة لها بالعدالة. هي انتقام من المنشقين جميعاً، ورسلان أولهم".

ودافع ياسين عن موقفه ذاك بأن الضحية انشق وتبرأ من كل الجرائم التي ارتكبها تحت خدمته للنظام، إذ كتب في تغريدة أخرى أن "‏أنور رسلان ليس ضابط مخابرات سابقاً، بل هو ضابط مخابرات مُنشقّ، وهناك فرق كبير، ياليت قومي يعلمون"، مشيراً إلى أن من الأجدر محاكمة رموز النظام الذين ما زالوا يرتكبون الفظائع في حق الشعب السوري.

كما استغرب ناشط سوري آخر، بحساب تحت اسم "حذيفة"، حكم القضاء الألماني، قائلاً إن "‏‎المفارقة أن القضاء الألماني حكم على ‎أنور رسلان بالمؤبد بسبب جرائم ضد الإنسانية، ولكن في نفس الوقت موظفو الحكومة الألمانية يُجبِرون اللاجئين على الذهاب إلى سفارة النظام ودفع ثمن جواز سفر من أجل تمديد الإقامة في ألمانيا، يعني مافيش مشكلة تروح وتدفع لقاتل الملايين ومهجّرهم!".

وغُصّت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الجدل حول محاكمة أنور رسلان، إذ بلغ الوسم باسمه تداولاً كبيراً على منصة تويتر. في المقابل أقرت المحكمة الألمانية في نصّ حكمها "الهجوم الموسَّع والممنهج ضدّ المدنيين" الذي يشنّه نظام الأسد على السوريين منذ نزلوا إلى الشارع مطالبين بالديمقراطية سنة 2011.

TRT عربي