سد "الصداقة أمبولي" أثناء بنائه في جيبوتي (Others)
تابعنا

أكد إلياس موسى دواله، وزير المالية والاقتصاد لدولة جيبوتي، في تغريدة له مؤخراً على أهمية "سد الصداقة أمبولي" الذي بنته تركيا في بلاده، والذي حال دون وقوع كارثة فيضان ناتجة عن زيادة منسوب الأمطار إلى 190 مليمتراً في انعكاس مباشر للتغيرات المتسارعة في المناخ.

ويعد السد الذي شيدته وكالة الأشغال الهيدروليكية الحكومية التركية نموذجاً لنشاط قطاع البناء والإنشاءات التركي المتنامي في إفريقيا.

توسع شركات الإنشاء التركية في أنحاء إفريقيا

بدأ انفتاح قطاع الإنشاءات التركي على الأسواق الخارجية في مطلع سبعينيات القرن الماضي. ووفقاً للإحصاءات الواردة في تقرير "جمعية المتعهدين الأتراك" بلغت حصة إفريقيا نحو 18% من إجمالي أعمال شركات البناء التركية في الخارج بين عامي 1972 و2021. كما شهد عام 2021 تفوقاً في حجم أعمال البناء المنفذة في إفريقيا حتى إنها تجاوزت النسبة في الشرق الأوسط، إذ بلغت 17%، في حين بلغت في الشرق الأوسط فكانت 13%.

وعلى المستوى الإقليمي، تعد دول شمال إفريقيا الوجهة الرئيسية لشركات الإنشاءات التركية في عموم القارة. ويبرز هذا بشكل واضح من خلال حجم النسب التي نالتها كل من ليبيا والجزائر من نشاط تلك المؤسسات، إذ بلغت نسب البناء في الأولى 6.5% وفي الثانية 4.4% على التوالي، وفقاً للتقرير المذكور.

وشهدت الشراكة التركية-الإفريقية نقلة كبيرة في عهد حزب العدالة والتنمية في العقدين الأخيرين، إذ بدأ التوجه الجاد نحو دول جنوب الصحراء. وأنجزت الشركات التركية مشاريع في رقعة كبيرة تضم دولاً عديدة منها الكونغو الديمقراطية وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية والسنغال والنيجر وسيراليون وجنوب السودان وتنزانيا وتوغو. ونتيجة لهذا التوسع بلغ مجموع المشروعات التي نفذتها شركات المقاولات التركية في القارة الإفريقية مع نهاية عام 2021 نحو 1686 مشروعاً، بقيمة تجاوزت 78 مليار دولار، حسب تقرير جمعية المتعهدين الأتراك.

وفي هذا الإطار يبرز عديد من المرافق الحيوية التي شيدتها مؤسسات تركية، إذ نفذت مجموعة البيرق التجارية أعمال تطوير وتشغيل ميناء مقديشو، وعديداً من الطرق بالعاصمة الصومالية، بجانب مبنى السفارة التركية هناك والمستشفى التابع لها. أما "يابي مركزي" فبنت جسري الحلفاية والمك نمر، بالإضافة إلى مركز تسوق الواحة في قلب العاصمة السودانية الخرطوم.

وفي غرب القارة أيضاً تظهر عديداً من مشاريع نفذتها الشركات التركية، إذ تولت "مجموعة TAV القابضة للمطارات" بناء مطارَين في تونس. كما شيدت شركة Summa الملعب الأولمبي ومركز المؤتمرات في داكار عاصمة السنغال، بجانب مطار نيامي الدولي في النيجر.

الخبرة والتكلفة والسمعة الجيدة

يمكن رجْع توسع النشاط التركي في سوق الإنشاءات الإفريقي إلى مجموعة من العوامل، لعل من أهمها الخبرة الدولية الكبيرة التي تتمتع بها الشركات التركية العاملة في هذا القطاع منذ عقود.

وكان بداية التوجه إلى الخارج استراتيجية لقطاع المقاولات للنجاة بسبب تبعات الأزمات الاقتصادية التي كانت تمر بها تركيا في السبعينيات. ورغم البدايات المتواضعة، بلغ عدد شركات البناء التركية العاملة في الخارج 40 شركة، وهو ما يضع تركيا في المرتبة الثانية عالمياً خلف الصين التي يبلغ عدد مؤسساتها النظيرة 65.

وأسهمت هذه الخبرة في تشكيل ما عبر عنه أحد رجال الأعمال الأفارقة بـ"سمعة المتعهدين الأتراك في الجودة والوفاء بالتسليم في المواعيد النهائية"، متوقعاً أن ينالوا حصة متزايدة من سوق البناء الإفريقية.

وفي هذا السياق وصفت مجلة الإيكونوميست الاقتصادية إكمال شركة Summa لأعمال بناء ملعب دولي يتسع لـ50 ألف مشجع في العاصمة السنغالية داكار في فترة تقل عن 18 شهراً، بالعمل الذي "جرى بوتيرة سريعة للمشاريع من هذا النوع".

ومن أجل زيادة التنافسية في وجود لاعبين أخر، طورت الشركات التركية استراتيجية تقوم على الاعتماد المتزايد على العمال المحليين، ما يعزز دعم الجهات الرسمية لهذه المشاريع على جميع المستويات، بدءاً من المجالس المحلية وانتهاءً بصناع القرار والمعنيين بتوفير فرص العمل لمواطنيهم.

ووفقاً لباسار أري أوغلو رئيس مجلس إدارة "يابي مركزي" فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن لقطاعات البناء التركية من خلالها التمدد والبقاء طويلاً، هي أن تصبح محلية في جميع البلدان التي تعمل بها. وفي هذا الصدد يؤكد سليم بورا رئيس مجلس إدارة Summa، أن نسبة العاملين الأتراك في الشركة عندما بدأت العمل في السنغال كانت 70%، وانخفض هذا الرقم الآن إلى 30% في صالح القوة العاملة المحلية.

بدوره يرى الباحث الاقتصادي الصومالي عبدي نور ضاهر أن ما يميز مؤسسات البناء التركية على نظيراتها الصينية، استعدادها لنقل التكنولوجيا وزيادة المرونة من حيث السماح للبلد المضيف بإدارة المشاريع، واستخدام اللغة الإنجليزية لغة عمل. بجانب ذلك ترجح الجوانب المالية كفة الشركات التركية على الصينية، بسبب الفرق الهائل بين التكاليف.

على صعيد آخر، تسهم الروابط الثقافية بين تركيا والعديد من الدول الإفريقية التي تضم أغلبية مسلمة، في توفير فهم أفضل لاعتبارات البيئة المحلية، وهو ما جعل مدير التطوير في إحدى شركات التسويق السنغالية يعلق على بناء شركة Summa أماكن للصلاة في الملعب الذي أنشأته بعاصمة بلاده، إذ وصف المؤسسات التركية بأنها " تضع الجانب الإسلامي في الاعتبار، على عكس الشركات العالمية الأخرى، التي لا ترى سوى الجانب الرأسمالي". وهذا بدوره يعزز تشكيل بيئة مرحبة بالنشاطات التركية في المناطق المستهدفة.

خطى ثابتة

يشير "اتحاد البنية التحتية في إفريقيا" في تقريره الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى أن إجمالي تمويل البنية التحتية في القارة بلغ قرابة 101 مليار دولار في 2019 و83 مليار دولار في العام التالي، وهو ما يجعل لتركيا حظوظاً أكبر في توسيع حضورها الاستثماري في القارة الإفريقية، وهو حضور يُبنَى ضمن استراتيجية واضحة وخطى ثابتة.

إذ تسيّر الخطوط الجوية التركية رحلات إلى أكثر من 61 وجهة في إفريقيا، كما ارتفع عدد سفارات أنقرة في القارة من 12 في عام 2002 إلى 43 سفارة بعد عشرين عاماً.

كما حظِيَ قطاع التشييد بدعم مباشر من الدولة، إذ أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "البناء محرك للنمو الاقتصادي المحلي، كما أن أنشطة البناء في الخارج وسيلة لإبراز صورة تركيا وقوّتها وتأثيرها خارجياً". كما شارك أردوغان بنفسه في عديد من المناسبات الافتتاحية لمشاريع بعض شركات البناء التركية في إفريقيا، إذ شارك في الاحتفال الذي نظم لافتتاح "استاد السنغال" بالعاصمة داكار.

ونتيجة لكون قطاع البناء والتشييد قاطرة رئيسية في عملية التنمية الاقتصادية، قدمت الدولة التركية للشركات العاملة في قطاع البناء أنواعاً مختلفة من المحفزات لتطوير مشاريعها خارج البلاد، إذ تمتعت بالتسهيلات الائتمانية والقروض والإعفاءات الضريبية.

ويبدو أن تزايد التركيز على الأعمال ذات الصبغة الاستراتيجية جزء من المقاربة التركية لقطاع البناء في إفريقيا، إذ تتوسع باستمرار حصة المشاريع المرتبطة بالتقنية المتقدمة كمرافق البتروكيماويات، كما اكتسب بعض الشركات سمعة مهنية احترافية في بناء المطارات الدولية والسكك الحديدية وشبكات المترو.



TRT عربي