كيف تدحرجت الأزمة في أوكرانيا نحو شفير الحرب؟ (Evgeniy Maloletka/AP)
تابعنا

قُبيل إغلاق أبواب قاعة الاجتماعات عليهما، حيث جمعت المباحثات الأخيرة لنزع فتيل التوتر المتصاعد على جبهة أوكرانيا، يوم الجمعة في جنيف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرغي لافروف، قال بلينكن: "لا نتوقع حلّ خلافاتنا اليوم، لكننا ملتزمون المسار الدبلوماسي لحلّ الأزمة بشأن أوكرانيا".

نفس الموقف المتشائم تَشاطَره وعبَّر عنه لافروف الذي قال: "لا أتوقع تحقيق اختراق في المحادثات مع نظيري الأمريكي، لكننا ‏نتوقع إجابات ملموسة لمطالبنا الأمنية". مطالب على رأسها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وانسحابه من دول أوروبا الشرقية كبلغاريا ورومانيا، والعودة إلى اتفاق مينسك كحل للحرب الدائرة في منطقة الدونباس.

وانتهى اللقاء قبل موعده، في إشارة واضحة إلى فشل المباحثات مرة أخرى. وقبل الوصول إلى هذا النفق "شبه المسدود"، الدافع بالأوضاع إلى شفا اندلاع صدام عسكري بين الروس والأوكرانيين، مرَّت المنطقة بمسارٍ من الأحداث منذ اندلاع شرارتها سنة 2014 منتهية إلى إعداد العدة الحربية للحرب كما تشهدها الأيام الأخيرة.

من ميدان إلى دونباس

في وقت كان الربيع يهز فيه العواصم العربية الدافئة، كان شتاء كييف الجليدي يأخذ من شعلتها شيئاً فشيئاً، إلى أن التهب ليلة 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، في ثورة اقتبست اسمها من نظيرتها المصرية، ميدان.

مطالب المحتجين كانت اقتصادية في جانب منها، وفي الجانب الآخر سياسية ترفض تعليق الحكومة تحضيرات توقيع اتفاقية الشراكة والتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وقتها أعلنت موسكو موقفها العدائي للثورة، فصرح بوتين: "إنهم يحضّرون لمجزرة لا لثورة"، فيما قاد حلفاؤه في الحكومة الأوكرانية قمعاً شرساً ضدّ المتظاهرين.

رغم كل هذا نجح الأوكرانيون في إسقاط نظام يانكوفيتش الموالي لروسيا، وفرّ الرئيس المخلوع إليها حيث تحميه من الملاحقات القضائية الدولية. في المقابل حاول الكرملين لعب ورقة الأقلية الروسية في أوكرانيا، حيث اندلعت بدعم منه حرب دونباس التي قادتها مجموعات انفصالية موالية له.

حصدت الحرب الدائرة منذ ذلك الوقت 13 ألف قتيل، 4050 منهم من الجانب الأوكراني إضافة إلى 11.6 ألف جريح، وعلى جانب الانفصاليين 4100 قتيل بينهم 400 على الأقلّ من القوات الروسية (حسب الإدارة الأمريكية)، كما أودت بحياة 3300 مدني وهجّرت 1.4 مليون.

ولم يتوقف التدخل الروسي في أوكرانيا عند ذلك الحد، بل تعداه إلى احتلال شبه جزيرة القرم سنة 2015، في خطوة لقيت إدانة دولية ودفعت الجانب الأوكراني إلى الاستنجاد أكثر بالغرب وتسريع السعي للانضمام إلى حلف الناتو.

مخاوف اجتياح ثانٍ

أطلق الجانبان المتناحران مباحثات وقف إطلاق نار مستدام، وُقّع في مينسك في 5 سبتمبر/أيلول 2014، بحضور سويسري وروسي وأوروبي.

ومن النقاط التي ينصّ عليها بروتوكول مينسك: حظر تحليق الطائرات المقاتلة فوق منطقة الصراع، وسحب جميع المرتزقة الأجانب منها لحظر العمليات الهجومية، وسحب الأسلحة الثقيلة 15 كيلومتراً إلى الخلف على كل جانب من خطّ التماسّ، وإنشاء منطقة عازلة بطول 30 كيلومتراً، فيما تُكلَّف بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي إلى أوكرانيا مراقبة تنفيذ هذا البروتوكول.

لم يدم هذا الاتفاق طويلاً، إذ سارع الانفصاليون إلى خرقه في عملية احتلالهم مطار دونيتسك، ليتصاعد العنف مجدداً قاطعاً الطريق أمام أي عودة إلى طاولة المفاوضات.

من الجانب الأوكراني سارعت الحكومة إلى تطوير ترسانتها العسكرية بأسلحة نوعية، على رأسها مسيَّرات "بيرقدار TB2" القادرة على قلب معادلة المعارك ضد الدفاعات الروسية، وكذلك إلى توطيد علاقاتها بحلف الناتو وإجراء تدريبات مشتركة في البحر الأسود صيف سنة 2021.

أمام هذا الواقع عملت روسيا على حشد قواتها نحو الحدود الأوكرانية، فيما يقول الجانب الغربي إنه تَأهَّب لاجتياح الأراضي الأوكرانية، وهدد كل من الناتو والإدارة الأمريكية بـ"الردّ الصارم" على أي عمل عسكري روسي يستهدف أوكرانيا.

مجابهة روسيا والغرب

وسط تهديدات اندلاع صدام عسكري بين روسيا والغرب في أوكرانيا، عمد الطرفان إلى إطلاق جولة مفاوضات احتضنتها بروكسيل وجنيف بين 10 و13 يناير/كانون الثاني الجاري.

على الطاولة تمثلت مطالب موسكو بكبح تمدد الناتو نحو حدودها، بمنع ضمه دول الاتحاد السوفييتي سابقاً وعلى رأسها أوكرانيا محط التوتر المتصاعد، وتلقِّي تعهدات بوقف نشاطه العسكري والاستخباراتي بمنطقة البحر الأسود وحوض دونباس. وتدفع روسيا كذلك برجوع الحلف إلى خارطته قبل سنة 1997، أي قبل ضمه دول أوروبا الشرقية التي كانت تنضوي سابقاً تحت حلف وارسو، ضمنها رومانيا وبلغاريا.

من جهة أخرى تتلخص مطالب الجانب الأمريكي في سحب روسيا جنودها من الحدود الأوكرانية وتفسير انتشارها هناك، وإبداء حسن النية بعدم اجتياح أراضي جارتها الشرقية. ورفض الناتو مطالب الروس باعتبارها ضرباً في مبدأ الأبواب المفتوحة الذي يقوم عليه، ومساساً بسياسة الدول الراغبة في الدخول تحت لوائه، بما في ذلك أوكرانيا التي سبق أن صرّح الأمين العامّ للحلف ينس ستولتنبرغ، بأنه "ليس من حق روسيا تعطيل هذا المسار".

وحسب نائب وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان، لم تأتِ روسيا بجديد في ردها على مطالب الغرب. ورد الروس بأن المفاوضات لم تحقق نتيجة، ولا عودة للطاولة قبل تقديم الغرب ضمانات أمنية لروسيا بالموافقة على مطالبها.

سباق تسليح أوكرانيا

أعلن وزير الدفاع البريطاني بين والاس الاثنين، إطلاق بلاده جسراً جوياً لنقل إمدادات عسكرية نحو كييف، شملت صواريخ قصيرة المدى مضادة للدروع وطاقماً من الخبراء العسكريين لتدريب الجيش الأوكراني على استخدامها.

وأكد متحدث عن وزارة الخارجية الأمريكية أنها "سمحت لكل من ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، بإرسال صواريخ أمريكية الصنع وأسلحة أخرى إلى أوكرانيا"، بموجب قواعد قيود الصادرات، ويتعين أن تحصل الدول على موافقة وزارة الخارجية قبل نقل أي أسلحة حصلت عليها من الولايات المتحدة إلى طرف ثالث.

فيما سبقت كندا قبلهما إلى هذا التحرك الغربي، عبر إرسال وحدات قوات خاصة، قالت إنها من أجل المساعدة على إجلاء البعثات الدبلوماسية الغربية في حال وقوع اجتياح روسي.

TRT عربي