"عريضتان انقلابيتان".. ماذا يحدثُ داخل الجيش الفرنسي؟ (Geoffroy Van Der Hasselt/AFP)
تابعنا

تزامناً مع عودة الجيش الفرنسي إلى الشانزليزيه في استعراضه التقليدي، إحياءً لذكرى اندلاع الثورة، التي تأتي في 14 يولوي/تموز من كل سنة. يبقى السؤال المخيم على المناخ العام في باريس، بين سياسييها كما بين مواطنيها العاديين، هو: كم من هؤلاء الذين يحيُّون الآن أمجاد انبثاق جمهورية المساواة والحرية والإيخاء، قد وقعوا العريضة المنشورة سابقاً على موقع المجلَّة اليمينية المتطرفة Valeurs Actuelles؟

هذه العريضة التي بلغت من الخطورة أن يتدخَّل الجيش في سياسة البلاد، وهو الذي أساساً يمنعه الدستور الجمهوري من أن يكون له توجه سياسي، اختار أن يقف على أقصى اليمين، معبراً عن سخطه ممَّا أسماه "تساهل الحكومة في معالجة المد الإسلامي الذي يهدد البلاد".

الأمر الذي وصل به الحد إلى دفع وزيرة الدفاع، فلورانس بارلي، إلى إدانة الخطوة معتبرة إياها تهديداً بـ"حرب أهلية" قد تدق أبواب البلاد.

الجنود الفرنسيون ممتعضون!

في الحقيقة لم تكن عريضة واحدة، بل عريضتين تأخذان نفس السياق، ونُشرتا تباعاً على نفس الموقع، شهر أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين. في الأولى، والتي عنونها صاحبها الجنرال السابق في الدرك الفرنسي، جان بيير فابر بيرناداك، بـ"من أجل أن نعيد شرف حكامنا"، يحذر في مطلعها من "الموت المحدق" بالجمهورية.

ويضيف في عريضته الموقعة من قبل 5000 جندي من رتب عسكرية رفيعة، عدد منهم لا زال في الخدمة. بأنهم مستعدون لحماية البلاد من "خطر الإسلامية وجحافل الضواحي (المأهولة في أغلبها بجالية مسلمة) الذين يحتلون قطاعات واسعة من أراضينا، ويخضعونها إلى دوغمائية مناقضة لما جاء به دستورنا".

كل هذه "أخطار مميتة" حسب زعمه، يرصدها الجنرال السابق في عريضته. متعهِّداً بأنه، وكل من وقَّع عليها، لن يبقوا "مكتوفي الأيدي" أمامها، كما أمام "انعدام جرأة الحكام التي تقلقنا وتقلق عامة الشعب الفرنسي"، لم تمض سوى أيام قليلة حتى أتى تأكيد تصريحات الجيش بعريضة أخرى، هذه المرة من ضباط لا زالوا في الخدمة.

حيث ولكون القانون الفرنسي يمنع على المؤسسة العسكرية أن يكون لها موقف سياسي، وقعت العريضة الثانية باسم مجهول، مع أنها تحصلت على أزيد من 200 ألف توقيع مزكى. فيما لا تخرج على نطاق التحذير ممَّا أشار إليه الجنرال فابر بيرناداك، ألا وهو "الضواحي التي تمت مصادرتها من سيادة الجمهورية.. والعنف الذي يغزو مدننا وبلداتنا، والطائفية التي أُسِّس لها داخل الفضاء والنقاش العامين، كما الكراهية لفرنسا وتاريخها" تقول العريضة الثانية.

"الجبن والخداع والانحراف: ليست من ضمن معاييرنا للحكم. لأننا في العسكرية نقول الحقيقة كوننا نضع حياتنا على المحك. ولمواجهة كل هذا لنا كل الثقة في استجابة المؤسسة العسكرية لتطلعاتنا" تورد العريضة، في إشارة خطيرة إلى إمكانية التحرك لتفويضها العسكر من أجل التدخل في حكم البلاد. وتضيف بأنه "في وقت الحرب الأهلية سنكون نحن من يتشبثون بالبقاء على الأرض وتحريرها".

هذه التحركات المنذرة بأن شيئاً ما يحدث داخل الجيش الفرنسي، استدعت ردود فعل كثيرة، على رأسها ما قالته وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، التي أدانت العريضتين ونشرهما، معتبرة بأن "الأمر خطأ خطير"، ليس له من هدف سوى "تقسيم الأمة في وقت هي في حاجة ماسة لتكاتف في ما بينها".

ماذا يحدث داخل الجيش الفرنسي؟

ما أشبه اليوم بذلك الذي حدث قبل 200 سنة، حيث هاتان العريضتان تطابقان تماماً مع ما سبق انقلاب "18 برومير" من تحذيرات بأن الأنركيين يتآمرون لقلب نظام الحكم الجمهوري، انتهى الأمر باستحواذ نابوليون بونابارت على السلطة وتأسيس الإمبراطورية الفرنسية فيما بعد. فيما اليمين الفرنسي لا يتوانى في وصف نفسه بونابارتياً.

ما يؤكده كذلك حديث فلورانس بارلي، التي قالت: "هذه العريضة تستخدم خطاباً ومعجماً ودلالات تنتمي لليمين المتطرف". كما تؤكده النزعة اليمينية المتطرفة لكاتب العريضة الأولى، الجنرال المتقاعد جان بيير فابر بيرناداك، الذي كشفت وسائل إعلام فرنسية علاقاته الوطيدة بهذا التيار السياسي. هو الذي يبلغ من العمر 73 سنة، كان قد نشر كتاباً يحذر فيه من انفجار اجتماعي قادم من هوامش فرنسا.

كل ذلك يجعل الخطر اليميني في فرنسا أكثر إلحاحاً، وهو الذي يستقوي باليد الحديدية للجيش، ورغم أن تدخلاً مباشراً يظل مستبعداً في الوقت الراهن، تبقى السيناريوهات مفتوحة على تطورات الأمر على الأرض.

TRT عربي
الأكثر تداولاً