تابعنا
بينما يتعقد المشهد السياسي في الجزائر بسبب تمسُّك المؤسسة العسكرية بالمسار الدستوري وإصرار الحراك الشعبي على رحيل بقايا رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تُطِلّ الأزمة الاقتصادية برأسها على بلد يعتمد اقتصاده على مداخيل النفط.

الجزائر ـــ يهدّد استمرار الأزمة السياسية في الجزائر بعرقلة تقدم الإصلاحات الاقتصادية التي باشرتها الدولة منذ أشهُر في محاولة لتنويع المداخيل والتخلُّص من التبعية للنفط، مما قد ينجم عنه تأجيل إصدار قوانين جديدة تتماشى وقطاعات اقتصادية حيوية على غرار المحروقات، الأمر الذي قد يقوّض طموحات البلاد إلى زيادة أو حتى الحفاظ على مستويات تصدير البترول والغاز.

يعيش الجزائريون منذ ما يقارب أربعة أشهر حراكاً شعبياً ضمن أزمة سياسية أثرت سلباً على اقتصاد البلاد وزادت عمق أزمته المالية مثلما بيَّن الخبير الاقتصادي كمال رزيق في تصريح لـTRT عربي.

وأضاف أن خسائر مترو الجزائر -الذي أضحى لا يعمل يوم الجمعة- قُدّرت في خمس جُمَع فقط بنحو 108 مليارات سنتيم جزائري، نحو تسعة ملايين دولار.

ومن أمثلة مظاهر الأزمة المالية، قال زريق إن "الناتج الداخلي الخام انخفض مقارنة بالسنة الماضية، كما أن قطاع الخدمات والسياحة فقد ما بين 70 و80% من أعماله".

وقالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إنها تتوقع أن يضغط استمرار ضبابية المشهد السياسي في الجزائر على الآفاق الاقتصادية للبلاد التي تدهورت بشكل ملحوظ منذ الهزة التي شهدتها أسعار النفط.

يعيش الجزائريون منذ ما يقارب أربعة أشهر حراكاً شعبياً ضمن أزمة سياسية أثرت سلباً على اقتصاد البلاد وزادت عمق أزمته المالية.

كمال زريق، خبير اقتصادي

تخوف وحالة ترقب يعيشهما المستثمر المحلي والأجنبي جرَّاء ضبابية المشهد السياسي، يقول محمد حشماوي في تصريح لـTRT عربي، مضيفاً أن استمرار الحراك سيؤثّر على الحركية الاقتصادية.

وأشار حشماوي إلى أن "تراجع وتيرة ومردود عمل المؤسسات التابعة لرجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد سيؤثّر بدوره على وتيرة التنمية".

أزمة حقيقية

حسب آخر توقُّعات صندوق النقد الدولي، تسير الجزائر نحو أزمة اقتصادية حقيقية، ومن المتوقع أن تتراجع نسبة النمو خلال العام الحالي إلى 2.3 في المئة، وإلى 1.8 في المئة في 2020.

ورأى أن إفراط الجزائر في الاعتماد على التمويل غير التقليدي باستمرار طباعة النقود، يجعلها تتجه مباشرة نحو أزمة مالية، خصوصاً عقب طبع ما يعادل 40 مليار دولار من العملة المحلية في العام الماضي، مع توقُّع فقدان الدينار نحو 25 في المئة من قيمته خلال الأشهُر المقبلة.

في هذا الصدد يعتقد رزيق أن الجزائر تواجه معضلتين: الأولى عجز الميزانية، والثانية تآكل احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع من 200 مليار دولار في 2014 إلى 70 مليار دولار في الوقت الحالي، متوقعاً تراجعه إلى مستويات قياسية خلال سنتين بسبب تراجع مداخيل النفط مما سيضطرّ الحكومة إلى طباعة مزيد من النقود لمواجهة العجز.

وأوضح أن الحكومة السابقة كانت أمام خيارين: إما الاستدانة وإما طباعة النقود، فاختارت الحل الثاني الذي تترتب عليه مشكلات اقتصادية كثيرة، في مقدمتها التضخُّم.

حسب آخر توقُّعات صندوق النقد الدولي تسير الجزائر نحو أزمة اقتصادية حقيقية ومن المتوقع أن تتراجع نسبة النمو خلال العام الحالي إلى 2.3 في المئة.

ويحذّر خبراء الاقتصاد من خطورة التركة الاقتصادية الثقيلة التي ستتسلمها السلطة الجديدة في الجزائر.

تعليقاً على هذا الوضع يرى الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس في تصريح لـTRT عربي، أن البلاد تنتظرها تحديات اقتصادية كبيرة ومعقدة، في ظلّ الاختلالات المتفاقمة في الاقتصاد المحلي، مشيراً إلى أنه مهما كان شكل الحكومة المقبلة، فإنها ستتسلم قنبلة موقوتة نتيجة تقلُّص مخزون النقد الأجنبي وارتفاع مؤشرات التضخم.

آمال وحلول

تحولت الثروة النفطية والغازية في الجزائر من نعمة إلى نقمة، فهي تشكل ثلثي الدخل الوطني، و95% من الصادرات، مما جعل البلاد تدفع ثمناً باهظاً جراء تهاوي أسعار النفط 2014، كما أدَّى الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة المختلفة إلى تفاقم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

المتعامل الأجنبي لا يمكن أن يجازف باستثماراته إلا في مناخ مستقرّ سياسيّاً واجتماعيّاً، في تقدير لالماس، مطالباً بعدم تضييع وقت طويل في الوصول إلى شرعية سياسية شعبية تسمح للحكومة المقبلة بوضع آليات الإقلاع الاقتصادي، لأن الوقت يضغط في اتجاه إغراق البلاد في متاهات اقتصادية خطيرة.

وكانت مجموعة الأزمات الدولية دعت في بداية العام، الحكومة الجزائرية إلى وضع خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي تفادياً لأزمة في طور التكوين، تعتمد بشكل أساسي على تحسين الشفافية في ما يخص المالية العمومية والتركيز على شريحة الشباب التي تمثّل نحو 70% من التعداد السكاني.

تحولت الثروة النفطية والغازية في الجزائر من نعمة إلى نقمة فهي تشكل ثلثي الدخل الوطني و95% من الصادرات.

هذا "التلاحم الكبير بين فئات المجتمع المختلفة ومؤسساته الدستورية وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي، يمكن أن يُستغلّ في أن يكون نقطة انطلاق قوية لمستقبل الاقتصاد الوطني وفي جلب الاستثمار الأجنبي"، يوضح رزيق، مشدّداً على ضرورة الحل السريع في إطار احترام لدستور يمكّن مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسات الاقتصادية أن تقلّل في سنة 2019 من الخسائر.

من جانبه يتوقع حشماوي أن تعود وتيرة النموّ بشكل أفضل في حال حدوث انفراج في المشهد السياسي واعتماد الخطة الاقتصادية الجديدة الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل والتخلص من التبعية للمحروقات.

TRT عربي