تابعنا
خطوة إرسال مقاتلين أرمن من سوريا، وزجهم في الخطوط الأمامية للمعارك في "قره باغ"، أعاد للأذهان انخراط هؤلاء في القتال إلى جانب قوات النظام السوري عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011.

فتح اعتراف أرمن سوريا، بسقوط قتلى وجرحى من المقاتلين الذي توجهوا لمساندة أرمينيا في الحرب ضد أذربيجان، الباب أمام حجم انخراط النظام السوري وهدفه من تسهيل وصول هؤلاء للمشاركة في العمليات العسكرية، بعد إطلاق أذربيجان عملية عسكرية لتحرير أراضيها في إقليم قره باغ المحتل، رداً على اعتداء عسكري أرميني في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، وانتهت باتفاق وقف إطلاق النار اعتبره الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بمثابة نصر لبلاده، ولا سيما أن الأذربيجانيين قد حرروا مناطق واسعة من أراضيهم في الإقليم.

خطوة إرسال مقاتلين أرمن من سوريا، وزجهم في الخطوط الأمامية للمعارك في "قره باغ"، أعاد للأذهان انخراط هؤلاء في القتال إلى جانب قوات النظام السوري عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حسبما أكده تقرير صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، في سبتمبر/ أيلول 2012، ما نبّه للدور الوظيفي الذي أراد النظام السوري استغلاله في هذه المعركة خارج حدوده، كتصفية حسابات مع تركيا الداعم الأكبر لأذربيجان، والتي تمكنت على مدى 6 أسابيع من استعادة السيطرة على 5 مدن، آخرها شوشة، و3 بلدات وأكثر من 200 قرية، فضلا عن تلال استراتيجية، وفق وكالة الأناضول، وإجبار أرمينيا بالأخير على توقيع وثيقة استسلامها.

تحت رعاية النظام السوري

لم يذكر النظام السوري بشكل علني أنه أرسل "مرتزقة من أرمن سوريا"، للقتال في أرمينيا، إلا أن معطيات عدة دلت على تأييده الكامل لذهاب هؤلاء للمعارك.

وأولى تلك المعطيات إعلان صفحة "السوريون الأرمن"، في منشور لها بعد ساعات من بدء العملية العسكرية الأذربيجانية، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، وجود "شبان سوريين يودون التطوع في صفوف المدافعين عن أرمينيا"، مبينة أن رسائل وصلتها من قبل "شبان سوريين معلنين عن رغبتهم في التطوع كقوات رديفة للدفاع عن الأراضي الأرمنية"، وأكدت كذلك أن هؤلاء "الشبان السوريين هم من مدينة دمشق، وقاتلوا في صفوف الجيش العربي السوري كقوات رديفة منذ عام 2011 حتى عام 2018"، وأنهم جاهزون لما وصفته بـ "تكريس خبرتهم القتالية، الممتدة لثماني سنوات، في الدفاع عن أرمينيا ضد العدو المشترك".

وثاني تلك المعطيات مجاهرة مطران أبرشية دمشق للأرمن، أرماش نالبنديان، بتاريخ 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدعوة أرمن سوريا لما سماها "مساعدة الأسرة الأرمنية والجندي الأرمني بكل الوسائل المالية"، وحصر التبرع "بديوان المطرانية"، على أن يتم تسليم جميع عائدات التبرع إلى صندوق "هايستان لعموم الأرمن".

اقرأ أيضاً:

وبعد مضي ثلاثة أسابيع على تلك الدعوة، أعلنت الصفحة الرسمية لسفارة جمهورية أرمينيا لدى النظام السوري، أن إجمالي مبلغ التبرعات وصل إلى 25 ألف دولار، وأنه سيسلم بالكامل لصندوق هايستان لمساعدة عموم الأرمن ضمن مبادرة "نحن حدودنا .. كل شيء فداء لارتساخ".

كما تنوعت أشكال الدعم المقدمة من أرمن سوريا على مسمع ومرأى النظام السوري في محافظتي دمشق وحلب، وثالثها بحسب المعطيات، سماح النظام السوري، بتنظيم مئات السوريين من أصول أرمينية، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقفة احتجاجية في ساحة العزيزية وسط مدينة حلب شمال سوريا، تنديدا بما سموه "التدخل التركي بالصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم قره باغ"، وسط حضور بارز لعدد من رجال الدين من مختلف الطوائف والأديان وأعضاء في برلمان النظام، وممثلين عن فعاليات حكومية، ما يعني حصول هؤلاء الشخصيات الرسمية على ضوء أخضر من النظام للقيام بمثل تلك التجمعات التي لها أهداف سياسية تصب في مصلحته في بلد باتت التجمعات في مناطق نفوذه حكراً على مواليه.

كما جاء لقاء المطران ماسيس زوبويان، مطران حلب وتوابعها للأرمن الأرثذوكس، في 4 تشرين الثاني الماضي، مع رئيس حكومة المهندس حسين عرنوس، لتهنئة الأخير باستلام مهامه الجديدة، بعد أكثر من شهرين على تكليفه من قبل رأس النظام السوري، تحمل في طياتها رسائل مرتبطة بمعارك أذربيجان وأرمينيا.

وفي هذا السياق يرى العميد عبد الله الأسعد، الخبير العسكري في تصريح لـTRT عربي، أن "هناك عداء بين منظومة نظام الأسد وتركيا بالكامل، والنظام السوري يحاول أن يستغل العداء الأرمني لتركيا بحجة مذبحة الأرمن، وبالتالي جاء مقاتلون أرمن لأرمينيا ليس لأجل بشار الأسد، وإنما لحقدهم على تركيا ووضعهم على الجبهات الأولى على خط التماس الأول مع تركيا وأعطوا أمر القتال".

وأضاف الخبير العسكري أن "نظام الأسد أراد أن تكون هناك هزيمة لأذربيجان التي تساندها تركيا، لذلك سمحوا للأرمن الذين جاؤوا إليهم والذين هم أساساً موجودون وأصبحوا من سكان سوريا كأقلية تعيش في سوريا، بالإذن والسفر للقتال بأرمينيا وسهل النظام أيضاً لمن يريد الذهاب إلى هناك للقتال من غير الأرمن مستغلاً هدوء الجبهات في سوريا، نظراً لما يحمله النظام من أحقاد ضد تركيا".

قتلى من أرمن سوريا

لكن الدليل الدامغ على مشاركة مقاتلين من أرمن سوريا في معارك أرمينيا والذين تقدر مصادر إعلامية سورية بأنهم بلغوا نحو 300 عنصر، تجلّى في نعي المجتمع الأرمني في حلب، مقتل ثلاثة من أبنائه في "شوشة" بتاريخ 8-9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وهم "هاروت بانويان"، "هاكوب اصطارجيان" و "موسيك سيكلميان"، فيما أفادت مصادر إعلامية بأنه جرى دفنهم بمدافن الأرمن بحلب.

تصفية حسابات

واعترف الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان، بوجود مقاتلين أجانب بين القوات الأرمنية، في الصراع الحدودي بإقليم ناغورني قره باغ، وقال "من حق أي أرميني أن يقاتل إلى جانب أرمينيا، لا عيب في أن يساعد الأرمن أشقاءهم"، وفي هذا الصدد يذهب د. باسل الحاج جاسم، الباحث في العلاقات الروسية – التركية، إلى أن " قضية إرسال أرمن من سوريا أو لبنان أو مصر أو دول أخرى للقتال إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان، يحتاج إلى البحث في الدول التي تريد تصفية حسابات مع تركيا".

واستطرد الباحث خلال تصريح لـTRT عربي، حول عمليات التجنيد للمقاتلين من خارج أرمينيا، أن "الحكومات الأرمنية المتعاقبة أدخلت وربطت في خطاباتها، أن الحرب ضد أذربيجان هي قضية كل الأرمن في عموم أنحاء العالم، وليس فقط أرمن أرمينيا، مع أنه لا يخفى على أحد أن أرمن الشتات يحملون جنسيات دول أخرى، وأغلبهم لا يحمل الجنسية الأرمنية، وخلال حرب الأسابيع الستة الأخيرة كشف أعلى المسؤولين في يريفان وبشكل علني أن قتال أرمن دول العالم المختلفة إلى جانب أرمينيا ليس عيبا".

كما أن النظام السوري استغل تعاطف أرمن سوريا ( البالغ عددهم 170 ألفاً فرَّ منهم نحو 15 ألفاً للخارج منذ 2011) مع ما يجري في أرمينيا وتقاطعت مصالحه مع إرسالهم إلى هناك لإضعاف دور أنقرة المساند لـ باكو، وهذا ما يؤيده القيادي في الجيش الوطني السوري مصطفى سيجري، خلال تصريح لـTRT عربي بقوله: "مما لا شك فيه أن مشاركة نظام الأسد في معارك أرمينيا لم تكن حدثاً عابراً ولا خطوة ارتجالية ولا يمكن اعتبار المشاركة من قبل الشبان السوريين الأرمن تصرفاً فردياً، الأسد اليوم يمثل جزءا رئيساً من محور الإرهاب والاستبداد في المنطقة".

تجنيد من حلب

وأكدت مصادر أهلية من حلب لـ TRT عربي، أن عدداً من الشبان الأرمن السوريين ممن يقيمون في أرمينيا (يبلغ إجمالي عدد الأرمن السوريين المقيمين في أرمينيا 10 آلاف شخص) انخرطوا في القتال في صفوف القوات الأرمينية، فيما جرى تجنيد آخرين من مدينة حلب تحت إغراءات المال واستغلال حاجة الفقر، وجرى إرسالهم إلى أرمينيا حسب مهارة المرتزق وقدرته على القتال، إذ تتراوح الرواتب بين بين 1500 إلى 2500 دولار أمريكي.

يشار إلى أنه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق ينص على وقف إطلاق النار في "قره باغ"، مع بقاء قوات البلدين متمركزة في مناطق سيطرتها الحالية.

فيما اعتبر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الاتفاق بمثابة نصر لبلاده، مؤكدا أن الانتصارات التي حققها الجيش أجبرت رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، على قبول الاتفاق مكرها.

وبين علييف، أن الاتفاق ينص على استعادة أذربيجان السيطرة على 3 محافظات تحتلها أرمينيا، خلال فترة زمنية محددة، وهي كلبجار حتى 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وأغدام حتى 20 من الشهر نفسه، ولاتشين حتى 1 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

وقد أعلن نائب الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف لاحقا أن بلاده قد منحت أرمينيا مهلة إضافية، حتى 25 نوفمبر الجاري، من أجل إخلاء مدينة كلبجار المحتلة، بسبب ظروف الطقس في المنطقة.

TRT عربي