تابعنا
مع حلول صيف كل سنة، يتجدّدُ النقاش بالمغرب حول واقع السياحة الداخلية، وتتجدد الانتقادات الموجهة للقطاع، الذي يقابل فيه إقبال المغاربة على السفر، استياءهم من مستوى الخدمات السياحية المقدمة وارتفاع الأسعار داخل بلدهم.

ينتقد مواطنون مغاربة "الارتفاع الصارخ" في أسعار حجز الفنادق والوحدات السكنية وأسعار المنتجات ذات الاستهلاك اليومي، ما لا يتلاءم وجودة الخدمات المقدمة وقدراتهم الاستهلاكية.

هذه السلوكيات، على الرغم من أنها تلقى استنكاراً واسعاً وتنعكس سلباً على السياحة الداخلية ويضطرُ معها العديد من المواطنين إلى السفر إلى الخارج، فإنها لا تثني المغاربة عن السفر داخل بلدهم لقضاء العطلة الصيفية، إذ ظهرت خلال السنوات الأخيرة وجهات سياحية جديدة تعرف تهافتاً متزايداً بعد أن كانت مدن مراكش وأكادير (وسط المغرب) تستقطب أغلب السياح.

"موسم الهجرة إلى الشمال"

خلال فصل الصيف، يَصدُق العنوان الذي وضعه الروائي السوداني الطيب صالح، لروايته الأشهر"موسم الهجرة إلى الشمال"، على السياحة بالمغرب، إذ ينزح ألوف المغاربة نحو مدن الشمال لقضاء عطلة الصيف.

وتعرف مدن الشمال المغربي (طنجة، تطوان، أصيلة، مرتيل، الفنيدق، المضيق، الحسيمة..)، خلال هذه الفترة من السنة، إقبالاً كبيراً ومعه اكتظاظ خانق بسبب أعداد زوارها، إذ يفضل العديد من الأسر المغربية السفر إلى هذه المدن الساحلية التي تتميز باعتدال طقسها، في الوقت الذي تشهد فيه باقي مدن المملكة ارتفاعاً في درجات الحرارة.

وأمام الانكباب المتزايد على المدن الشمالية، أعرب عدد من المغاربة عن استيائهم من الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الوحدات الفندقية ووسومات كراء المنزل، وتذمرهم من "جشع" الفاعلين في القطاع الذين "يمتصون جيوبهم".

موسمية السياحة الداخلية

وفي مقابل الانتقادات الموجهة إلى ارتفاع أسعار المبيت والخدمات السياحية، يبرر مهنيو السياحة التعريفات المادية المسجلة، بكون السياحة الداخلية بالمغرب موسمية، وتنحصر فقط في أشهر فصل الصيف الثلاثة، مقابل الكساد الذي يلحقهم خلال باقي أشهر السنة.

في هذا السياق، يقول الباحث الاقتصادي الهادي آيت الحسن، إن موسمية السياحة أمر متعارف عليه بجميع دول العالم، "غير أنها ليست مبرراً، للرفع من الأسعار بشكل مبالغ فيه".

وشدد الأستاذ الباحث، في تصريحه لموقع TRT عربي، على ضرورة تنويع العرض السياحي، عبر استغلال الغنى الطبيعي للمملكة، وعدم الاعتماد فقط على السياحة الساحلية، التي تزدهر فقط خلال فصل الصيف، مستدلاً بالنموذج الإسباني "الذي على الرغم من اعتماده على السياحة الشاطئية بنسبة 60% فإنه يحقق معدلاً سنوياً يزيد عن 70 مليون سائح بفضل استغلاله باقي مؤهلاته السياحية".

من جهته اعتبر مدير المعهد الدولي للسياحة بطنجة عدنان أفقير، أن تركز السياحة خلال فصل محدد، يمكن أن يسببضغطاً يؤثر على جودة الخدمات وارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن عدداً من المواطنين لم يتأقلموا بعد مع السفر خلال باقي فصول السنة.

وأرجع أفقير في تصريحه لموقع TRT موسميةَ السياحة بالمغرب إلى غياب تخطيط وتنظيم طوال السنة، مضيفاً أنه كانت هناك محاولة لتغيير تواريخ العطل المدرسية حسب جهات المملكة، لكن لم يجرِ تنظيم العملية ما أدى إلى عدم نجاحها.

"هروب إلى الخارج"

أمام عثرات العرض السياحي بالداخل المغربي، يفضّل عدد من المغاربة قضاء عطلهم خارج بلدهم، خصوصاً بالجارة الشمالية إسبانيا، فتكشف معطيات إسبانية رسمية أن عدد السياح المغاربة الذين زاروها قارب مليوناً خلال السنة الماضية، وأنفقوا ما مجموعه حوالي 500 مليون دولار.

أسباب اختيار البلد الأيبيري كوجهة لقضاء العطلة تختلف وتتنوع، غير أن هناك شبه إجماع على كون العرض السياحي خصوصاً بمدن الجنوب الإسباني مناسباً أكثر، مقارنة بجودة الخدمات المقدمة، وأقل ثمناً من مدن سياحية مغربية، بالإضافة إلى عامل القرب، إذ يقوم عدد من المغاربة بالسفر إلى إسبانيا على متن سياراتهم الخاصة عبر البواخر.

يقول عمر، شاب مغربي يشتغل في مجال الإعلاميات ويداوم على زيارة إسبانيا خلال عطله، إنه بالإضافة إلى العروض "المغرية" التي تقدمها بعض الوحدات السياحية الإسبانية، فإن عدداً من الشباب والأسر المغربية "يهربون لقضاء عطلهم بإسبانيا للتمتع بالحرية والأمن الذي يفتقدونه في المغرب هناك".

تحولُ إسبانيا إلى وجهة مفضلة للمغاربة، بالإضافة إلى دول البرتغال وإيطاليا وتركيا وبلدان آسيوية لا تطلب التأشيرة من أجل زيارتها، "يُفوت على المغرب فرصاً اقتصادية كبيرة"، حسب الهادي آيت الحاج، مضيفاً أن "أغلب من يسافرون خارج أرض الوطن كانوا ليبقوا لو وجدوا الظروف المثلى لقضاء عطلة جيدة ببلدهم".

وأضاف المتحدث أن "إنفاق سياح المغرب بالخارج مهم جداً، وكان بالإمكان استثمارها لتدخل خزينة الاقتصاد الوطني لو جرى الاهتمام أكثر بالسياحة الداخلية".

من جهته، قال مدير المعهد الدولي للسياحة بطنجة، إن هناك إقبالاً متزايداً من طرف المغاربة على السياحة، غير أن العرض يبقى أقل من الطلب، ما يدفع الكثيرين إلى السفر إلى خارج المغرب، مسجلاً أن "هناك مجموعة من الجهود لتطوير السياحة الداخلية خصوصاً مع مخطط بلادي".

"بلادي".. آمال مآلها الفشل

مرت أزيد من 10 سنوات، على إطلاق مخطط "بلادي"، الذي كان بمثابة استراتيجية وطنية لدعم السياحة الداخلية، وكان من أبرز إجراءاته، حسب الوزارة الوصية على القطاع، تهيئة مناطق سياحية وتحديثها بعدد من مناطق المملكة، وتنويع عرض الإيواء مع تقديم معدات للتنشيط والترفيه.

غير أنه على الرغم من الطموحات الكبيرة والآمال التي عقدت على المخطط فإن هناك إجماعاً على أن مآله الفشل، إذ لم يبلغ أهدافه المسطرة في تقوية السياحة الداخلية.

وأقر وزير السياحة المغربي محمد ساجد خلال شهر مايو/أيار الماضي، بفشل المخطط، قائلاً "إنه لم يعطَ لهذه المحطات السياحية العمق التاريخي والثقافي حتى تتمكن من تحقيق الإقبال والنجاح"، مشيراً إلى أن التوجه الجديد يجب أن يركز على استغلال المؤهلات الطبيعية والثقافية للمدن في إطار سياسة تنموية تدشن مرحلة جديدة للقطاع السياحي".

"ضُخت في المشروع ميزانيات ضخمة، غير أنها لم تأتِ بعوائد ولم تبلغ أهدافها ولم يكن لها أي تأثير في دعم السياحة الداخلية، باستثناء وحدة سياحية أو اثنتين تشهدان إقبالاً مهماً"، يصرح الخبير الاقتصادي لموقع TRT عربي.

وأرجع المتحدث أسباب "فشل" المخطط إلى "عدم مراعاته لحاجيات الأسرة المغربية ولعاداتها في السفر والاستهلاك، كما لا يلائم القدرة الشرائية للمواطن المغربي"، مضيفاً أن على المغرب الاستثمار أكثر في بنياته التحتية واعتماد منتوج سياحي يستهدف السياح المغاربة بالنظر إلى اختلاف عاداتهم في السفر والاستهلاك عن السائحين الأجانب، إضافة إلى الانفتاح على مستجدات خدمات عالم السياحة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً