مظاهرات في الدنمارك ضد المهاجرين في العاصمة كوبنهاغن (2016) (Getty Images)
تابعنا

قبل عامين، أراد وزير الهجرة والاندماج الدنماركي السابق ماتياس تيسفاي معرفة إذا كانت صلة بين أصول المواطنين التي جاؤوا منها وبين ظهورهم في إحصاءات الوزارة للجريمة والتوظيف.

أدى ذلك إلى قيام تيسفاي بالإشراف على إنشاء مقياس إحصائي جديد ولا يخلو من الغرابة يدعى MENAPT وهي الأحرف الأولى من الأسماء اللاتينية لكل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان وتركيا ، والذي يختلف عن تصنيف البلدان غير الغربية الذي تستخدمه بالفعل هيئة الإحصاء الدنماركية (السلطة المركزية التي تعمل على تجميع ونشر الإحصائيات الخاصة بالمجتمع الدنماركي).

MENAPT هو امتداد للمصطلح المثير للجدل الحالي MENA (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، وهو مصطلح من اشتقاق أوروبي يجمع بين دول تضم عشرات الملايين من السكان في مجموعات لتلبية احتياجات تتعلق بسياستها الخارجية.

يُنظر أيضاً إلى مصطلح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتباره إرثاً استعمارياً، إذ كان مكتب الهند البريطاني هو أول من صاغ مصطلح "الشرق الأوسط" في خمسينيات القرن التاسع عشر، والذي أشاعه لاحقاً ألفريد ثاير ماهان، أحد المنظرين المشهورين عن القوة البحرية الأمريكية.

قال الدكتور إيتي بهادور، عضو هيئة التدريس في جامعة الملة الإسلامية في OpIndia أن تسمية "الشرق الأوسط" تذكرنا إلى حد ما بالنزعة الأوروبية. "بعد كل شيء، يمكن تسمية المنطقة (الشرق الأوسط) فقط عندما يُنظر إليها من أوروبا".

إذا نظرنا إليها جغرافياً، فإن المنطقة الواقعة في منطقة "الشرق الأوسط" ستكون في الواقع على طول المحيط الغربي لآسيا.

لذا، فإن الجديد في القائمة الدنماركية هو أنها تستهدف عدداً قليلاً من البلدان المختارة تلك فقط التي تقطنها أغلبية مسلمة هي البلدان التي لم تُصنف بناء على هذا المبدأ من قبل. على سبيل المثال، لم تجد إسرائيل لها مكاناً في القائمة الدنماركية وكذلك إريتريا وإثيوبيا على الرغم من موقعهما الجغرافي بين مصر والصومال وجيبوتي.

على الرغم من تقديم القائمة لأول مرة كان في عام 2020، فقد أصبحت منذ ذلك الحين جزءاً مهماً من الخطاب السياسي للبلاد. علاوة على ذلك، أشارت لوائح الجنسية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ العام الماضي إلى أن الحكم على المتقدمين من دول MENAPT سيجرى بشكل منفصل عن نظرائهم في القائمة غير الغربية.

يرى منتقدو MENAPT أن هذه محاولة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التمييز ضد المسلمين الذين يعيشون في الدنمارك، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى دول مدرجة في القائمة. تقول الدكتورة أماني حساني، عالمة الاجتماع التي تكتب عن العنصرية والتفرقة العنصرية والمكانية ضد المسلمين، أن القلق هو أن فئة MENAPT ستصبح جزءاً من تقييم طلبات الجنسية.

"بعض السياسيين الذين هم جزء من لجنة الموافقة على الجنسية اعترفوا في السنوات الماضية بأنهم يصوتون ضد المتقدمين الذين ينحدرون من دول ذات أغلبية مسلمة" ، كما قالت لـ TRT World.

"إذا حصل السياسيون على أداة إحصائية واضحة للتمييز بين المتقدمين المسلمين من المتقدمين الآخرين من غير الغربيين، فسيكونون قادرين على رفض أي طلبات للحصول على الجنسية من المسلمين دون مراقبة تذكر."

تقول حساني إن هذه الفئة قد استخدمت بالفعل من هيئة الإحصاء الدنماركية للتمييز بين المهاجرين غير الغربيين والمهاجرين والأحفاد من حيث معدلات التوظيف ومستويات الفقر. وتضيف: "ليس من الصعب تخيل كيف ستتمكن الحكومة من تفسير هذه الأرقام على أنها طريقة لاستهداف التشريعات والسياسات تجاه المهاجرين وأبناء المسلمين".

التقرير الأوروبي للإسلاموفوبيا 2021، الذي صدر أواخر الشهر الماضي، حيث شاركت فيه حساني بتأليف فصل عن الدنمارك إذ سلطت الضوء (في إشارة إلى قائمة MENAPT) على كيفية زيادة العوائق الهيكلية للمسلمين من خلال السياسات والتشريعات الجديدة في الدنمارك. وقالت إن "هذه الفئة قد تمكن الحكومة من استهداف المواطنين المسلمين على وجه التحديد من خلال استنتاجات مسلمتهمة بناءً على بلدانهم الأصلية، والسماح للسياسيين بالتمييز الصريح ضد المتقدمين للحصول على الجنسية من المسلمين مع قليل من الرقابة العامة".

في عام 2021، كشف تقرير نشره المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان أن 35% من جميع أبناء المهاجرين لا يحملون الجنسية الدنماركية، وكثير منهم مسلمون ومولودون في الدنمارك، مما أعاق فرصهم في المشاركة على أرضية متكافئة مثل أقرانهم الدنماركيين.

المسلمون باعتبارهم "الآخر"

حساني هي دنماركية ولدت وترعرعت بعد أن انتقل أجدادها إلى البلاد عمالاً مهاجرين في أواخر الستينيات.

تقول حساني، التي بلغت سن الرشد في السنوات التي تلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول، إنها كانت كبيرة بما يكفي لتجربة التحول في الخطاب السياسي والإعلامي حول المسلمين في الدنمارك في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكيف ساءت الأمور تدريجياً منذ ذلك الحين. ومع زيادة السياسات المعادية للمسلمين وكراهية الأجانب والهجرة في الدنمارك، اهتمت حساني بدراسة التوتر بين الدنمارك التي تمثل نفسها مجتمعاً تقدمياً "ما بعد عرقي" والتجارب الفعلية للمسلمين في الحياة اليومية.

"الدنمارك شبيهة بعديد من البلدان الأخرى في أوروبا فيما يتعلق بتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا. من المهم أن نفهم كيف أن الإسلاموفوبيا، مثل الأنواع الأخرى من العنصرية، هي وسيلة لدعم ديناميات التفوق العرقي داخل المجتمع" كما تقول. وتضيف: "توجد مصلحة راسخة في تمثيل المسلمين على أنهم (الآخر) الأساسي فيما يتعلق بالسكان الدنماركيين عموماً، والذين يُفترض أنهم من البيض وغير المسلمين. يتدفق هذا النوع من الخطاب السياسي إلى التفاعلات اليومية بين السكان".

ينعكس هذا في دراسة عباد باشا حول التجارب الحية للجيل الثاني من الباكستانيين في الدنمارك، والتي تظهر كيف أثرت العنصرية المتزايدة ضد المسلمين على شعورهم بالانتماء. باشا باحث في العلوم السياسية، قضى عامين في الدنمارك من 2018 إلى 2020، يستكشف تأثير زيادة العنصرية، والتأثيرات المختلفة التي تتركها على مشاعر الانتماء والأمن الوجودي بين الجيل الثاني من الباكستانيين في البلاد.

كان أحد مجالات تركيزه هو النظر في كيفية تعامل هؤلاء الأشخاص مع الوضع وتأثيره على خططهم المستقبلية. يقول باشا: "كان الأشخاص الذين تحدثت معهم يجرى تذكيرهم بشكل متزايد بـ(الآخر) من خلال وسائل الإعلام والروايات السياسية والأنماط الشخصية الهيكلية للعنصرية التي لا ينتمون إليها في الدنمارك، خاصة في العقدين الماضيين". وأضاف: "هذا يحدث حتى بالنسبة إلى أولئك الذين اعتقدوا أنهم ينتمون إلى المجتمع الدنماركي ولكنهم بدأوا الآن يتعلمون أن هذا قد لا يكون بالضرورة واقع الحال".

في حديثه مع TRT World ، يقول باشا إنه يجد ذلك مقلقاً لأنه إذا كان للعنصرية السائدة والمتصاعدة تأثير على الأمن الوجودي والانتماء للأشخاص الذين يمكن اعتبارهم "مندمجين جيداً في المجتمع" ، فربما تكون الأمور "أسوأ بكثير" للقادمين الجدد".

ويؤكد: "للإعلام والسياسيين دور رئيسي يلعبونه في هذا السيناريو، وأن الأشكال الأكثر تنظيماً وهيكلية للعنصرية هي التي تؤدي إلى تفاقم عملية عدم الانتماء بين الأقليات".

مسألة القيم الدنماركية

عندما مضى تيسفاي، الذي يشغل الآن منصب وزير العدل الدنماركي، قدماً في خططه لوضع قائمة MENAPT موضع التنفيذ، جادل بأن الأرقام الجديدة، أو الإحصائيات الصادرة "ستوفر نقاشاً سياسياً أكثر صدقاً حول المهاجرين الذين تسببوا بتحديات كبيرة جداً لمجتمعنا ".

اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2020، شكل الأشخاص الذين ينتمون إلى قائمة MENAPT أكثر من 54% من جميع السكان غير الغربين المقيمين في الدنمارك. تقول الحساني إنه فيما تُمثَّل المواقف المعادية للمسلمين عبر الطيف السياسي في الدنمارك، يوجد اختلاف بين السياسيين في طريقة تصنيفهم للمسلمين.

"بينما يميل بعض السياسيين في اليمين السياسي إلى النظر إلى جميع المسلمين في الدنمارك على أنهم يمثلون إشكالية في الأساس، يوجد ليبراليون سياسيون يفرقون بين (المسلمين الطيبين) و (المسلمين السيئين)، كما تقول".

ما تعنيه الحساني هو أن المسلمين الذين يذهبون إلى المدرسة ويعملون ويتبنون القيم الدنماركية ولا يطلبون كثيراً من التسهيلات الدينية يعتبرون "جيدين".

"لكن في الوقت نفسه، غالباً يتعرض المسلمون، الذين لا يتمتعون بالاستقلالية المالية (عن الرعاية الاجتماعية)، والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الانتقال من السكن الاجتماعي، والذين يعانون من التحدث باللغة الدنماركية أو الذين يبدوإسلامهم ظاهراً للعيان للتشويه. بعبارة أخرى، إذا لم تكن مسلماً منتجاً ناجحاً ، فأنت تمثل مشكلة بسبب إسلامك".

إن إشارة تسفاي إلى أقلية من المهاجرين على أنها تحدٍ للمجتمع الدنماركي هي جزء من خطاب سياسي يدّعي: الحفاظ على القيم الدنماركية وحمايتها.

في غضون ذلك، تقول الحساني إن هذا هو الاتجاه السائد في جميع أنحاء أوروبا. "إنه يتحول إلى نهج عرقي لفهم الثقافة والقيم الوطنية".

"لقد حوّلت الدول الغربية تاريخياً نفسها ضد الإسلام والمسلمين لتحديد" قيمهم الليبرالية ". إنها ليست فقط طريقة لإضفاء الطابع الجوهري على القيم الدنماركية لاستبعاد التعبيرات البديلة عن الدنماركية، ولكنها غالباً ما تكون أيضاً عملية شديدة العنصرية، (قيمنا الليبرالية مقابل قيمهم غير الليبرالية)" كما تقول.

"ليس من المستغرب إذاً أن تُقدَّم القيم الدنماركية بشكل يعاكس المسلمين. تُمثَّل القيم الإسلامية على أنها معادية للديمقراطية ومتخلفة وغير متساوية، فيما القيم الدنماركية ديمقراطية تقدمية ومتساوية. وبالتالي تُمثَّل القيم الإسلامية على أنها قيم معادية للدنماركية بطبيعتها".



TRT عربي
الأكثر تداولاً