أهل نيوزيلندا يقدمون الورورد والتعازي لضحايا الهجوم الإرهابي على مسجدين في كرايستشرش (AP)
تابعنا

فتح الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا نقاشاً حول ما إن كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتحمل مسؤولية نشر المحتوى المسيء والمتطرف على منصاتها.

تقارير كثيرة ألقت المسؤولية على عاتق رؤساء شركات التكنولوجيا العملاقة ومستخدمي منصاتهم الاجتماعية في عدم الإبلاغ الفوري عما نشره الإرهابي قبل قيامه بمذبحة المسجدين ببضعة دقائق، حيث أعادت حادثة نيوزيلندا احتدام النقاش حول الآلية المتبعة على مواقع التواصل الاجتماعي لمراقبة المحتوى المنشور عليها وتحديداً محتوى البث المباشر الذي يمر عادة دون مراقبة حتى للثواني الأولى.

لام زعيم حزب العمال المعارض في بريطانيا جيرمي كوربن دور مواقع التواصل الاجتماعي عقب الحادثة قائلاً "على منصات التواصل الاجتماعي أن تستجيب أسرع لمراقبة وإيقاف محتويات البث المباشر، هذه المنصات ساهمت بنشر فيديو لرجل هو متهم الآن بالقتل، هذا يجب أن يتوقف".

تعمل شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك وتويتر على تطوير آليات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها في التحكم في المحتوى المسىء أو الإرهابي أو الأخبار الكاذبة التي تُنشر على منصاتها، ولكن في واقع الأمر لقد بدأ الإرهابي في حادثة نيوزيلندا هجومه أونلاين وأنهاه أونلاين.

لقد عرف منفذ الهجوم الأسترالي جيداً كيف يستغل ثغرات تلك المواقع ليصل لمبتغاه، عرف ثقافة الإنترنت السائدة في العصر الذي نعيشه جيداً، ويعلم كيف يستغل كل ما جاءت به مواقع التواصل الاجتماعي من تكنولوجيا، وحوّلها من نعمة مُستخدَمة للتواصل بشكل يومي إلى نقمة ووسيلة تنشر القتل والعنف.

مقطع مطول لمدة 17 دقيقة، انتشر بشكل فيروسي فور ظهوره على كل منصات مواقع التواصل الاجتماعي، يصور شخصاً وضع كاميرا للتصوير فوق رأسه، المقطع يعرض ذراعيه تحملان سلاحاً عسكرياً كٌتب عليه رموزاً وتواريخ عُرفت فيما بعد أنها تعود لمعارك دارت بين المسلمين والأوروبيين على مر التاريخ، مرتكب الجريمة يصور نفسه مصوباً سلاحه نحو كل شخص يقابله في طريقه إلى مسجد مزدحم بالمصلين وقت صلاة الجمعة.

لم يكن المقطع جزءاً من إحدى ألعاب الفيديو، لقد كان مقطعاً حقيقياً يقتل فيه الإرهابي أشخاصاً حقيقين أذاعه بنفسه وقت ارتكابه الجريمة.

تداول أو حيازة المقطع أمر يعرض صاحبه للمسائلة القانونية طبقاً لما صرحت به الحكومة النيوزيلندية، ولكن هل هذا يحد من انتشار أفكار منفذ الهجوم المتطرفة وإزالتها كلياً من على الإنترنت؟

هل صوّر الإرهابي الحادث خصيصاً لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي؟

"الإنترنت ساعد على وجود مساحة للنقاشات الحرة خارج سيطرة الدول والمؤسسات وبذلك سمح للناس أن تحصل على معلومات قد يعرفونها لأول مرة، وسمح لهم أن يكتشفوا الحقيقة بعيداً عن تزييف التاريخ وغسل الأدمغة ومن ثم يتحولوا إلى متطرفين، التطرف هو الحل الوحيد أمام فساد الأجيال"

كان ذلك جزءاً من البيان المطول الذي نشره الإرهابي على الإنترنت قبل ذهابه إلى المسجدين في كرايستشرش، تطرق فيه إلى مساعدة الإنترنت على إيجاد وخلق المتطرفين، وهو ما اعتبره وسيلة جيدة يصل بها الناس إلى "الحقائق" التي قد تُغيبها الدول والمؤسسات عنهم، أقر الإرهابي في بيانه أنالداعم الأول والأخير لأفكاره كان الإنترنت، فهل كان المقطع الذي صوره وهو يطلق النيران على 50 مسلماً مصوراً خصيصاً ليناسب الإنترنت أو ليناسب مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً؟

قرر برنتون تارانت، منفذ الهجوم الأسترالي أن ينشر تفاصيل الحادث الإرهابي لأول مرة على منصة 8chan، المنصة التي عُرفت بأنها ملاذاً للمتطرفين، واشتهرت بنشر محتوى مسيء ومعادي للمسلمين، السود، وحتى المرأة، يتابعها الكثير من من ينتمون للفكر اليميني المتطرف، كان من بينهم تارانت.

كتب مجهول على تلك المنصة في ساعات الصبح الأولى من يوم الواقعة أنه على وشك القيام بالهجوم المسلح على "الغزاة" مشيراً إلى المهاجرين المسلمين، وأنه سينشر الهجوم على بث مباشر على فيسبوك، وأضاف لما كتبه بياناً مطولاً من 74 صفحة يشرح فيه الأسباب التي دفعته للقيام بالهجوم على المسلمين في مسجدين في نيوزيلندا.

المجهول، الذي يبدو أنه برينتون تارانت بالفعل، كتب على المنصة كل تفاصيل الحادث ولم يتم التبليغ عنه بل العكس، لوحظ تفاعلاً من رواد المنصة وبعض التعليقات المشجعة له، كان لبرينتون أيضاً حساباً على منصة تويتر أنشأه قبل الواقعة بشهر غرد فيه صورة للسلاح المستخدم أثناء الهجوم كما غرد فيه خلال الشهر الماضي خطاباً عنصرياً واضحاً وشديد اللهجة ضد المهاجرين المسلمين، إلا أن المنصة لم تحاول حجبه من قبل أو التبليغ عنه.

عرف برنتون جيداً أنه حينما يصور الهجوم وينشره على البث المباشر على فيسبوك أنه سينتشر بشكل فيروسي، ولن تستطيع مواقع التواصل الاجتماعي السيطرة على نشره على الأقل في الساعات الأولى، والتي تكون كافية للغاية لكي يظل المقطع على الإنترنت للأبد عن طريق تسجيله وتنزيله من قبل ملايين من المستخدمين حول العالم، وهو ما حدث بالفعل ليبقى المقطع متداولاً حتى بعد حجبه من قبل فيسبوك، تويتر، إنستغرام ويوتيوب.

لم تكن طريقة التصوير عشوائية على الإطلاق، إنها الطريقة التي يعرفها جيداً غالبية مستخدمي تلك المواقع وتبدو مألوفة جداً لهم، وهي طريقة ألعاب الفيديو، كاميرا مثبتة أعلى الرأس تظهر يدين تمسكان بسلاح عسكري مصوب نحو أهداف، إلا أنها في هذه المرة، كانت أهدافاً حقيقية خاشعة وهادئة قبل أن تنتهي حياتها خلال لحظة.

يقول توم شين البروفيسور الجامعي في مجال الأمن السيبراني لشبكة سي إن إن أن اختيار طريقة التصوير تلك تحديداً جعلت من المشهد الدموي يبدو على مواقع الإنترنت وكأنه مشهد من لعبة فيديو، وهو ما سيجعل الأمر أصعب أن تكتشفه الخوارزميات التي تستخدمها مواقع التواصل الاجتماعي لحجب المحتويات المسيئة أو الإرهابية، التي قد لا تستطيع التمييز بين المقطع الذي يظهر فيه قتل الأبرياء وبين مقاطع ألعاب الفيديو.

وهو ما أثار النقاش حول مدى فعالية الآليات والخوارزميات التي تستخدمها تلك المواقع للتمييز بين المحتوى الخبري والمحتوى الترفيهي وبين المحتوى المسيئ والمروج للقتل والعنف ضد مجموعة من الناس بناءاً على العرق، الدين أو اللون.

يقول أدم هاديلي، مدير مجموعة"تكنولوجيا ضد الإرهاب"لشبكة سي إن إنأن الإرهابيين يحتاجون جمهوراً كبيراً ليشاهد ما يقترفون، قد يختار بعضهم الإعلام التقليدي، إلا أن أغلبهم يحبذ المكان الموجود فيه الجمهور الأكبر.

علم الإرهابي جيداً أن منصات التواصل الاجتماعي يصعب عليها أن تكشف المحتوى المسيئ أو الإرهابي المنشور على منصاتها في حالتين، الحالة الأولى أن يكون بثاً مباشراً أو أن تذيعه وكالات الإعلام ومن ثم يتم تناوله على منصات التواصل الاجتماعي من تلك الوكالات، وهو ما توفر بالفعل في الفيديو الذي صوره ونشره الإرهابي أثناء هجومه على مسجدين في نيوزيلندا، وهو ما ساعد على بقائه لمدة أطول على الإنترنت، وهو ما أراده منفذ الهجوم في المقام الأول.

هل يساعد الإنترنت في الدعاية للإرهابيين؟

تم نشر مذبحة نيوزيلندا على البث المباشر على فيسبوك، بعد تناولها على منصة 8chan، تم تداولها فيما بعد على يوتيوب، وتشارك الناس آرائهم حولها على منصة ريدت، وتناولها العالم أجمع قبل أن تتخذ شركات التكنولوجيا أي ردة فعل

"استمر المقطع الدموي على البث المباشر لأكثر من 17 دقيقة يقوم فيها برينتون تارانت بتصوير ضحاياه وهو يرميهم بالرصاص واحدا تلو الآخر، لقد تم تداول المقطع عبر الملايين من المستخدمين قبل أن تكون هناك ردة فعل من منصة فيسبوك"

يقول أنس المعراوي، خبير تكنولوجيا المعلومات لـTRT عربي أن شبكة الإنترنت وسيلة لنشر المعلومات والأفكار، والخطابات التحريضية بطبيعة الحال جزء من هذه الأفكار، الإنترنت يساعد على التجمع أيضاً، وهذا يعني تجمع الأشخاص ذوي الميول الفكرية المتشابهة، والمساعدة في العثور على بعضهم البعض، ولأن الشبكة يصعب مراقبتها بشكل كامل ويتحكم بها قليل من القيود، نجدها ساعدت في نشر الخطاب الإرهابي بسرعة كبيرة وشكلت بيئة خصبة لالتقاء الإرهابيين ببعضهم البعض.

يتابع المعراوي في حديثه مع TRT عربي أن تدخُل الحكومات في قوانين تتحكم في نشر المحتوى محدوداً، المراقبة والتحكم في المحتوى يعود بشكل أساسي لمنصات التواصل الاجتماعي والسياسات التي يتبعها كل موقع، إلا أن الحكومات بدأت مؤخراً بسن بعض القوانين التي تخضع لها منصات التواصل الاجتماعي مثل قوانين البرلمان الأوروبي الأخيرة التي وضعت معاييراً تحد من نشر خطاب الكراهية أو المحتويات المسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما تابع المعرواي أنه من الجيد أن تقوم شركات التكنولوجيا من محاولة الحد من انتشار الخطاب التحريضي والإرهابي، ولكن هذا لن يمنع الإرهابيين من استمرار استخدام الإنترنت لمحاولة نشر أفكارهم.

ليست المرة الأولى

استخدام خاصية البث المباشر أو مواقع التواصل الاجتماعي في العمليات الإرهابية ليس جديداً، قامتنظيم الشبابالإرهابي في الصومال، باستخدام منصة تويتر عام 2013 لإعلان قيامهم بالهجوم المسلح على مركز وستغيت التجاري في العاصمة الكينية نيروبي.

كما استخدم مسلح إرهابي تقنية التصوير في كاميرا GoPro لتصوير سبعة دقائق من هجومه المسلح على أربعة مدنيين في شرق باريس، حيث قام الإرهابي بتصوير نفسه وهو يقتل 3 أشخاص، ومن ثم حاول نشر المقطع عبر البريد الإلكتروني قبل أن يرديه رجال الشرطة قتيلاً.

ويبقى النقاش مفتوحاً، هل تستمر مواقع التواصل الاجتماعي في عدم الانتباه للثغرات التي يستغلها الإرهابيون مثل منفذ هجوم نيوزيلندا الأخير ويجعل منها وسيلة لنشر الإرهاب حول العالم، أم هذا هو الوجه المظلم من الإنترنت بالفعل؟

أهل مدينة كرايستشرش في نيوزيلندا يقدمون التعازي للمسلمين (Reuters)
القضاء النيوزيلندي يتهم  الأسترالي برينتون تارانت بتهمة القتل الجماعي (Reuters)
TRT عربي - وكالات