"لمّ الشمل".. الجزائر تستعدّ لإطلاق رابع مبادرة لإنهاء أزمة التسعينيات (AA)
تابعنا

قبل أيام أعلنت السلطات الجزائرية مشروع قانون حول "لمّ الشمل" يحوي تدابير للعفو عن سجناء منذ تسعينيات القرن الماضي، في تكملة لثلاث مبادرات سابقة لحلّ هذه الأزمة، هي "قانون الرحمة" و"قانون الوئام المدني" و"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية".

ومطلع تسعينيات القرن الماضي اندلعت أزمتان أمنية وسياسية في الجزائر إثر إلغاء قيادة الجيش نتائج انتخابات برلمانية فاز فيها الإسلاميون، ودامت الأزمة سنوات مخلفةً نحو 200 ألف قتيل، حسب أرقام رسمية.

وفي 21 يوليو/تموز الجاري قالت الحكومة في بيان إن وزير العدل عبد الرشيد طبي، بتوجيهات من الرئيس عبد المجيد تبون، "قدم مشروعاً تمهيدياً لقانون يتضمن تدابير خاصة للمّ الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، آخذاً بعين الاعتبار التجربة الوطنية خلال مختلف مراحل المصالحة الوطنية التي عرفتها بلادنا".

ولم تكشف الحكومة عن تفاصيل المشروع الذي سيُعرَض لاحقاً أمام البرلمان للتصويت عليه قبل دخوله حيز التنفيذ.

ويُعَدّ القانون المرتقَب تكملةً لتدابير أخرى أطلقتها السلطات على فترات منذ منتصف التسعينيات من أجل تفكيك الأزمة الأمنية والسياسية ومعالجة تداعياتها.

قانون الرحمة

بعد قرابة ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة عام 1992 أصدر الرئيس اليمين زروال في 25 فبراير/شباط 1995 ما سُمي "قانون الرحمة".

وهذا القانون كان موجهاً إلى جماعات مسلحة متطرفة من أجل إلقاء السلاح مقابل العفو، عبر تخفيف الأحكام القضائية بحق المتورطين في القتل إضافة إلى عفو شامل لمن لم يرتكبوا جرائم.

ووفق الأرقام الرسمية، ترك 4 آلاف شخص العمل المسلح استجابة لهذا القانون، الذي اعتبرت المعارضة الإسلامية حينها أنه لم يعالج أسباب الأزمة وجاء بلا مشاورات.

وفشل "قانون الرحمة" في إنهاء المواجهات المسلحة بين النظام وهذه الجماعات، وازدادت حدة العنف في مختلف مناطق البلاد خلال الأشهر التي تلته.

ودفع هذا الوضع الرئيس زروال عام 1998 إلى إعلان تقليص ولايته وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة تمهيداً لمغادرته الحكم.

الوئام المدني

هو قانون جاء به الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بعد أشهر من وصوله إلى الحكم في أبريل/نيسان 1999، تتويجاً لمفاوضات بين النظام وقيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" (الذراع المسلحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ) .

وأقر القانون عفواً شاملاً بحق عناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ" مع تسليم سلاحهم والعودة إلى المجتمع.

ومع دخوله حيز التنفيذ ترك قرابة 6300 عنصر من التنظيم العمل المسلح، كما أُعلنَ حله نهائياً.

وبعد حل هذا التنظيم المسلح بقي الجيش والقوى الأمنية في مواجهة جماعات مسلحة متطرفة أخرى مثل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي التحقت لاحقاً بتنظيم "القاعدة" تحت اسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

وساهم القانون في انحسار نسبي للعنف المسلح في الجزائر، بعد أن ترك آلاف المسلحين الجبال.

ميثاق السلم والمصالحة

رغبةً منه في طيّ ملف الأزمة الأمنية نهائياً، أعلن بوتفليقة مع بداية ولايته الثانية عام 2004 عزمه على إصدار عفو جديد أكثر شمولية.

وفي 2005 أعلن بوتفليقة مبادرة سُمّيَت "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" وزُكّيَت في استفتاء شعبي في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

وتَضمَّن تدابير أشمل من قانون الوئام المدني وشمل عفواً شاملاً عن المسلحين باستثناء المتورطين في القتل الجماعي، وتعويضات مالية لحالات الاختفاء القسري عبر الاعتقال على أيدي القوات الأمنية، وكذا لضحايا الجماعات المسلحة.

ولم تُنشر إلى اليوم أرقام رسمية بشأن تطبيق هذه التدابير، لكن منظمات حقوقية قالت إن نحو تسعة آلاف مسلح استفادوا منه، سواء بالعفو الكامل أو الجزئي عبر تخفيف العقوبات، مع تعويض آلاف العائلات المعنية بالأزمة.

كما ترك القانون الباب مفتوحاً لرئيس الجمهورية لإصدار تدابير تكميلية لمعالجة الأزمة، وحتى الآن ما زال مسلحون يسلمون أنفسهم للسلطات من أجل الاستفادة منه.

ورغم أن هذا القانون كان وراء إنهاء المواجهات بين الجيش والقوى الأمنية والجماعات المسلحة على نطاق واسع، فإنه لاقى انتقادات من معارضين ومنظمات حقوقية.

وحسب معارضين إسلاميين فإن القانون كان تجسيداً لقاعدة "القوي يفرض شروطه" بلا توافق، فيما قالت منظمات حقوقية محلية ودولية إنه كرّس ثقافة اللا عقاب بحق المتورطين في القتل وانتهاكات حقوق الإنسان من الطرفين.

لمّ الشمل

في مايو/أيار الماضي بدأ حديث في الجزائر عن مبادرة جديدة ضمن جهود المصالحة الوطنية، وصفها الرئيس تبون في تصريحات بالمشروع "الضروري"، وقال إنه "يهدف إلى تكوين جبهة داخلية متماسكة".

ولم تكشف السلطات حتى الآن عن مضمون المبادرة ولا التدابير الجديدة التي تحملها، باستثناء إعلان الرئاسة قبل أيام التحضير لقانون خاص يمهد لإجراءات عفو عن 298 سجيناً منذ التسعينيات لم تشملهم القوانين السابقة.

وهؤلاء السجناء أغلبهم من الإسلاميين أو المتعاطفين معهم، ووُقفوا مع بداية أزمة التسعينيات في ظل حالة الطوارئ، وصدرت بحقّ مئات منهم أحكام تصل إلى السجن مدى الحياة.

ومنذ سنوات تتعالى مطالب من أحزاب ومنظمات حقوقية بالإفراج عن هؤلاء السجناء، وتتساءل عن سبب عدم إدراجهم ضمن تدابير العفو السابقة، وسط صمت من السلطات.

AA