أصبحت الجزائر أكبر مُورد للغاز نحو إيطاليا (Mauro Scrobogna/AP)
تابعنا

ثلاثة لقاءات في أقل من أربعة أشهر بين قادة البلدين، اثنان في الجزائر وواحدة في روما، كلها مؤشرات على الحيوية التي أصبحت تتسم بها العلاقات الجزائرية الإيطالية، في سياق الحرب التي تعرفها أوكرانيا وما نتج عنها من أزمة طاقة أوروبية.

وحلّ رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، يوم الاثنين، في العاصمة الجزائر في زيارة أتت لتتمم ما اتفق حوله البلدان سابقاً من تعاون في مجال الطاقة، وشملت توقيع اتفاقيات بقيمة 4 مليارات دولار، حسب ما أعلنته الرئاسة الجزائرية.

هذا وترى القارة العجوز في البلد العربي الجار مفتاح عجز واردات الغاز، تزامناً مع إغلاق الروس حنفية إمداداتهم إليها. بالمقابل، تخرج الجزائر من هذا الظرف، الذي تتحالف فيه الحرب مع أزمة الطاقة لزيادة الطلب على غازها، كأحد أبرز الرابحين.

زيارات واتفاقات

خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الإيطالي ماريو دراغي، يوم الاثنين، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن شركة سوناطراك للمحروقات ستوقع الثلاثاء اتفاقاً مع شركات طاقة أمريكية وفرنسية وإيطالية، من أجل ضخ كميات كبيرة من الغاز نحو إيطاليا.

وأوضح تبون أن الشركة المحلية ستوقع مع كل من "أوكسيدونتال (أمريكية) وإيني (إيطالية) وتوتال (فرنسية)" إتفاقيات "بقيمة 4 مليارات دولار" ستسمح "بتزويد إيطاليا بكميات أكبر من الغاز الجزائري". فيما يتزامن هذا وإعلان الجزائر، يوم الجمعة، ضخها كميات إضافية من الغاز نحو إيطاليا خلال الأيام القادمة، بما يعادل 4 مليارات متر مكعب، على أن تبلغ 6 مليارات متر مكعب مع نهاية 2022.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي قد زار الجزائر سابقاً، مطلع أبريل/نيسان الماضي، حيث أجرى محدثات انفرادية مع الرئيس الجزائري. وعقب ذلك أعلن المسؤول الإيطالي توقيع "إعلان نيات بشأن التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الاتفاق بين "إيني" (المجموعة الإيطالية) و"سوناطراك" لزيادة صادرات الغاز إلى إيطاليا".

ورقة تفاهم قال بيان لـ"سونارطاك" وقتها، أنها تروم "تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي (...) وزيادة حجم الغاز المصدَّر باستخدام القدرات المتاحة لخطّ أنبوب الغاز ترانسميد". وحسب "إيني" فإن هذا الرفع من حجم واردات الغاز الجزائري "سيزيد تدريجياً لتبلغ 9 مليارات متر مكعب في 2023-2024".

وفي السياق ذاته، وتزامناً مع زيارة دراغي، أعلن مدير شركة الكهرباء الجزائرية "سونلغاز" مراد عجال، عن إنجاز كابل تحت بحري بـ250 كلم نحو إيطاليا انطلاقاً من سواحل عنابة شرقي الجزائر والذي يهدف إلى ترقية صادرات الكهرباء الجزائرية، تنفيذاً لما عبر عنه تبون من التزام بأن تكون الجزائر "من المزودين لأوروبا بالطاقة الشمسية المتجددة والكهربائية التقليدية".

هل يحرّر الغاز الجزائري إيطاليا من قبضة روسيا؟

وحسب ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي أثناء المؤتمر الصحفي، يوم الاثنين، فإن الجزائر "أصبحت المزود الأول للطاقة لبلدنا خلال الأشهر الأخيرة" بعد أن كانت روسيا تحتل الصدارة.

وتعتمد إيطاليا على الغاز بنسبة 42% في توليد الطاقة، تستورد إلى حدود 95% من حاجاتها من هذه المادة الحيوية. وفي هذا الصدد تُعَدّ الجزائر ثاني مُورد لروما بنسبة 30%، فيما تقبع روسيا على رأس المورّدين حيث تزودها بنحو 45% من حاجاتها.

وحسب إحصاءات سنة 2020، استوردت إيطاليا ما يعادل 28.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، فيما بلغ هذا الرقم في السنة التالية 30 مليار متر مكعب، مع ارتفاع الطلب المحلي بعد رفع القيود الصحية وانطلاق عملية الإقلاع الاقتصادي. في المقابل، تعدّت الواردات الإيطالية من الغاز الجزائري في 2021 عتبة 22.5 مليار برميل.

بالتالي سيمكّن رفع واردات الغاز الجزائري بـ6 مليارات متر مكعب، الجزائر من أن تصبح المزود الأول بالغاز لإيطاليا بما مجموعه 31.5 مليار متر مكعب سنوياً. مع ذلك تبقى هذه النسبة بعيدة عن تحرير البلاد من الغاز الروسي على المدى القريب، بما يدفعها إلى البحث عن بدائل طاقية أخرى مثل البحث عن موردين جدد، توسيع واردات الغاز المسال أو الاعتماد الجزئي على الفحم.

رابح أكبر من أزمة الطاقة العالمية؟

ويرى محللون أن وجود شركة "توتال إنرجي" الفرنسية في الاتفاق، يؤكد أن نصيباً من هذا الغاز سيصل أيضا إلى فرنسا، معللين ذلك بما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أشار إليه في تصريح أخير، بخصوص اللجوء لعدة دول من بينها الجزائر لتعويض الغاز الروسي.

فيما تبشر هذه الزيادة في الطلب الأوروبي على الجزائر برفع إيراداتها الطاقية، خصوصاً في ما يتعلق بصادرات النفط والغاز، حيث قفزت بـ70% خلال الأشهر الخمسة الأولى للسنة الجازية، حسب تصريحات سابقة للمدير العام لـ"سوناطراك" توفيق حكار. وتتوقع الشركة أن تحقق 50 مليار دولار إيرادات بنهاية عام 2022، صعوداً من 35 ملياراً في 2021.

ويمثل هذا الارتفاع في إيرادات النفط والغاز دفعة كبيرة للاقتصاد الجزائري الذي يرتهن بنسبة 90% لصادرات البلاد الطاقية، لتكون بذلك الرابح الأكبر من الأزمة الحالية وتبعات الحرب في أوكرانيا.

وتتجه الجزائر إلى توسيع هذه الصادرات، لتشمل، إضافة إلى ذلك، صادرات الكهرباء المتجددة والتقليدية. وحسب ما أوضحه مدير شركة الكهرباء الجزائرية "سونلغاز" مراد عجال، بأن البلاد تتوفر اليوم على "قدرة إنتاجية من الكهرباء تقدر بحوالي 24 ألف ميغاواط مقابل متوسط استهلاك سنوي لا يتعدى 14 ألف ميغاواط"، مرجحة للزيادة بفضل الاستثمارات الجارية لتبلغ 30 ألف ميغاواط.

TRT عربي