مع سرعة انتشار فيروس كورونا باتت المخاوف تتزايد بأن العالم مقبل على كساد اقتصادي  (AP)
تابعنا

فالفيروس قد انتشر في حوالي 75 دولة حتى الآن، ولم يفلت منها إلا الدول النامية الحارّة، والتي لا يمكن الجزم بخلوها من الفيروس، لضعف الإمكانات من حيث الكشف والتشخيص والمتابعة، علاوة على قلة الاهتمام الإعلامي الدولي بأحوالها.

وبعيداً عن الأضرار التي تكبدتها كل دولة على حدة، نجد أن المؤسسات والوكالات الاقتصادية الدولية قد اتفقت على خسائر مبدئية سيسببها تراجع معدّلات النمو والطلب العالمي الناجم في الأساس عن تراجع متوقع ومنطقي لمعدل النمو الصيني، بؤرة الانتشار الرئيسة للمرض، لا سيما أن العملاق الصيني يستحوذ بمفرده على 20% من التجارة العالمية في المنتجات الوسيطة.

وقد صرّحت وكالة أونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) بأن صادرات الصين انكمشت بنسبة 2% على أساس سنوي في فبراير/شباط الماضي فقط، وهو ما يكلّف دولاً أخرى وصناعاتها حوالي 50 مليار دولار، بل إن رقم 50 مليار، وطبقاً لمديرة قسم التجارة الدولية في "أونكتاد" باميلا كوك هاميلتون، هو رقم أوليّ وقد يكون "تقديراً متحفظا".

ووفقا لأونكتاد فإن الدول أو المناطق التي تعاني أعلى خسائر في التصدير بسبب تداعيات الفيروس هي الاتحاد الأوروبي، الذي من المتوقع أن تبلغ خسائره حوالي 15.6 مليار دولار، والولايات المتحدة بخسائر تقدر بـ (5.8 مليارات دولار) واليابان (5.2 مليارات دولار) وكوريا الجنوبية (3.8 مليارات دولار) وتايوان (2.7 مليار دولار) وفيتنام (2.3 مليار دولار).

كما توقعت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2020 بوتيرة أكبر مما شهده عام 2019. حيث خفّض الصندوق توقعاته للنمو في العام الحالي بحوالي 0.4% على الأقل.

من ناحية أخرى، قرر صندوق النقد والبنك الدوليين عقد اجتماعاتهما السنوية لفصل الربيع، والمقررة في الفترة من 17 إلى 19 أبريل/نيسان المقبل، عبر الإنترنت خوفاً من تفشي الفيروس.

وقد رجّحت العديد من الوكالات الاقتصادية ومراكز الأبحاث التابعة لها أن يتجمد النمو الاقتصادي العالمي بنهاية العام الحالي إذا استمر انتقال فيروس كورونا بنفس السرعة إلى معظم دول العالم. حيث توقّع خبراء وكالة بلومبرج أن يكون العام الحالي الأسوأ منذ الركود العالمي الذي بلغ ذروته في عام 2009، وأن يفقد الناتج العالمي حوالي 2.7 تريليون دولار بنهاية 2020، وذلك على فرض استعادة الاقتصاد العالمي عافيته بحلول الربع الأخير من نفس العام، وسيكون الوضع أكثر سوءاً في حال عدم تحقق تلك الفرضية.

ورغم أن خبراء الاقتصاد لدي معهد التمويل الدولي يقرّون بأن "نطاق النتائج المحتملة كبير ويعتمد على انتشار الفيروس والتبعات الاقتصادية الناجمة، وكلها أمور تكتنفها ضبابية مرتفعة في هذه المرحلة"، إلا أنهم يتوقعون انخفاض النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة إلى 1.3% مسجلاً بذلك انخفاضاً من 2% عمّا كان عليه في السابق، وللصين إلى ما يقل قليلا عن 4% نزولاً عن 5.9% في السابق، مما يدفع النمو العالمي لتسجيل أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية، بما يقترب من 1% فقط، وهو ما يقل كثيراً عن نمو بنسبة 2.6% في 2019.

وقال البنك الآسيوي للتنمية -مقره مانيلا-إن انتشار فيروس كورونا قد يقود إلى تراجعات حادة في الطلب المحلي والسياحة ورحلات الأعمال والتجارة وروابط الإنتاج فضلاً عن تعطيل الإمدادات، مما سيضر بالنمو في آسيا، وفي أنحاء العالم المختلفة خلال العام الحالي، حيث توقع تقلص الناتج الإجمالي العالمي بين 0.1 و0.4%، بخسائر مالية من المتوقع أن تصل إلى ما بين 77 و347 مليار دولار.

وأضاف البنك في تحليل تضمن أفضل وأسوأ التصورات المحتملة، إن النمو الاقتصادي قد يتقلص بين 0.3 و1.7% في الصين وبين 0.2 و0.5% في دول آسيا النامية عدا الصين.

كما خفضت كابيتال إيكونوميكس البحثية توقعاتها للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ 0.5% ليصبح 2% فقط نتيجة للأزمة.

وأشارت إلى أنه على الرغم من أن الاقتصادات الأقوى في المنطقة قد تمتص الصدمات المؤقتة لأسعار النفط، فإن اضطراب حركة التجارة وسلاسل التوريد قد تثبط النمو الاقتصادي، مع توقعات بأن يكون الاقتصاد الإماراتي الأكثر عرضة للتضرر من أزمة الفيروس في المنطقة، وألا يتجاوز أداؤه الركود هذا العام.

كما قدرت الهيئة الدولية للنقل الجوي (إياتا) الخسارة في عائدات قطاع الطيران المدني، بين 63 و113 مليار دولار، في حال انتشر الفيروس بشكل أوسع. وقالت إياتا إن أسوأ السيناريوهات هو خسارة 19% من العائدات العالمية في القطاع.

وأصدرت الكثير من شركات الطيران العالمية الكبرى تحذيرات بشأن تراجع الأرباح المتوقعة، في حين ألغت شركات الطيران منخفض التكلفة في كل أرجاء المعمورة الآلاف من رحلاتها. وفي بيان على موقعها الإلكتروني، أكدت شركة "فلايبي" التي تعد من أكبر شركات الطيران في بريطانيا أنها دخلت مرحلة الإفلاس وباتت تحت الوصاية.

والشركة البريطانية هذه تعد أكبر مشغل للرحلات الداخلية في المملكة المتحدة، حيث كانت تنقل نحو 8 ملايين مسافر سنوياً من 43 مطاراً في أوروبا و28 في داخل بريطانيا، ويعمل لديها 2000 موظف. كما أعلنت شركة الطيران الإيطالية أليتاليا تسريح نحو 4 آلاف عامل لديها مؤقتا.

وفي ضربة كبري لقطاع السياحة والنقل أعلنت اليابان انها تدرس جديا تأجيل أولمبياد طوكيو 2020 إلى وقت لاحق من العام الجاري، نظراً للمخاوف من انتشار الفيروس، وهو الأمر الذي أثار المخاوف بشأن إلغاء أو تأجيل العديد من الأحداث الرياضية العالمية الكبرى المنتظرة في الصيف المقبل.

كما أعلنت العيديد من الوكالات أن القيود المتصاعدة على التنقل والسياحة بكافة أنواعها قد تؤدي إلى خسائر شهرية لصناعة السياحة العالمية تقدر بـحوالي 47 مليار دولار.

إذن، كورونا هذا الفيروس مجهري الحجم الذي رسم هذه التوقعات السوداوية على أداء الاقتصاد العالمي، يفرض الشفافية المطلقة والتعاون الي أقصى الدرجات بين دول العالم المختلفة وكبريات المؤسسات الاقتصادية لتقليل الآثار المتوقعة على الدول بصفة عامة، وخاصة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي غالباً ما تتحمّل أكبر الأعباء في أحوال التقلبات والأزمات الاقتصادية الكبرى، وألا تكتفي المنظمات الدولية بتوفير مساعدات للحكومات لمواجهة انتشار الفيروس وتوفير الإمدادات الطبية، وأن يمتد عملها الي الرقابة على انفاق تلك الأموال لضمان وصولها إلى المستحقين الحقيقين.

TRT عربي