تابعنا
يُمثِّل يوم 15 يوليو/تموز يوماً مهمّاً في تركيا، إذ تحتفل فيه بحدثٍ هزم فيه أشخاص من جميع أطياف الشعب محاولة انقلاب عام 2016، مما غيَّر تاريخ البلاد المليء بالانقلابات إلى الأبد.

مساء يوم 15 يوليو/تموز، إذ قاد فصيلٌ مارق في الجيش التركي، مُرتبطٌ بمنظمة "فتح الله كولن" الإرهابية، انقلاباً دموياً أدَّى إلى مقتل أكثر من 251 شخصاً وإصابة آلاف.

وعلى الرغم من هذه الخسائر، يرى الخبراء من مختلف المجالات أنَّ تضحيات الشعب تمنع أيّ محاولة لتدخُّلٍ عسكريٍّ مُحتمَل في المستقبل.

وقال حنفي أفجي، وهو قائد سابق في الشرطة التركية، كتب بشكل موسع عن محاولات اختراق أعضاء منظمة فتح الله كولن لمؤسسات الدولة وألَّف كتاباً شهيراً عن أنشطتهم "بعد هذه المرحلة، لا أظن أن شيئاً من هذا القبيل (انقلاب آخر) سيحدث بسبب ما مررنا به -قبل الـ15 من يوليو/تموز، وبعد الـ15 من يوليو/تموز، والآن في ظل أحدث التعديلات التي خضع لها الدستور-، وسيمثُل أولئك الذين شاركوا في الأمر أمام المحاكمة".

وبعكس الانقلابات السابقة، خضع المخططون لانقلاب 15 يوليو/تموز للمحاكمة. ويعتقد أفجي (63 عاماً)، الذي عمل في الخدمة العامة لعقود من الزمن، أنَّ المحاكمة الفورية للمتآمرين في الانقلاب تُمثِّل إنجازاً مهمّاً للدولة التركية.

وقال أفجي لـTRT: "على سبيل المثال، مَثُل الأشخاص المتورطون في انقلاب 12 سبتمبر/أيلول عام 1980 أمام المحكمة بعد 15 عاماً، وخضع الأشخاص المتورطون في أحداث 28 فبراير/شباط (المذكّرة العسكرية التركية لعام 1997) للمحاكمة بعدها بكثير. وبعد رؤية إجراءات المحاكمة، لا أعتقد أن أيَّ شخص في تركيا سيحاول تكرار شيءٍ من هذا القبي".

وردَّد خبراء قانونيون وجهة نظرٍ مماثلة.

شيء جديد: محاكمة مخططي الانقلاب

أحد هؤلاء الخبراء هو كافيت تاتلي، المحامي المتمرس الذي يرأس جمعية المحامين (Hukukcular Dernegi)، وهي أقدم وأكبر جمعية محامين في تركيا، إذ تابع تاتلي محاكمات 15 يوليو/تموز من كثب، وتَشكَّل لديه فهمٌ أعمق بكثير من فهم عديد من الخبراء الآخرين.

وقال تاتلي لـTRT "نتعامل مع انقلاب بطرق قانونية لأول مرة في تاريخ تركيا. لم تسنح لنا مثل هذه الفرصة من قبل. في الانقلابات السابقة كان المحرضون على الانقلاب يشرفون على المحاكمات أيضاً. وفي هذا الجانب، هذا شيء جديد علينا. من المهم للغاية بالنسبة إلى تركيا أن يُحاكَم المحرّضون على الانقلاب".

وبعكس انقلاب 15 يوليو/تموز، أطاح الانقلاب العسكري عام 1960 بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً، وحاكم الجيش أيضاً رئيس الوزراء عدنان مندريس، ووزير المالية حسن بولاتكان، ووزير الخارجية فطين رشدي زورلو، وسياسيين آخرين أمام المحكمة العسكرية، متجاهلاً جميع أعراف سيادة القانون.

وفي نهاية محاكمات عام 1960، حُكم بالإعدام على مندريس وبولاتكان وزورلو، وشُنقوا عام 1961.

وبعد الانقلاب العسكري عام 1980، شهدت تركيا أيضاً محاكمة قادتها السياسيين المنتخبين ديمقراطياً في محاكم خاصة، أثر عليها الجنرالات كثيراً.

ولكن يبدو أنَّ الوضع قد تغير بصورة دائمة في انقلاب 15 يوليو/تموز، إذ قال تاتلي: "هذه المحاكمات مهمة للغاية لأنها تبيِّن للأشخاص الذين قد يفكرون في شن انقلاب مستقبلاً أنَّهم أيضاً سيُحاكَمون ويعاقَبون".

وعُوقِب أكثر من ألفَي ضابط عسكري، جنرالات وجنود، بأحكام مختلفة، في حين عُوقِب 1,624 من الأفراد العسكريين بالسجن مدى الحياة في نهاية المحاكمات.

وتُمثِّل محاكمات 15 يوليو/تموز أيضاً فترة قانونية جديدة، إذ حُوكم خلالها المتآمرون في الانقلاب دون انتهاك حقوقهم الدفاعية، وفقاً لتاتلي.

وقال تاتلي: "حتى لو حرّضوا على الانقلاب، فإنني أجد أنه من المهم للغاية أن يُحاكَموا ضمن حدود القانون، وأن يحتفظوا بحقوقهم. هذا أولاً. وثانياً، إذا حُكم على البعض بعد جلسات الاستماع هذه، وقد حدث ذلك لبعضهم في الواقع، فهذا مهمّ للغاية أيضاً. والسبب في ذلك؟ لأنه سوف يمنع أولئك الذين قد يحاولون فعل مثل هذه الأشياء (تنظيم انقلاب)".

نقطة تحول لتركيا

ويرمز الانقلاب المهزوم أيضاً، أكثر من أي أمر آخر، إلى أشياء كثيرة بالنسبة إلى التاريخ التركي وإلى الأتراك العاديين والنخب القوية. فخلال الانقلابات الماضية كان الأتراك عادةً في مزاج رافض للعنف، مفضلين عدم مواجهة التدخلات العسكرية.

ولكن في 15 يوليو/تموز، شهد هذا الموقف الوطني تغيراً كبيراً، إذ خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للتعبير عن معارضتهم لمحاولة الانقلاب.

ويعتقد أفني أوزوكوريل، وهو محلل سياسي تركي بارز، أنَّ قيادة أردوغان هي السبب الرئيسي وراء إشعال جذوة التحدي الوطني في تلك الليلة المشؤومة.

وقال أوزوكوريل لـTRT "قرّر أردوغان المجيء إلى إسطنبول رغم كل الصعاب. وهذا يشمل نفسه وأسرته وأبناءه الكبار وأحفاده. وقال جميعهم إنَّهم سيأتون إلى إسطنبول في غضون يومٍ واحد".

بل وفعل أردوغان ما هو أكثر من ذلك، إذ دعا الناس إلى النزول إلى الشوارع في بثٍّ حيٍّ على شاشات التلفاز.

وقال أوزوكوريل: "لم يُسمع بمثل هذه الأحداث في التاريخ التركي من قبل. لا، وحتى في التاريخ العثماني، لم يحدث أن وقع انقلاب قاومه الناس قبل هذا الانقلاب. على الإطلاق. وهذا هو السبب في أنه سابقة. لم يدُر بخَلَد المخططين للانقلاب للحظة أنَّهم سيلقون مثل هذه المقاومة".

التخلُّص من أعضاء منظمة فتح الله كولن الإرهابية

تغييرٌ مهم آخر في حياة الأتراك تسبَّب فيه الانقلاب الذي دُحِرَ يوم 15 يوليو/تموز، هو إقالة الموالين لفتح الله كولن من منظومة الدولة التركية بطرق جذرية.

وقال أفجي قائد الشرطة السابق: "غيرت محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز أشياء كثيرة لتركيا، بما في ذلك جانب الاستغلال الديني. وأهم تغيير حدث في 15 يوليو/تموز هو بالطبع التخلص من هذه الجماعة الإرهابية التي اخترقت مؤسسات الدولة على مدار أعوام. لقد بدأت عمليةٌ طويلة سيجري فيها كشفهم وفضحهم وعقابهم إذا ثبت تورطهم في الجريمة. لقد قطعت هذه العملية شوطاً طويلاً. نعم، حدثت بعض الأخطاء، وارتُكب بعض المخالفات. وعلى الرغم من ذلك، طُهِّرت الدولة من معظم أعضاء هذه المنظمة. لكن الأهمّ من ذلك أنَّ هذه المنظمة فقدت شرعيتها في أعين الرأي العام التركي، والشعب التركي".

TRT عربي