لشَغل روسيا عن غزو أوكرانيا.. هل حرّك الغرب أحداث كازاخستان؟ (Others)
تابعنا

تدخل الاحتجاجات في كازاخستان اليوم السابع على اندلاعها، فيما يشي الانفلات الأمني وأعمال الشغب في المدن التي تعرف الانتفاضة بأن العودة إلى الهدوء ما زالت بعيدة المنال، إذ تحولت الاحتجاجات السلمية في ظرف يومين إلى صدام مسلح راح ضحيته عشرات وتخطى عدد جرحاه ألفاً.

في ظل هذه التطورات وصف الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، المتظاهرين بـ"الإرهابيين"، ولوّح بوقوف أيادٍ خارجية وراء ما يقع. وكانت هذه مسوغاته لطلب المساعدة من منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" للتدخل في مساعدة القوات الكازاخية على إعادة النظام في المواقع الساخنة.

من جهة أخرى يتزامن تسارع الأحداث في كازاخستان مع التصعيد الحاصل منذ أشهر غير بعيدة عن الدولة السوفييتية سابقاً، إذ يقف النزاع الأوكراني-الروسي على مفترق الطرق الأخير، بين حل التوترات وانحدارها نحو صدام عسكري بين موسكو والغرب.

هذا التزامن الذي دفع كثيراً من المراقبين نحو قراءة الأحداث في كازاخستان على أنها محاولة غربية للالتفاف، وإلهاء روسيا في نزاع جديد على حدودها قُبيل المفاوضات بشأن الملف الأوكراني.

تدويل الأحداث في كازاخستان

انتقال الاحتجاجات نحو العنف واكبه انتقالها كذلك من الشأن الداخلي إلى الدولي، ذلك بعد خطاب الرئيس توكاييف يوم الأربعاء، الذي قال فيه إنه "بالنظر إلى هذه العصابات الإرهابية، وهي في الأساس دولية وخضع عناصرها لتدريب جادّ في الخارج، فإن بلادنا تتعرض للعدوان (...)، طلبتُ من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي مساعدة كازاخستان على التغلب على هذا التهديد الإرهابي".

بدورها أعلنت المنظمة الخميس، إرسال قوات حفظ السلام إلى كازاخستان، مؤكّدةً أن وحدات من سلاح المظليين في القوات الروسية بدأت بالفعل تنفيذ مهامِّها هناك، التي ستتمثل في "حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة، ومساعدة قوات الأمن الكازاخية على تحقيق الاستقرار وتطبيع الوضع هناك"، حسب بيان الأمانة العامة لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي".

أشبه بأوكرانيا؟

منذ اندلاعها، دأب مراقبون على رصد أوجه الشبه بين احتجاجات كازاخستان وانتفاضة ميدان الأوكرانية سنة 2014، غير أن المفاجئ انحدار الأولى نحو العنف أسرع بكثير من الثانية، وكذا كان دخول الروس على الخط أسرع.

كذلك دور الغرب في ما يقع، فحديث توكاييف عن "عدوان إرهابي" ولجوئه إلى روسيا لطلب المساعدة في مواجهته، يحمل ضمنياً إشارة إلى دور غربي داخل النزاع المتصاعد في البلاد.

كذلك ترفع أوجه شبه مخاوفَ أن يتكرر ما حدث سابقاً في شبه جزيرة القرم، بضمّ روسيا أقاليم شمال كازاخستان ذات الأغلبية الروسية إلى أراضيها. هذه المخاوف تجد جذوراً لها في تصريح عدد من السياسيين الروس السنة الماضية بضرورة "إعادة" تلك الأراضي إلى نفوذ الجمهورية الاتحادية، على رأسهم فياتشيسلاف نيكونوف، النائب الروسي عن الحزب الحاكم، الذي زعم أن "كازاخستان لم تكن موجودة كدولة، وأراضيها كانت هدية عظيمة من روسيا والاتحاد السوفييتي".

في المقابل، "مع هرولة الصحفيين إلى رصد القواسم المشتركة بين الحدثين، والتشابه بين ما صرّح به بعض الرؤوس الساخنة في السياسة الروسية بشأن المناطق الكازاخية والذرائع التي استخدمتها موسكو لاحتلال شبه جزيرة القرم، لا أرى حتى اللحظة تشابهاً بين ما يحصل في كازاخستان وما حصل في أوكرانيا سنة 2014"، يقول محمد فرج الله، المحلل السياسي ورئيس تحرير وكالة "أوكرانيا بالعربي"، في حديث لـTRT عربي.

ويضيف فرج الله أنه "صحيح أن في المنطقة فرملة لعدد من بقايا الحقبة السوفييتية، وأن القضيتين مرتبطتين من حيث التوقيت لكون روسيا والغرب مقبلين على محادثات بخصوص أوكرانيا (...)، لكن بينهما اختلافاً من حيث طبيعة الشعبين، فهناك شعب مسلم وهنا شعب مسيحي، والكازاخيون ذوو ثقافة شرقية وطابع قبلي، فيما للأوكران ثقافة غربية".

محاولة إلهاء غربية؟

وتستعد جنيف في 10 يناير/كانون الثاني لاحتضان محادثات بين روسيا والغرب، يليها في 12 من ذات الشهر لقاء يجمع روسيا بحلف الناتو، وفي 13 لقاء آخر مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. محادثات يدخلها الطرفان مسلَّحَين بمكاسب استراتيجية على الأرض من شأنها أن تعزّز موقفهما في التفاوض.

من الجانب الروسي، يُعَدّ وجود جيشها على الحدود مع أوكرانيا والتهديد بإدخال المنطقة في حرب أوسع، ورقة الضغط الكبرى التي تدخل بها المفاوضات، غير أن تدخُّلها الحالي في كازاخستان يُضعِف هذه الورقة، مما دفع عديدين إلى التساؤل إن كانت الأحداث في كازاخستان محاولة إلهاء غربية للجانب الروسي قُبيل مباحثات جنيف.

يجيب فرج الله موضحاً لـTRT عربي أن "من الصعب الحسم بوجود دور غربي في ما يقع الآن في كازاخستان، ومن المبكر أن نطرح مثل هذه الاستنتاجات لكون هذه الثورات دائماً ما تُقيَّد ضدّ مجهول"، مضيفاً أن "هذا لا ينفي صبّ الأحداث في مصلحة الجانب الغربي قُبيل المباحثات القادمة، وأنها محاولة لإلهاء روسيا وتوريطها أكثر فأكثر في ملفات حليفة لها".

مصلحة يشرحها المتحدث بأن "روسيا معتمدة في تقوية موقفها على تهديد أوكرانيا، إذ تحاصرها من ثلاث جبهات"، في المقابل "لا يستطيع الغرب إرسال قواته على الأرض، وبالتالي فهو يترقب ويحاول إضعاف روسيا سياسياً"، هنا يصبح انفجار الاحتجاجات في كازاخستان "عبئاً آخَر يُضاف على كاهل روسيا ويُعتبر ضربة لموسكو في العمق، لكون كازاخستان إحدى أهمّ الدول التي كانت ترتكز عليها في المنطقة".

كذلك فتفعيل النظام الكازاخي "معاهدة الدفاع الجماعي"، ونشر قوات روسية هناك، هو "آخر ما كان بوتين يتمناه، لأنه كان يضع كل ثقله وتركيزه على الضغط على الغرب عبر الورقة الأوكرانية"، الأمر الذي يُعتبر، حسب فرج الله، "مكسباً للغرب، إذ سيقلّل حظوظ روسيا في المفاوضات"، كما "سيخفّف الضغط على أوكرانيا، فلنشر قواتها في كازاخستان أُجبرَت روسيا على سحب جزء من جنودها في شبه جزيرة القرم"، إضافة إلى أن "هذا يُثقِل روسيا ويحيطها ببؤر أزمات من كل الجوانب".

TRT عربي