تابعنا
في زيارة هي الأولى من نوعها، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مدينة شرم الشيخ المصرية يوم 13 سبتمبر/أيلول الجاري، لمناقشة عدة ملفات من بينها إحياء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

على الرغم مما تداولته عدة مصادر إعلامية محلية وأجنبية عن لقاءات سرية جمعت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في مدينة سيناء المصرية في السنوات القليلة الماضية، إلا أن زيارة رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت إلى مصر على رأس وفد دبلوماسي رفيع المستوى بشكل رسمي وعلني تكتسي طابعاً خاصاً. إذ جاءت في مرحلة انخرطت فيها عدة دول عربية في موجة تطبيع للعلاقات مع الإحتلال الإسرائيلي، ورفعت مستوى التعاون والتنسيق معه في عدة مجالات.

وبينما كانت مصر من أولى الدول العربية الموقعة على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، يبدو أنها تناقش اليوم من جديد جهود إحيائها من في إطار تأكيد أهمية استعادة دورها الإقليمي في المنطقة.

اتفاقية السلام.. مكاسب مشتركة؟

على الرغم من الغضب المصري والعربي الشديد وقَّع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية السلام مع الاحتلال الإسرائيلي يوم 26 مارس/آذار 1979، وذلك عقب مباحثات ولقاءات دورية جمعت بين الجانبين، اختار خلالها السادات الخروج بمصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي. ونادى حينها بخطابه الشهير متوجهاً إلى الشعب المصري: "إنني على استعداد للذهاب إلى آخر العالم، حتى إلى الكنيست ذاته، لأننا لا نخشى السلام، ولأننا أيضاً لا نخشى المجابهة مع إسرائيل".

وبينما كانت المعاهد تنص على إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من سيناء بالكامل وإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع ضمان عبور آمن للسفن الإسرائيلية في قناة السويس، فقد تمكن السادات ومؤيدوه من الترويج لفكرة أن المعاهدة ستضمن حقوق مصر بعيداً عن الحرب والخسائر البشرية والمادية.

وتمخض عن المعاهدة منذ تاريخ توقيعها وإلى اليوم إبرام عدة اتفاقيات أخرى تعزز سبل التعاون والتنسيق المشترك بين الجانبين في عدة مجالات طيلة عقود. ومن بينها زيادة مستوى التبادل التجاري بينهما وتوقيع اتفاقية تصدير نحو 1.7 مليار متر مكعب من الغاز المصري إلى إسرائيل سنوياً مدة 20 عاماً وذلك منذ عام 2005.

كما تستورد مصر احتياجاتها من البنزين والسولار والمازوت من إسرائيل. إضافة إلى التعاون بينها في استصلاح الأراضي الصحراوية في السويس. وذلك إلى جانب التنسيق الأمني المشترك بين القوات المصرية والإسرائيلية في مدينة سيناء تحت راية مكافحة الإرهاب.

ولكن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بقيت إلى اليوم تقتصر على التنسيق والتعاون عبر القنوات الرسمية والحكومية فقط، وأغلبها بعيداً عن الأضواء والتداول، إذ لاقت منذ الإعلان عنها غضباً شعبياً وإدانة حادة، اعتبرتها ضربة موجعة للقضية الفلسطينية وللعالم العربي، باعتراف أكبر دولة عربية بالاحتلال الإسرائيلي وإبرام الصلح معه، لتبقى مجرد معاهدة لسلام بارد.

وعلى الرغم من أن قرار السادات ومصافحته رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحم بيغن بواشنطن وما ترتب عليه من تعاون إلى اليوم تسبب في تصدع بالبناء العربي، حتى قررت حينها عدة دول مقاطعة مصر واعتبرت موقفها خيانة للعرب والقضية الفلسطينية، كما جاء على لسان عدة مسؤولين، يقود في المقابل بعضها اليوم حملة تطبيع مع إسرائيل ويسعون لتوسيع مستوى التعاون معها، حتى كاد دور مصر حليفاً استراتيجياً لإسرائيل في الشرق الأوسط يتراجع، وذلك وفق ما عبَّر عنه خبراء ومحللون.

هل تحيي مصر معاهدة السلام؟

كانت دولة الإمارات من أولى الدول التي وقعت عام 2020 اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بإشراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، لتنضم إليها بعد ذلك البحرين و المغرب والسودان.

وبدأت منذ ذلك العلاقات الثنائية بين إسرائيل وهذه الدول تشهد تطوراً سريعاً على عدة مستويات، كثفت على إثرها الزيارات واللقاءات الدبلوماسية وتبادل السفراء، التي فتحت الباب أمام تعاون وتنسيق شمل عدة مجالات.

وبينما تتصدر الإمارات المشهد وتقود مساراً جديداً للعلاقات مع إسرائيل يبدو أن الجانب المصري كما يرى ذلك خبراء يسعى لمواكبة حملة التطبيع عبر أطره الخاصة، في محاولة لاستعادة دوره الإقليمي.

ولعل أبرز مؤشر على ذلك الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لمصر للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي استجابة لدعوة الأخير منذ شهور، وذلك لإجراء لقاء استمر طيلة ثلاث ساعات، وصفه الطرفان بالمهم والجيد للغاية، بناء على مخرجاته التي كشفت عنها التصريحات الرسمية للجانبين.

وأكد اللقاء ضرورة تعميق الروابط بين الطرفين بما يخدم المصالح المشتركة. وبينما تُطرِّق إلى أهم المستجدات الإقليمية والدولية أكد الجانب الإسرائيلي أهمية الدور المصري بتعزيز فرص السلام بالمنطقة حليفاً استراتيجياً تاريخياً في الشرق الأوسط، فالأخيرة لعبت دوراً هاماً في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية بغزة خلال مايو/أيار الماضي، وعقب ذلك زيارة رسمية لوزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك غابي أشكنازي باعتباره أول دبلوماسي رفيع المستوى يزور مصر منذ 13 عاماً، واستمر العمل باتفاقية وقف إطلاق النار بين الجانبين إلى اليوم رغم بعض الخروقات.


وقد طرح في السياق ذاته وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مؤخراً تحسين الظروف المعيشية في غزة وبناء بنية تحتية جديدة مقابل التهدئة مع حركة حماس بوساطة مصرية.

وفي إطار الحديث عن رفع مستوى التعاون المصري-الإسرائيلي ناقش الطرفان سبل إعادة إحياء معاهدة السلام المبرمة منذ 1979 من جديد، التي كانت انهارت عام 2014. وتبدو ظروفها اليوم متاحة أكثر مع انخراط عدة دول عربية في التعاون المعلن مع الاحتلال الإسرائيلي.

TRT عربي