جانب من الوفد السعودي في أثناء زيارته موسكو بُغية توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا على هامش منتدى "آرميا 2021" (Sputnik/Reuters)
تابعنا

على خلفية إعلان نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان توقيع "اتفاقية تعاون عسكري" في 23 أغسطس/آب الجاري، مع أحد نظرائه الروس على هامش المنتدى العسكري التقني الدولي السنوي السابع "آرميا 2021"، حذّر متحدث باسم الخارجية الأمريكية المملكة من التعاون العسكري مع موسكو.

وشددّ المتحدث الأمريكي، الذي أشارت قناة "الحرة" إلى أنه تحدّث إليها مفضِّلاً عدم الكشف عن اسمه، على حثِّه "جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة على تجنّب المعاملات الجديدة الرئيسية مع قطاع الدفاع الروسي، كما هو موضح في القسم 231 من قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات كاتسا (CAATSA)".

وأردف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تواصلان إقامة شراكة أمنية وثيقة ودائمة".

فما قانون "كاتسا" الذي تلوح به واشنطن في وجه كل من يقترب من التعاون والتنسيق العسكري مع خصومها؟ وما دوافع توجه الرياض للسلاح الروسي رغم تعاونها العسكري الوثيق مع أمريكا؟ وهل باستطاعة التحذيرات الأمريكية أن تردها عمَّا هي ماضية فيه؟

مكافحة خصوم الولايات المتحدة

تقدم الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية دولية صارمة على خصومها العسكريين، وذلك بموجب قانون "كاتسا" (CAATSA) الذي أقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة في 2 أغسطس/آب 2017.

ويشمل القانون ثلاث دول تعتبرها واشنطن "خصوماً عسكريين"، وهي روسيا وإيران وكوريا الشمالية، على أن تُفرَض العقوبات عليها وعلى من يتعاون معها عسكرياً.

وجاء "كاتسا" كتعديل لمشروع "قانون العقوبات المفروضة على إيران"، وذلك إبان استمرار تدخّل روسيا عسكرياً في الحروب في أوكرانيا وسوريا.

وتنص المواد 224، و231، و232، و233 من قانون "كاتسا"، على أن "العقوبات تُفرض على الأشخاص، والرؤساء، والإدارات، والوكالات ذات الصلة"، ويأتي ذلك من خلال اتخاذ الإجراءات التالية: "يرفض بنك التصدير والاستيراد الموافقة على إصدار أي ضمان أو تأمين في ما يتعلق بتصدير أي سلع أو خدمات" تابعة لشخص أو جهة خاضعين للعقوبات.

ويضيف القانون أنه "لا يجوز للإدارات والوكالات شراء أو إبرام عقد للحصول على أية سلع أو خدمات من الشخص الخاضع للعقوبات، ويتعيّن على وزير الخارجية رفض منحهم تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة"، على أن يُنفَّذ ذلك "بغض النظر عن أي عقد مبرم أو أي ترخيص أو تصريح ممنوح قبل تاريخ تشريع القانون".

اتفاقية غامضة

قال الأمير السعودي خالد بن سلمان في تغريدة على "تويتر" مباشرةً عقب توقيع الاتفاقية مع الجانب الروسي، إن الاتفاقية "تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين الصديقين (..) وتعزيز التعاون العسكري والدفاعي، وسعينا المشترك لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، وأبرز التحديات المشتركة التي تواجه البلدين".

لكن الجانب الروسي لم يشاطر بن سلمان الحفاوة ذاتها، حيث أشار موقع وزارة الدفاع الروسية إلى اللقاء بين الأمير السعودي مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لكن دون تعليق، مع الاكتفاء بالإشارة إلى تصريحات بن سلمان عقب الاجتماع، ما أثار شكوك مراقبين حول طبيعة وأهداف اللقاء والاتفاقية الموّقعة.

ولم يتم التوضيح أو التطرق إلى تفاصيل ما تم الاتفاق عليه بالتحديد من الجانبين، فيما نقلت إذاعة "أوروبا الحرة/راديو ليبرتي" تصريحاً غامضاً عن وزير الدفاع الروسي في معرض تعليقه على اجتماعه مع الأمير السعودي: "نحن نهدف إلى تطوير تدريجي للتعاون في المجالات العسكرية والتقنية العسكرية حول مجموعة كاملة من القضايا التي تثير اهتماماً مشتركاً".

وأردف شويغو أن أنظمة الأسلحة الروسية "أثبتت نفسها جيداً في سوريا"، ما فسّره متابعون بأن ثمَّة آمالاً من "الكرملين" أن تشتري الرياض أسلحة روسية.

ضغوط سعودية إبان سقوط الهيبة الأمريكية؟

على الرغم من غموض وعمومية التصريحات السعودية والروسية حتى اللحظة، فإن مجرّد توقيع البلدين على اتفاقية تعاون عسكري هو أمر بالغ الأهمية في حد ذاته.

حيث اعتمدت المملكة بشكل تقليدي على الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى في تنسيقها على الأصعدة الأمنية والعسكرية، وتقدّر نسبة الأسلحة الأمريكية بنحو 79% من إجمالي الواردات العسكرية للمملكة، فيما تشكّل المبيعات العسكرية الأمريكية للرياض وحدها ما نسبته 24 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية، وذلك بحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ويرى مراقبون أن تزامن توقيت الاتفاقية السعودية-الروسية في أعقاب "الهزيمة الكبرى" للولايات المتحدة في أفغانستان وما اعتبره كثيرون "سقوط هيبة أمريكا" عالمياً، هو إشارة من الرياض أنها لا تشعر بأريحية إزاء الاعتماد بشكل كامل على التسليح الأمريكي، وأنها على استعداد للتحوّط من رهاناتها من خلال اللجوء إلى موسكو.

وبحسب مارك كاتز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "جورج ميسون" الأمريكية، فإنه من الممكن النظر إلى تحركات المملكة الأخيرة في سياق كونها "محاولة من قبل الرياض لتغيير سلوك واشنطن"، وذلك بعد تسلّم إدارة بايدن حكم البيت الأبيض.

ففي حين أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان يتمتع بعلاقة وطيدة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، جاءت إدارة جو بايدن "بنهج أشد انتقاداً لقضايا حقوق الإنسان، ونزاع المملكة مع قطر، والتدخل المستمر في الحرب باليمن"، وهو ما يضفي وجاهة على وجهة النظر القائلة بمحاولة ضغط الرياض على واشنطن من خلال إرسال رسالة مفادها أن "هناك دولاً أخرى يمكن للمملكة العربية السعودية التعاون معها عسكرياً، ممَّن لا تهتم بتغيير السلوك السعودي"، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية ذاته.

ويرى مراقبون أن النهج السعودي قد ينجح في "الحصول على مزيد من الاهتمام الإيجابي من واشنطن"، وذلك بالنظر إلى الرغبة الجامحة لدى الولايات المتحدة في عدم التخلي عن "السوق السعودية المربحة للمنافسين الروس".

TRT عربي