الأزمة الاقتصادية في تونس (Others)
تابعنا

نتيجة لعدم الاستقرار السياسي، الذي كان آخر حلقاته إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي، مجموعة من الإجراءات الاستثنائية، التي حلّ بموجبها الحكومة وأعفى رئيسها من منصبه، وجمَّد فيها عمل البرلمان، شهد الاقتصاد التونسي واحدة من أسوأ وأحلك سنواته، إذ دخلت تونس عزلة دولية على مستوى المؤسسات الدولية والدول المانحة، وتفاقمت قيمة العجز المالي.

وبعد أن قطع قيس سعيد كثيراً من الوعود للشعب التونسي بإيجاد حلّ للأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تطوّق البلاد وتشدّد الخناق على المواطنين، كان عليه فعلاً الخروج بحلول وإجراءات جديدة.

ووُكلَت إلى لجان حكومية مهمة إعداد قانون المالية 2022، التي عُرضت لاحقاً على تصديق مجلس وزاري يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2021 تحت إشراف رئيس الدولة.

وصرّح حينها سعيد خلال اجتماع لمجلس الوزراء بأن "إعداد قانون المالية تمّ في إطار حرص الدولة على بعث رسائل إيجابية إلى مختلف الفاعلين الاقتصاديين في الداخل وشركاء تونس والأطراف المانحة في الخارج"، وأقر بأن في قانون المالية لسنة 2022 "إكراهات".

ويبدو أن من جملة هذه الإكراهات التي لمّح إليها سعيد، مجموعة الإجراءات الجبائية وغيرها من البنود التي تَضمَّنها القانون، التي أثارت استياءً شعبياً واسعاً.

ملامح قانون الميزانية الجديد

بعد طول انتظار، خرج قانون المالية الجديد لعام 2022 إلى النور، إلا أنه بدل أن يحمل حلولاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، حمل في بنوده مزيداً من الأعباء والإجراءات، التي قيّمها مختصون على أنها توجُّه غير مباشر من الحكومة التونسية إلى سدّ عجز البلاد الاقتصادي على حساب المواطن.

ووفق ما صرّحت به وزيرة المالية سهام البوغديري خلال مؤتمر صحفي عقدته الحكومة التونسية يوم الثلاثاء 28 ديسمبر/كانون الأول الجاري، للإعلان عن ملامح قانون المالية الجديد لعام 2022، "تقدر نفقات ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 بنحو 47.166 مليار دينار (16.428 مليار دولار)، مقابل مداخيل ميزانية الدولة بـ38.618 مليار دينار (13.446مليار دولار)، أي بعجز في الميزانية تناهز قيمته 8.584 مليار دينار (3 مليارات دولار)".

وارتأت اللجان الحكومية المعدة لقانون المالية أن تغطّي مداخيل الميزانية بالاعتماد أساساً وبنسبة 91% تقريباً على الموارد الجبائية، في خطوة اعتبرتها البوغديري تيمُّناً بتصريحات سعيد مجموعة من "الإكراهات" التي فُرضت عليهم وأملتها ظروف الأزمة الاقتصادية بالبلاد.

من الإجراءات الجبائية التي نصّ عليها القانون:

  • - خصم ضريبة تقدر بـ10% على المبالغ المودعة بالبنوك أو بالبريد للأشخاص الطبيعيين.
  • - الترفيع في تعريفة معلوم الجولان على السيارات السياحية.

- الترفيع في إتاوة الدعم الموظفة على الملاهي ومحلات صنع المرطبات.

- الترفيع في المعاليم الديوانية الموظفة على المنتجات الاستهلاكية أو التي لها مثيل مصنوع محلياً.

- اقتطاع 5% على كلّ مبلغ تفوق قيمته 3 آلاف دينار يُدفَع نقداً لدى المحاسبين.

- إحداث معلوم طابع جبائي على تذاكر البيع المسلَّمة من المغازات التجارية.

وغيرها من البنود والإجراءات التي أثارت غضب الشارع التونسي، وفاقمت مخاوفه من مزيد الغرق في أوحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي جعلت فيها مصلحته على هامش حسابات الأطراف الحكومية والسياسية كافة، على حد تعبير ناشطين.

استياء شعبي وانتقادات سياسية

تراوحت ردود الأفعال والانتقادات لقانون المالية الجديد لعام 2022، بين الغضب والاستياء. وأكّد بعض الخبراء والمحللين أن ما ورد في قانون المالية مؤشر واضح على فشل الدولة في استمالة صندوق النقد الدولي للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد.

وتعليقاً على الإجراءات الجديدة كتب وزير الصحة السابق والقيادي السابق بحزب حركة النهضة عبد اللطيف المكي، على صفحته الرسمية على فيسبوك: "مستحيل! في مثل هذه الظروف: هل السوق الداخلية قادرة على توفير 7600 مليار؟ هل نحن قادرون على تعبئة أكثر من 1200 مليار بالعملة الأجنبية؟".

وأضاف: "إنها الخديعة للشعب للإيحاء بأن الأمور تسير بصورة عادية لربح الوقت للإطباق على البلاد. هذا مثال على حجم المغالطات في هذه الميزانية. عدم توافر الموارد يعني توقُّف الدولة عن الدفع، كل هذا بلا رقيب".

فيما كتب رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني: "تَخَفِّي الوزيرة الأولى رئيسة حكومة التدابير الاستثنائية من مجابهة الرأي العامّ بـ(مرسوم مالية الرئيس ومرسوم ميزانية الرئيس) وتدابيرها اللا شعبية وهداياها الجبائية السخية لناهبي المال العامّ، وتماهيها مع مصالح عائلات الرِّيع، على حساب الطبقات الشعبية معدومة ومحدودة ومتوسطة الدخل، وترك وزراء التدابير الاستثنائية يواجهون الإعلام في أول "ندوة صحفية" منذ أكثر من 5 أشهر، مع منع البثّ المباشر بقرار استثنائي من رئيسة حكومة التدابير الاستثناىية، تنفيذاً لقرارات استثنائية من ديوان رئيس الجمهورية، لتُنقَل الندوةُ أسئلةً وأجوبةً بهواتف الحمام الزاجل النقالة، فلا يعلُوَنَّ صوت وزير على صوت معارك طواحين الهواء اليومية لرئيس الجمهورية... هزلت!".

من جانبه قال النائب عن قلب تونس أسامة الخليفي، في تدوينة على فيسبوك: "إقرار زيادات أشبه بـ(الذبح) والناس يصفقون وحتى تبريرات الوزيرة تقبّلوها كـ(العسل)، إذاً السعادة التي يتحدث عنها سعيّد تكمن المراسيم والاستبداد؟".

TRT عربي