الرئيس الصيني شي جين بينغ يلقي كلمة خلال افتتاح منتدى التعاون الصيني-الإفريقي 3 سبتمبر/أيلول 2018 (Pool/Reuters)
تابعنا

يجتمع القادة الصينيون الأسبوع الجاري، مع النخب السياسية الإفريقية بالعاصمة السنغالية داكار، لحضور الاجتماع الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC).

ويهدف المنتدى الذي تأسس عام 2000 ويضمّ بجانب الصين 53 دولة إفريقية إضافة إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى تعزيز العلاقات وتعزيز التعاون من المجالات الخمسة ذات الأولوية للمنتدى، وهي الصحة والأمن والتحديث الزراعي والتدريب الفني والمهني والبنية التحتية والتنمية الصناعية في إفريقيا.

وتعتمد بكين في استراتيجيتها تجاه إفريقيا على عدّة ركائز، منها النأي بنفسها عن سياسة أمريكا إزاء القارة السمراء، إضافة إلى إبراز الجانب العملي في مقاربتها والتركيز على المنافع الاقتصادية الّتي تعود على البلدان الإفريقية جرّاء تعاونها وشراكاتها مع الصين.

"لسنا أمريكا"

لعقود طويلة سعت الولايات المتحدة لتكريس صورة محدَّدة إزاء مقاربتها نحو إفريقيا، وهي "لسنا أوروبا"، محاولةً النأي بنفسها عن الإرث الاستعماري والاستغلالي للدول الأوروبية بالقارة السمراء.

وعلى نحو مماثل باتت رسالة الصين إلى إفريقيا، منذ بدايات القرن الحادي والعشرين على الأقل، مفادها أنّ بكين "ليست الولايات المتحدة". إذ رمت السياسة الصينية بذلك إلى اللعب على أوتار المزج بين الاستثمار والتعاون مع العواصم الإفريقية، وفي الوقت ذاته تجنّب التدخّل المباشر في شؤونها الداخلية.

وترتكز الدبلوماسية الصينية تجاه إفريقيا على بناء العلاقات مع الأفارقة والتغطية الإعلامية الواسعة لجميع أشكال التعاون، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الحد الأدنى من العقوبات والمشاركة الأمنية، وهو ما صاغه هنري توجندهات وكاميسا كامارا، الخبيران في الشؤون الدبلوماسية الصينية تجاه إفريقيا، بـ"سياسة التحدّث بصوت عالٍ وحمل عصا صغيرة".

وعادةً ما تفشل واشنطن في انتهاج الدبلوماسية الصينية البراغماتية ذاتها، إذ دأبت على لعب دور "شرطي العالم"، محاولةً فرض قيمها واستغلال شعارات حقوق الإنسان بُغية إحكام سيطرتها على الدول النامية.

نهج أمريكي منفّر

بينما تتجنّب الصين النهج الأمريكي إزاء الدول الإفريقية، ما لم يكن لها علاقات مع تايوان، فإنّها كذلك تحافظ على اجتماعات ومنتديات وقمم تعاون منتظمة يحضرها الرئيس الصيني بذاته ويلتقي فيها الزعماء الأفارقة، فيما لا يكترث الرؤساء المتعاقبون على البيت الأبيض بأيّ مقدار من الود والتقارب مع نظرائهم بالقارة السمراء، وحتّى عند زيارة أي زعيم إفريقي واشنطن فإنّه عادةً ما لا يتمكّن من لقاء الرئيس الأمريكي، ويكتفي بلقاء نائبه أو أحد وزرائه.

وأشار تشو ويدونغ، كبير الباحثين في معهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى سياسة بايدن الحالية تجاه إفريقيا، وهي "تعزيز الديمقراطية على النمط الأمريكي وحقوق الإنسان والقيم"، باعتبارها الأدوات الّتي تستخدمها واشنطن لجذب الدول الإفريقية، لمحاولة التنافس مع نفوذ الصين في القارة.

وأردف تشو بأنّه بصرف النظر عن الاضطرابات والصراعات والكلمات والوعود الأمريكية الجوفاء، فإنّ واشنطن لم تقدّم شيئاً للدول الإفريقية، وتلك الدول الإفريقية تعرف ذلك جيداً.

رؤية 2035 للتعاون الصيني-الإفريقي

تعمد الصين، بجانب محاولتها اللعب على أوتار الشراكة وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية لشركائها الأفارقة، إلى إضفاء هالة التعاون الاستراتيجي طويل المدى غطاءً لعلاقاتها بالعواصم الإفريقية.

وفي افتتاح منتدى التعاون الصيني الإفريقي الثامن (FOCAC)، شدّد الرئيس الصيني شي جين بينغ، على تعميق وتعزيز التعاون بين بلاده والدول الإفريقية، إضافة إلى التوسّع في الخطط طويلة الأجل وتكثيف أصعدة التعاون مثل البحث العلمي، وتعزيز التنمية الخضراء، والانتعاش الاقتصادي، والاقتصاد الرقمي، ومجال تغير المناخ، ومكافحة فيروس كورونا، معلناً أنّ بلاده ستوفّر مليار جرعة لقاح ضد فيروس كورونا لدول القارة الإفريقية، وستتبرّع بـ600 مليون منها.

وقبل المنتدى صيغَت وثيقة رئيسية بعنوان "رؤية 2035 للتعاون بين الصين وإفريقيا"، وبموجب الرؤية ستكون أولى المراحل منها، ومدّتها 3 أعوام، تعمل الصين خلالها مع الدول الإفريقية في تسعة مشاريع، هي الصحة، وتخفيف حدّة الفقر، وتعزيز التجارة، وتدشين حملات الاستثمار، والابتكار الرقمي، والتنمية الخضراء، وبناء القدرات، والسلام والأمن.

وأقامت الصين حتّى الآن أكثر من 80 مشروعاً للبنية التحتية للكهرباء في إفريقيا، وأكثر من 130 منشأة طبية، و45 ملعباً، وأكثر من 170 مدرسة، وساعدت على تدريب أكثر من 160 ألف شخص في إفريقيا.

وتَلقى السياسة الصينية إزاء إفريقيا اتهامات بالاستغلال وكونها حلقة في مساعي بكين لكسب صراع الهيمنة الاقتصادية العالمية، وذلك من خلال انتهاج سياسة لإغراق الدول الإفريقية بالديون وسيلةً لفرض السيطرة على المطارات والمواني والمناجم والمضايق والجسور الحيوية في تلك البلدان، حال عجزهم عن سداد الديون الضخمة الّتي منحتهم إياها الصين رغم معرفتها بعدم قدرتهم على السداد.

TRT عربي