لا يزال "التيار الصدري" يتصدّر القوى الفاعلة في المشهد السياسي حتى بعد استقالة نواب كتلته البرلمانية (AFP)
تابعنا

على مدى ثمانية أشهر من المفاوضات، فشل "التيار الصدري" في تشكيل حكومة أغلبية وطنية تستجيب لرغبات ورؤى رئيس التيار مقتدى الصدر في حكومة بعيدة عن المحاصصة السياسية قادرة على مكافحة الفساد والإصلاح الجذري في العملية السياسية وحصر السلاح بيد الدولة.

ولا يزال "التيار الصدري" يتصدّر القوى الفاعلة في المشهد السياسي حتى بعد نحو شهرين من استقالة نواب كتلته البرلمانية الـ73 من أصل 329 في 12 يونيو/حزيران الماضي.

وهذه الاستقالة تشبه "الانقلاب" على العملية السياسية التي ظلّ "التيار الصدري" جزءاً أصيلاً منها منذ أول حكومة منتخبة في 2006، ومروراً بالانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وإلى اليوم، إذ لا يزال أعضاء التيار يشغلون عشرات المناصب السيادية ومئات الدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية.

ويملك الصدر قدرة هائلة على حشد مؤيديه وأتباعه وتوجيههم في نشاطات تعزز سيطرته ونفوذه، سواء المسلحة، من خلال تشكيلات شبه عسكرية يقودها، أو على مستوى الشارع بالتظاهرات والاعتصامات.

وفي 30 يوليو/تموز الماضي، اقتحم مئات من أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان في العاصمة بغداد، وتحديداً في المنطقة الخضراء وهي مركز مؤسسات الحكم والمرافق الدبلوماسية الأجنبية.

وتجنبت قوات الأمن المكلفة حماية المنطقة الخضراء اعتراض أنصار "التيار" أو منعهم اقتحام مقر السلطة التشريعية في البلاد.

ويسعى "التيار الصدري"، من خلال الاعتصام داخل المنطقة الخضراء، إلى تحقيق مطالب أعلنها رئيس التيار عبر خطاب متلفز في 3 أغسطس/آب الجاري، تلخصت في الدعوة إلى حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ولبلوغ "التيار" أهدافه، اعتصم أنصاره في مبنى البرلمان لثمانية أيام وواصلوا اعتصامهم في المنطقة الخضراء لتعطيل جلسات مجلس النواب ومنع تمرير حكومة تحالف قوى "الإطار التنسيقي"، الذي لا يزال يتمسك بمرشحه الوحيد محمد شياع السوداني، لتشكيل حكومة "خدمة وطنية".

لكن "الإطار" تراجع عن هوية الحكومة (خدمة وطنية) إلى أخرى "مؤقتة" تمهد لانتخابات مبكرة جديدة بعد إجراء تعديلات على قانون الانتخابات وتسمية أعضاء جدد للمفوضية المستقلة العليا للانتخابات، وهي هيئة سيادية مستقلة مهمتها الإعداد للانتخابات وتنظيمها في موعد يحدده مجلس الوزراء بالتنسيق معها.

وترى قوى "الإطار" ضرورة أن يكون للمكون الأكبر، أي المكون الشيعي، الحق في تشكيل حكومة "توافقية" تضم جميع القوى السياسية الشيعية المشاركة في البرلمان وبمشاركة المكونات الأخرى، وفق العرف السائد بعد أول انتخابات تشريعية عام 2005 بتوزيع السلطات والموارد على أساس المحاصصة التي تعتمد على التمثيل السكاني للمكونات من مجموع سكان العراق.

وتوقعت قوى سياسية احتمالات الدخول في مواجهات بعد أن دعا "الإطار التنسيقي" مؤيديه إلى التظاهر أمام بوابات "المنطقة الخضراء" التي باتت معقلاً لأنصار "التيار الصدري".

لكن تبددت مخاوف الأوساط السياسية العراقية وقوى إقليمية ودولية من احتمالات ذهاب العراق إلى حرب داخلية بين طرفي الصراع الشيعي، "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري"، بعد دعوات محلية ودولية إلى التهدئة وعدم التصعيد.

ويتوزع الرأي العام العراقي بين اتجاه يرى أن "التيار الصدري" عازم بجدية على إحداث التغيير في مجمل العملية السياسية، وآخر يرى أن فشل الكتلة الصدرية في تشكيل الحكومة وإقصاء خصومها، دفع الصدر إلى اتخاذ قرارات وخطوات للاستحواذ على السلطة التنفيذية عبر وسائل أخرى بعيدة عن الآليات الدستورية المعتمدة.

ويرى أصحاب الاتجاه الثاني أن الصدر ينفذ "انقلاباً ناعماً" عبر الشارع بمنع "الإطار التنسيقي" تشكيل حكومته من خلال تعطيل جلسات البرلمان، وبالتالي التمديد لحكومة مصطفى الكاظمي التي يُنظر إليها على أنها حكومة "التيار الصدري".

وإذا كان "التيار الصدري" فشل في تحقيق فكرة حكومة "الأغلبية الوطنية"، فإن هذا لا يعني ضمان نجاح "الإطار التنسيقي" في تنفيذ فكرة "الحكومة التوافقية".

TRT عربي - وكالات