يواجه الاقتصاد الألماني لمخاوف الركود في السنة المقبلة (Others)
تابعنا

بعد جائحة كورونا بين عامي 2020 و2021، كان من المتوقع حدوث انتعاش اقتصادي في ألمانيا، خاصة وأن الوباء أدى إلى زيادة القيمة الشرائية للمستهلك لعام 2022 بين عامّة الناس. إن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ نهاية فبراير/شباط لم تُحبط فقط خطط المواطن العادي، ولكن خطط العديد من الشركات الألمانية. في جميع الاحتمالات، من المتوقع حدوث ركود في النصف الثاني من العام والعام المقبل 2023.

يبقى السؤال الأهم، إلى أي مدى ستؤثر الحرب على تطور الاقتصاد الألماني؟.

يحاول الساسة وخاصة الائتلاف الحاكم المُسمى بائتلاف "إشارة المرور" إيجاد حلٍ لهذه الأزمة. فالقرار الروسي بالتعبئة الجزئية يجعل من الصعب إيجاد الحلول قريبة للحرب والتي يبدو أنها ستستمر لفترة طويلة.

الاقتصاد الألماني في حالة ركود

يتفق العديد من الخبراء الاقتصاديين على أن الاقتصاد الألماني لن ينمو إلا بالحدّ الأدنى هذا العام. ومن المتوقع أن يصل النمو ما بين 1 إلى 1.6 في المئة فقط. ازداد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.6 في المئة لعام 2021 مقارنة بعام كورونا 2020، ولهذا صُنّفت هذه الزيادة على أنها منخفضة للغاية. هذا هو السبب في أنّ التوقعات الحالية لعام 2022 مقلقة للغاية، حيث من المرجّح حدوث تراجع في التنمية الاقتصادية لعام 2023.

يرجع الركود في المقام الأول، إلى نقص إمداد الغاز وذلك على لسان كبير الاقتصاديين في البنك التجاري المُسمّى كوميرس بنك يورغ كريمر. حيث صرّح في مقابلة مع صحيفة زيورخ الجديدة أن النّقص في مخزون الغاز في شتاء العام القادم وربيعه، سيؤدي إلى ركود حادٍّ في الاقتصاد. في الوقت الحالي، لا يتوقع كريمر ركوداً في الرُبعين الأول والثاني فقط، بل سيكون الركود في مجمل العام 2023، بل ويتوقع انكماشاً اقتصادياً تصل نسبته إلى 0.5 في المئة على حدّ تعبيره. وبالإضافة لكبار الخبراء في البنك التجاري "كوميرس بنك"، يتوقع خبراء اقتصاديون آخرون في بنوك ومؤسسات أخرى ركوداً في الاقتصاد الألماني.

وبحسب مؤسسة "إي إف أو" في مدينة ميونخ بألمانيا، فإن من المتوقع حدوث ركود تصل نسبته إلى 0.3 في المئة. أما البنك الألماني "دويتشه بنك" فيبدو أكثر تشاؤماً من الآخرين ويتوقع حدوث كساد اقتصادي تصل نسبته إلى 3.5 في المئة.

على أيّ حال، يستطيع المرء أن يتحدث بوضوح عن كساد اقتصادي في العام القادم. فالتنبّؤات على اختلاف درجاتها وقيمتها تُظهر أنّ الخبراء متشائمون من إمكانية تعافي الاقتصاد في المستقبل القريب.

الطاقة العنوان الأساسي والسبب الرئيس

يقول المسؤول الاقتصادي في مؤسسة "إي إف في" شتيفان كون معلّقاً على دور الطاقة في التراجع الحاد الذي أصاب الاقتصاد، "إن الطاقة المستوردة باهظة الثمن، تعني أن على ألمانيا أن تحوّل جزءاً كبيراً من عائداتها الاقتصادية إلى الخارج أكثر من ذي قبل. سيؤدي ذلك إلى أن تصبح ألمانيا أكثر فقراً نتيجة تراجع الواردات. حيث سيؤدي الارتفاع في أسعار الطاقة إلى ارتفاع التضخّم وبالتالي تقليل القوة الشرائية لدى السكان ما نسبته 3 في المئة، حيث ستكون هذه القيمة هي الأعلى من حيث مقاييس الناتج المحلي القومي منذ عام 1970".

ومن المتوقع في الأشهر القادمة وللعام المقبل 2023 أن يكون معدّل التضخم ما بين 9 إلى 10 في المئة، مما سيحدّ أيضاً من استهلاك المواطن العادي. فيما يتعلّق بالاقتصاد العالمي، تلعب العوامل الخارجية إلى جانب الحرب على أوكرانيا، دوراً مهماً أيضاً. إنّ الزيادة في أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي (ECB) لها تأثير سلبي على كلٍّ مِن الشركات والمستهلكين، حيث من المتوقع أن يؤدي إلى انخفاض في قطاعي الاستثمار والاستهلاك.

تتسبب السياسة التي تنتهجها الصين بسبب كورونا في تقييد سياسة التوريد، مما يجعل أسعار الاستيراد أكثر تكلفة. كلّ هذه العوامل تجعل ليس من الصعب فقط على الاقتصاد الألماني أن يتعافى ولكن أيضاً على الساسة إيجاد حلٍّ على المديَيْن القصير والمتوسط.

كيف ستتعامل الحكومة في هذه الأزمة؟

يبحث الائتلاف الحاكم بشكل يائس عن حلول بديلة لوقف سيل الأزمات بطريقة أو بأخرى من خلال رحلته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وينوي المستشار أولاف شولتز (SPD) على الأرجح الاتفاق على واردات الطاقة مثل الغاز والهيدروجين من هذه المنطقة. قبل أشهر سافر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابك من حزب "الخضر" إلى قطر للتفاوض بشأن إمدادات الطاقة إلى ألمانيا. إذا جرى التوصل إلى اتفاق مع دول الخليج العربي، فإن الحكومة الألمانية ستقترب بالتأكيد من هدفها المتمثل على الأقل في إبطاء تراجع التنمية في الاقتصاد الألماني.

ولكن السؤال الأهم، كيف ستُوفق الحكومة الحالية بين مبادئها وهذه الحلول والقرارات فيما يتعلق باستيراد الطاقة من الدول الخليجية؟

قبل كل شيء، استمرت وزيرة الخارجية أنالينا بربوك (من حزب الخضر) وحزبها في القول إن حقوق الإنسان تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية الألمانية. إن بعض الدول التي تتفاوض معها ألمانيا حالياً معروفة تماماً بعدم التزام القيم الأساسية التي تواصل ألمانيا التمسك بها ونشرها.

في ضوء هذه الحقائق، فإن المعيار الأخلاقي للائتلاف الحاكم في ألمانيا لا يمكن الأخذ به وتصديقه. ففي الوقت الحالي، لا تهتم الحكومة الألمانية بهذه المسألة الأخلاقية بقدر اهتمامها الرئيسي بازدهارها الاقتصادي.

TRT عربي