الذكرى 46 للتدخل التركي في قبرص (AFP)
تابعنا

شهد يوم 20 يوليو/تموز 1974 الذي نعيش حالياً ذكراه السادسة والأربعين، إطلاق تركيا عملية عسكرية في جزيرة قبرص تحت اسم "عملية سلام قبرص"، التي استمرت يومين في مرحلتها الأولى بهدف إحلال السلام في الجزيرة، بعد وصول جميع الطرق الدبلوماسية إلى طريق مسدود بين الدول الضامنة وهي تركيا وبريطانيا واليونان، والتي تسلمت متابعة التطورات داخل الجزيرة منذ 1959 وفقاً لاتفاقيتي زيورخ ولندن.

وقد جاء التدخل التركي بعد وقوع انقلاب عسكري ضد الرئيس القبرصي مكاريوس، وبعد استهداف مجموعات من القبارصة الروم المتشددين سكانَ الجزيرة من القبارصة الأتراك وصلت إلى حد ارتكاب مجازر بحقهم، وبعد فترة طويلة من استبعاد القبارصة الروم نظراءَهم الأتراك من المؤسسات الحكومية ومحاولة القضاء على وجودهم استمرت عدة سنوات. وقد كانت المجموعات التي انقلبت على مكاريوس بقيادة نيكوس سامبسون رئيس تنظيم "أيوكا" بتاريخ 15 يوليو/تموز 1974 تهدف إلى ضم الجزيرة إلى اليونان، ممَّا ينهي آمال استقلال قبرص ووحدة أراضيها.

وإزاء هذا التطور تدرج السلوك التركي منطلقاً من مسؤولية تركيا كدولة ضامنة لها الحق بالعمل على استقرار قبرص واستقلالها ضد ما يهدد ذلك، وقد تشاورت أنقرة ولندن حول التطورات للعمل دبلوماسياً، وبعد ذلك اقترح رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد تنفيذ عملية مشتركة مع بريطانيا التي تعد أحد الضامنين، ولكن الاقتراح التركي قوبل بالرفض فضلاً عن عدم تجاوب اليونان مع دعوات اللقاء التشاوري.

وعليه وجدت تركيا نفسها مضطرة إلى التدخل العسكري لأغراض إنسانية. وقد نفذت تركيا العملية واضعة نصب أعينها تحقيق هدفين، الأول إنساني ويتمثل في المحافظة على سلامة سكان الجزيرة الأتراك الذين كانوا يتعرضون للاعتداءات، وقال "درويش أر أوغلو" رئيس جمهورية شمال قبرص التركية آنذاك رداً على تغريم المحكمة الأوروبية لتركيا: "إن المحكمة لم تتساءل عن الأسباب التي وقفت وراء العملية العسكرية التركية في جزيرة قبرص عام 1974، ولم تسأل نفسها ما الذي كان سيحل بأتراك قبرص لولا تدخل تركيا من أجل حمايتهم، علماً أنها تعلم أن عدم التدخل التركي آنذاك كان يعني عدم بقاء أي تركي على قيد الحياة في تلك الجزيرة".

ولعل الهدف الثاني يتعلق بحقوق القبارصة الأتراك السياسية، الذي يرتبط أيضاً بأمن تركيا بشكل أساسي، وهو إحباط محاولات ضم الجزيرة إلى اليونان.

ومع ذلك ورغم قوتها العسكرية لم تتمادَ تركيا في العمل العسكري بل تحركت مباشرة للعمل على إحلال السلام، ووجهت دعوة لبريطانيا واليونان للوفاء بمسؤولياتهما وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 353 الذي ينص "على البدء بالمفاوضات بهدف إحلال السلام مجدداً"، وبالفعل اجتمعت الدول الضامنة ووقعت في 30 يوليو/تموز بيان جنيف 1974، الذي نص على انسحاب اليونانيين والقبارصة الروم من مناطق القبارصة الأتراك. كما اعترف البيان بمبدأ الإدارة الذاتية لكل من مجتمعي الجزيرة التركي والرومي.

للمزيد حول الموضوع يمكنك قراءة:

عملية "المخلب- النمر".. تنسيق دقيق ورسائل حاسمة

ولكن ما حصل بعد ذلك أن الجانب الرومي رفض المقترحات المتعلقة بإحلال النظام الدستوري، واشترط انسحاب تركيا للتفاوض على الدستور، وأدى هذا التعنت إلى بدء المرحلة الثانية من عملية السلام التركية في أغسطس/آب 1974 التي تم الإعلان عقبها عن دولة قبرص التركية بإدارة القبارصة الأتراك في فبراير/شباط 1975، التي أصبح اسمها لاحقاً جمهورية شمال قبرص التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 1983.

وساهمت تركيا في دعم إنشاء نظام ديمقراطي في شمال قبرص، إذ ذهب القبارصة الأتراك إلى صناديق الاقتراع منذ 1974 إلى الآن نحو 9 مرات لاختيار رئيسهم حيث تجري الانتخابات كل 5 سنوات. وقد قبل القبارصة الأتراك في 2004 خطة كوفي عنان بنسبة 64.9%، في حين رفضها القبارصة الروم بنسبة 75.8% وتجاهلوا كل شيء وقرروا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهو الأمر الذي يعتبر أحد أكبر معيقات التوصل إلى حل.

وفي سياق الانتخابات فقد كان من المقرر إجراء انتخابات لرئيس الجمهورية في أبريل/نيسان 2020، ولكن تم تأجيلها بسبب انتشار وباء كورونا إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وفي هذا السياق فإن الباحثة في جامعة غلطة سراي فوسون توركمان أثبتت في بحث لها نشر في عام 2005 في مجلة "بيرسبشن" أن التدخل التركي في قبرص كان تدخلاً إنسانياً ومستنداً إلى غطاء قانوني، من واقع أنه يحق للدول التدخل في حال لم تتدخل الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية، كما أن تركيا تدخلت لحماية الأرواح بعد وقوع كثير من الضحايا نهاية الستينيات وحتى 1974، كما أنها استوفت كل الطرق الدبلوماسية وغير العسكرية قبل التدخل، كما أن حجم ومدة وكثافة التدخل التركي كان متناسباً ولم تدم العمليات طويلاً.

وعلى عكس الضامنين الآخرين، أي على عكس ما كانت تفكر فيه اليونان أو الماضي الاستعماري لبريطانيا التي احتلت قبرص عام 1914، فإن تركيا مع تدخلها العسكري لم تقم بإلحاق القسم التركي من قبرص بها بل اعترفت بها دولة مستقلة، كما أن تركيا ورغم وجود العديد من عمليات الضم المعاصرة، مثل ضم روسيا للقرم في 2014 وغيرها من محاولات الضم المعاصرة، لم تقم بضم الجزيرة بل لا تزال تدافع عن عملية سلام تحفظ حقوق الجميع.

وقال الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريح له بمناسبة ذكرى عملية السلام القبرصية: إنه "من الممكن التوصل إلى حل عادل ودائم في الجزيرة فقط بقبول وضع متساوٍ للقبارصة الأتراك". وأضاف: "يجب على الجانب القبرصي اليوناني أن يسلّم بالمساواة السياسية للقبارصة الأتراك وحقوقهم المتساوية في الموارد الطبيعية للجزيرة دون تأخير".

رغم أن البرلمان التركي أعطى الحكومة حق التدخل لحماية القبارصة الأتراك في عام 1964 فإن ضغوط الرئيس الأمريكي جونسون آنذاك على تركيا وظروف أخرى أعاقت هذه العملية نحو 10 سنوات، واليوم يذكر الوجود التركي في قبرص وفي شرق المتوسط الجميع بدور تركيا التي تعتبر أقوى الآن في منع وإحباط أي عمليات تستبعد تركيا وسكان قبرص الأتراك من نيل حقوقهم.

حرصت تركيا على تسمية العملية باسم عملية السلام، وكانت مرنة في عمليات المباحثات منذ 2004 حتى مباحثات 2017 في سويسرا، وقد كانت قريبة من الحل رغم تعنت الطرف الآخر، ومن الواضح أنها لن تتراجع عن دعم حقوق القبارصة الأتراك في الجزيرة رغم التحديات المتمثلة في دعم الاتحاد الأوروبي لقبرص الرومية، وفي عدم اعتراف المجتمع الدولي بقبرص الشمالية حتى الآن.

TRT عربي