مواطنون إماراتيون يعملون بمركز محمد بن راشد للفضاء في دبي (Giuseppe Cacace/AFP)
تابعنا

أقرّت الحكومة الإماراتية الأحد قانوناً ينص على أن تُشكِّل نسبة الموظفين الإماراتيين ما لا يقل عن 10% من إجمالي الموظفين بشركات بالقطاع الخاص في البلاد، وذلك جزء من برنامج إصلاحاتها الاقتصادية ومبادرة "مشاريع الخمسين" التي تأتي في إطار "رؤية الإمارات 2021"، المصادفة لمرور 50 عاماً على تأسيس دولة الإمارات.

ومن المقرر أنّ يطبَّق القانون حصراً على وظائف "العمالة الماهرة" بالشركات الخاصة، وستعمل الحكومة الإماراتية بشكل وثيق مع شركات القطاع الخاص لتحقيق الهدف بحلول عام 2026.

ويرى مراقبون أنّه على الرغم من التطلعات الاقتصادية الإيجابية التي ترجوها الحكومات بنهجها تلك البرامج، فهي تواجه أيضاً تحديات وعقبات عدّة، كما تتسبب في تبعات تتكبدها العمالة الأجنبية.

الخليج ومساعي التوطين

تتصدر دول الخليج العالم بنسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضها، فيعيش ما يقرب من 25 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، يمثّل إجمالي العمالة الوافدة بأفراد أسرهم نسبة تقترب من 50% من إجمالي سكان المنطقة البالغ 51 مليوناً، وفق بيانات صادرة عام 2019.

وتعكس سياسات توطين الوظائف إرادةً وتوجهاً حكومياً لتدشين حملة لدمج السكان المحليين في القوى العاملة بالقطاع الخاص.

وحسب إحصاءات دولية فإن نسبة العمالة الأجنبية في قطر إلى إجمالي السكان تقدَّر بنحو 91% لتحتل بذلك صدارة الترتيب العالمي للعمالة الوافدة، وتلتها الإمارات بنسبة 89%، ثم الكويت بنسبة 72.1%، والبحرين بنسبة 54%.

وبعد التداعيات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا واجهت دول العالم أزمات اقتصادية دفعت العديد منها إلى اتخاذ إجراءات تقشّف لتقليل النفقات.

وعلى هذا النحو اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما تلك التي تعتمد على العمالة الوافدة في قطاعات عديدة اعتماداً شبه كلي وفي بعض الأحيان كليّاً، مثل السعودية والإمارات، إلى تكثيف سياسات توطين الوظائف محاوِلةً إنقاذ الوضع الاقتصادي، وإيجاد حلول عمليّة طويلة المدى لأزمة البطالة المتفاقمة بين مواطنيها.

وفي حديث لوكالة الأناضول لفت الخبير الاقتصادي محمد رمضان إلى أن "نسبة البطالة هي التي تحدد الحاجة الملحة إلى إحلال سياسات التوطين بشكل سريع"، مُشيراً إلى أن البطالة المرتفعة في السعودية دفعت إلى الإسراع بتوطين الوظائف الحكومية، وبعض المجالات بالقطاع الخاص، مؤكداً أن قطر على سبيل المثال لا تواجه أزمات مشابهة في ظل البطالة المنخفضة، بينما تختلف الضغوط بدولة الإمارات من إمارة إلى أخرى.

ويُضاف عامل آخر بجانب الجائحة هو انخفاض أسعار النفط العالمية، إذ تعاني أسواق النفط الخام منذ 2014 تخمة المعروض ومحدودية الطلب، ما أدى إلى هبوط حاد في الأسعار نزولاً من 112 دولاراً للبرميل منتصف 2014 إلى نحو 70 دولاراً حالياً.

وكانت برامج التوطين أُطلِق العديد منها بالفعل قبل بدء جائحة كورونا، غير أنّ الجائحة خلقت حاجة مُلحّة في نظر حكومات الخليج لتكثيف برامجها وتطويرها.

ما هدف البرنامج الإماراتي الجديد؟

صرّح وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي محمد عبد الله القرقاوي بأن قانون توطين الوظائف سيُطبَّق على مدى السنوات الخمس المقبلة، بدءاً من متطلب أولي بنسبة 2% للسنة الأولى.

ويهدف البرنامج إلى تخصيص نحو 24 مليار درهم (6.5 مليار دولار) لخلق 75 ألف فرصة عمل للمواطنين في القطاع الخاص، إضافة إلى صرف بدلات ومكافآت وحوافز مالية مجزية للعاملين من مواطني الإمارات العربية المتحدة، وبخاصة في مجال البرمجة والتمريض وريادة الأعمال، على أن يتلقّى السكان المحليون العاملون في القطاع الخاص علاوة أطفال قدرها 800 درهم إماراتي شهرياً.

كما سيُسمح للعاملين في الحكومة الإماراتية الراغبين في تدشين أعمالهم الخاصة بالحصول على إجازة مدفوعة الأجر جزئياً لمدة تصل إلى عام، حسب وكالة "وان" الإماراتية الرسمية.

ووفقاً للأهداف الموضوعة ينتظر أن يسهم البرنامج في امتلاك الإمارات 10 آلاف ممرضة إماراتية بحلول عام 2026، على أن تدعم الحكومة البرامج التدريبية للإماراتيين لبناء كفاءاتهم عند انضمامهم إلى القطاع الخاص.

وتسلك أبو ظبي بذلك المسار الذي سلكته الرياض قبلها بدءاً من عام 2017، إذ نجح برنامج توطين الوظائف بالمملكة "سَعْوَدة الوظائف"، وفق مسح أجرته وكالة الأناضول في مايو/أيار من العام الجاري، في لفظ ما يزيد على ربع العمالة الوافدة منذ بدايته، وذلك بمقدار 2.24 مليون موظف أجنبي غادروا وظائفهم بالقطاع الخاص السعودي خلال 51 شهراً منذ مطلع 2017 حتى نهاية الربع الأول من 2021.

تداعيات على العمالة الأجنبية

يتخوّف خبراء اقتصاديون من أنّ سياسات توطين الوظائف التي تُطبَّق بدول خليجية تزيد الضغوط على العمالة الأجنبية، لا سيما بعد تضررهم من الكساد الناتج عن جائحة كورونا، مع الوضع في الاعتبار تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلدان الأصلية للوافدين.

وحسب تقرير صادر عن وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية فإن سياسات توطين الوظائف بدول مجلس التعاون الخليجي تساعد في حل مشكلة البطالة بين المواطنين في ظل الزيادة السكانية السريعة فإنها قد تؤدّي إلى زيادة تكاليف العمالة وتعوق تنويع الموارد.

وأضاف التقرير أن التغييرات الاجتماعية والديمغرافية ستزيد الطلب على التوظيف، لا سيما إذا دخلت المزيد من النساء إلى سوق العمل، فضلاً عن عدد الوظائف الجديدة المطلوب توفيرها للمواطنين خلال العشرين عاماً المقبلة لتلبية أهداف سوق العمل والأهداف الاجتماعية، وهو ما يمثّل تحدياً آخر.

وترى موديز أن التوترات الاجتماعية والسياسة قد تزيد إذا فشلت خطط التوطين في زيادة التوظيف بشكل كافٍ، وأن السلطات ستجد صعوبة في الأجل القريب على الأقل في خلق الفرص الكافية في القطاع الخاص لوقف ارتفاع معدل البطالة.

وحسب خبراء اقتصاديين فإن الإجراءات الحمائية للدول الخليجية لخلق فرص عمل للمواطنين تسبب اختلالات واضحة فيما يخص زيادة التكلفة، وهو ما يبدو جليّاً في الامتيازات التي يفرضها قانون توطين الوظائف الإماراتي على أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال، إذ يخص الموظف المحلي ببدلات ومكافآت وحوافز مالية، ما يخلق خلّلاً واضحاً في سوق العمل الإماراتي على المدى المتوسط والطويل.

ويأتي ذلك بالتوازي مع "فرض الضرائب والرسوم على الوافدين بغرض تنويع الإيرادات وعدم الاعتماد على النفط مصدراً رئيسياً للدخل"، الأمر الذي يراه الخبير الاقتصادي عيد الشهري يخلق عقبة أمام نجاح هذا النموذج.

وتفقد شركات القطاع الخاص الميزة التنافسية للمهارات المتاحة، ما يقلّص فرص التوسّع ويخفّض إيراداتها، كما يخلق التوطين سوقاً سوداء للتوظيف الوهمي والبطالة المقنعة.

TRT عربي