تابعنا

وعقد المؤتمر في ألمانيا، ولعب اللوبي الإسرائيلي هناك دوراً كبيراً في محاولة تشويه المؤتمر ووصفه "بمعاداة السامية" والحض على الكراهية ضد "إسرائيل"، في مساعي لإلغاء المؤتمر وإفشاله.

كما تحمّل السفير الإسرائيلي في ألمانيا جيريمي إيساكاروف (64 عاماً) مسؤولية العمل على منع هذا المؤتمر الشعبي، إذ نقلت صحفية "B.Z" في برلين عن السفير الإسرائيلي تحذيره من هذا المؤتمر قائلاً: "لن يكون هذا اجتماعاً لبناء جسور السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل للحفاظ على التعنّت والعداء".

اللوبي الإسرائيلي ومؤسسة الصراع

لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها اللوبي الإسرائيلي في أوروبا مؤتمرات وفاعليات داعمة للقضية الفلسطينية، في مساعي إسرائيلية لوسم جميع هذه الفاعليات التضامنية بمعاداة السامية والحض على الإرهاب.

ومن أهم المؤسسات الداعمة للاحتلال في أوروبا أصدقاء إسرائيل الأوروبيين، ومبادرة أصدقاء إسرائيل، ووقف حلفاء إسرائيل، والتحالف الأوروبي من أجل إسرائيل، والمؤسسة الأوروبية للديمقراطية، ومبادرة حلفاء إسرائيل، بالإضافة إلى مؤسسات أمريكية إسرائيلية مثل اللجنة الأمريكية اليهودية. ومعظم هذه المؤسسات ذات علاقة مع اليمين المتطرف في أوروبا.

وتحظى مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أوروبا بالدعم المالي من أصحاب الأموال وبخاصة من شخصيات أمريكية تساهم أيضاً في بناء المستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وحول الأدوات التي يستخدمها اللوبي الإسرائيلي في مواجهة العمل لأجل فلسطين في أوروبا، يقول الاستشاري الإعلامي حسام شاكر لـTRT عربي: "الاحتلال يراهن بشكل كبير جداً على مسألة تعزيز التشويه والاستهداف المعنوي للمتضامنين مع قضية فلسطين، وهذا تقليد يتبعه الاحتلال في دعايته ضد فلسطين".

وأشار شاكر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل في السابق "من خلال تسويق الصورة الوهمية حول نفسه من أجل كسب التأييد والتعاطف معه. إلا أن وعي الجماهير حول العالم بالحقائق بدرجة متزايدة، مع رؤية واضحة لواقع الاحتلال وما يرتكبه من انتهاكات بحق الفلسطينيين، كل ذلك دفع الاحتلال إلى أسلوب التهديد والتشويه بحق العاملين لفلسطين، وذلك من خلال التشهير بهم ومحاولة عزلهم عن سياقهم المجتمعي، ورفع كلفة التضامن مع فلسطين، وإطلاق الحملات الدعائية الترويجية لأي عدوان إسرائيلي جديد ضد الفلسطينيين".

واعتبر شاكر أن دعاية الاحتلال تأتي ضمن منظومة متكاملة تعمل بصفة شبه مركزية مرتبطة بأذرع الاحتلال الخارجية والحكومية وتنضم إليها السفارات الإسرائيلية ومنظمات اللوبي وطوابير من الكاتبين والمعلقين في وسائل إعلام مختلفة.

ووفر الاحتلال الإسرائيلي كل الدعم لنجاح دعايته في الترويج لقيام الدولة الإسرائيلية، وتوفير الأموال لشراء الذمم ووسائل الإعلام، وإطلاق الحملات الدعاية مثل حملة "نحن نؤمن بإسرائيل" و"قف معنا" في بريطانيا، التي أظهرت إسرائيل دولة ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط لها الحق في الوجود.

ونشط اللوبي اليهودي في مد نفوذه في الإعلام لأهميته في صراع الرواية. فتوجد صحف تعتبر مروجة للدعاية الإسرائيلية وداعمة لسياسة الاحتلال بشكل كبير، منها في ألمانيا صحيفة "WELT" و"BILD" التي تحملتا مسؤولية الهجوم الإسرائيلي ضد مؤتمر "فلسطينيو أوروبا والأونروا"، وتواجهان بشكل متواصل مختلف الفاعليات الفلسطينية في العاصمة الألمانية برلين.

كما فتح اللوبي الإسرائيلي جبهة شرسة مع حركة مقاطعة الاحتلال BDS، ويحاول في مختلف الميادين تشويه صورة "المقاطعة" بخاصة في ظل التأثير الواضح لـBDS في إضعاف النفوذ الإسرائيلي ليس في أوروبا فقط بل في أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد يقول شاكر إن الاحتلال "وضع استراتيجيات لمحاصرة حركة BDS، من خلال تشويهها ووسمها بمعاداة السامية، ومحاولة إخراجها عن القانون، وقطع السبل عليها ومنع انتشارها في المجتمعات الأوروبية والتضييق على التعبير وحرية الرأي إذا تعلق الأمر بالاحتلال".

ومع ذلك يؤكد شاكر أن الحملات الدعائية للاحتلال لا تعبر عن "نجاح عميق للاحتلال لأنها تراهن على التشهير والتخويف وليس على الإقناع وكسب العقول والقلوب، وهذا يمثل حالة تراجع حقيقية في دعاية الاحتلال قياساً على مراحل سابقة".

ويعمل اللوبي الإسرائيلي على تقوية علاقاته الدبلوماسية المعلنة والسرية مع الأحزاب الأوروبية اليمينية صاحبة التأثير في أروقة البرلمانات الأوروبية، والاستعانة بها للتضييق على كل من ينتقد الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني تماماً كما يفعل في مواجهة حركة BDS.

كما شكل اللوبي عدة مؤسسات في عموم أوروبا إذ تتركز مهمة هذه المؤسسات في دعم الرواية الإسرائيلية وتشويه الرواية الفلسطينية ومحاربة كل من ينتقد "إسرائيل"، من هذه المؤسسات "مجلس ممثلي اليهود البريطانيين" و"المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصال والأبحاث".

اللوبي الإسرائيلي والعمل الفلسطيني في أوروبا

أما صراع اللوبي الإسرائيلي مع مؤتمر فلسطينيي أوروبا وهو واحد من أهم المؤتمرات التي تروج للرواية الفلسطينية في أوروبا، فهو ممتد منذ 17 عاماً، إذ يحاول اللوبي الإسرائيلي في كل عام منع عقد المؤتمر الفلسطيني الأول على مستوى القارة الأوروبية، وذلك من خلال الضغط على الحكومات الأوروبية وتشويه حقيقة المؤتمر ووصفه بمعاداة السامية.

وفي حديث خاص مع TRT عربي قال ماجد الزير رئيس مؤسسة مؤتمر فلسطينيي أوروبا، إن اللوبي الإسرائيلي في أوروبا يعتبر أي "عمل داعم لفلسطين بمثابة خطر حقيقي على الاحتلال، لذلك يسعى لمحاربته والتضييق عليه، بخاصة أن الاحتلال يرى في أوروبا شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً، وأن قرار إقامة دولة "إسرائيل" جاء من أوروبا وتحديداً من بريطانيا".

وأشار الزير إلى أن اللوبي الإسرائيلي يسعى إلى تحجيم الدور المتنامي لفلسطينيي أوروبا الداعم للقضية الفلسطينية، سواء تحت مظلة القانون أو بأساليب غير مشروعة، منها الضغط على صانع القرار في أوروبا لمنع الفاعليات الفلسطينية المناهضة للاحتلال، وإنشاء لوبيات داعمة لإسرائيل لمواجهة أية تحركات في القارة الأوروبية مناوئة له.

وفي حديثه لـTRT عربي قال الدكتور أحمد محيسن المتحدث باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج والمقيم في ألمانيا: "إن صوت فلسطين لا يروق للاحتلال سماعه، وهو الصوت الذي يشرح معاناة الشعب الفلسطيني، لذا يحاولون بكل الوسائل لجم هذا الصوت".

وحول الدور المطلوب من المؤسسات الفلسطينية في أوروبا لمواجهة اللوبي الإسرائيلي قال محيسن: "في البداية لا بد من بث المزيد من الوعي بين صفوف أبنائنا في تناولنا للخطاب الشارح لقضيتنا في الشارع الأوروبي لإيصال الرسالة باللغة التي يفهمها الأوروبيون، وكسب أكبر عدد ممكن من المتضامنين مع قضيتنا".

الفلسطينيون في مواجهة اللوبي الإسرائيلي

في المقابل يوجد دور فلسطيني يواجه اللوبي الإسرائيلي في القارة الأوروبية، إذ تحاول المؤسسات الفلسطينية وضع حد للتغلغل الإسرائيلي في القارة، وذلك من خلال إقامة الفاعليات المناهضة لأي منشط إسرائيلي يسعى لتقديم رواية الاحتلال على حساب الرواية الفلسطينية.

كذلك تعمل المؤسسات الفلسطينية على بناء شبكة علاقات رسمية وشعبية مع مختلف الأحزاب الأوروبية، ونقل الرواية الفلسطينية إليها وخلق حالة من الدعم والتعاطف مع القضية الفلسطينية.

على سبيل المثال قامت الجالية الفلسطينية في هولندا بالشراكة مع مؤسسات فلسطينية أخرى بتنظيم حملة مناهضة لزيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى هولندا في سبتمبر/أيلول 2016، إذ تظاهر العشرات من أبناء الجالية متضامنين أمام البرلمان الهولندي رفضاً لزيارة رئيس وزراء الاحتلال، وسميت الحملة وقتها "نتنياهو لا أهلاً ولا سهلاً"، كما قدموا خلالها عريضة إلى البرلمان الهولندي تشرح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

كما سجلت عدة مواقف هولندية رسمية داعمة للشعب الفلسطيني، بفعل الحراك الفلسطيني في هولندا، منها دعوة حزب اليسار الأخضر إلى مقاطعة الاحتلال سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

وكذلك رفض عمدة مدينة أمستردام فيمكي هالسيما كل ضغوطات اللوبي الإسرائيلي لإيقاف التظاهرات الفلسطينية المتواصلة منذ سنوات في ساحة الدام التاريخية في المدينة، إذ يواصل اللوبي الإسرائيلي محاولاته لإفشال كل الوقفات الداعمة للشعب الفلسطيني من خلال التظاهر والتشويش عليها، وتصل أحياناً إلى الاعتداء اللفظي والجسدي على المتظاهرين الفلسطينيين والمتضامنين الهولنديين.

إذ يتعرض المتضامن مع فلسطين من أصول يهودية سيمون بشكل متكرر للاعتداء من قبل الإسرائيلي يعقوبيان. ويواصل سيمون منذ 4 سنوات جمع التبرعات لصالح قطاع غزة المحاصر، ويعرض صوراً لآثار العدوان الإسرائيلي على القطاع يومَي السبت والأحد من كل أسبوع. لكن ذلك لم يرقْ للوبي الإسرائيلي فيحاولون في كل مرة الاعتداء عليه لمنعه من مواصلة هذا العمل لصالح فلسطين.

إنها طريق الصراع بين اللوبي الإسرائيلي وداعمي القضية الفلسطينية ممتد وطويل في أوروبا. وهو صراع يحدث على مستوى الرواية، فهل ستكسب الرواية الفلسطينية أو الرواية الإسرائيلية، خصوصاً في ظل صعود حركات اليمين؟

TRT عربي
الأكثر تداولاً