نتنياهو / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

أدّى زعيم حزب الليكود اليميني الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية رئيسَ وزراءَ ليسجّل بذلك رقماً قياسياً في سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم في البلاد، الأمر الذي أثار الدهشة ليس فقط في العواصم الغربية، ولكن أيضاً في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي.

في مكالمة "قاسية" مؤخراً لنتنياهو، سُرّبَت إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي مخاوفه إلى رئيس الوزراء المكلَّف آنذاك في ما يتعلق بخطط حلفائه من اليمين المتطرف لإعادة هيكلة الجيش.

"التغييرات المتفق عليها تكسر التسلسل القيادي وتقوّض سيادة القيادة المركزية العامة ومسؤولية جيش الدفاع الإسرائيلي في (الضفة الغربية)"، حسب ما نقله جنرال إسرائيلي كبير لنتنياهو، في إشارة إلى تغييرات حكومته التي من الممكن أن تؤثّر في إدارة وزارة الدفاع وقوات الشرطة.

من بين أمور أخرى، بدا أن تغييرين حاسمين قبِلَهما نتنياهو لاسترضاء حلفائه المتطرفين وأثارا قلق الجيش: الأول يتعلق بكيفية إشراف الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة، في حين سيؤثّر التعديل الثاني في وظائف قوات الشرطة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية.

مع التغيير الأول أنشأت حكومة نتنياهو منصباً جديداً داخل وزارة الدفاع لإدارة ما يُسمَّى بالإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تتضمن تعيين جنرالات لقيادة مكتب منسّق الأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية، وهو مكتب مختلط مدني وعسكري.

الغريب في هذه الخطوة هو أن هذا القسم الجديد سيكون تحت سيطرة وزير المالية الإسرائيلي الجديد بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية، أحد أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرُّفاً. سموتريتش، الذي ضغط بلا جدوى ليكون وزير الدفاع في ظل حكومة نتنياهو الجديدة، كان منذ فترة طويلة مستوطناً غير شرعي يعيش مع عائلته في الضفة الغربية المحتلة.

على جانب آخر، سيمنح التغيير الثاني شرطة حدود الضفة الغربية -التي كانت تابعة للجيش ووزارة الدفاع- لحليف متطرف آخر لنتنياهو هو إيتمار بن غفير، الذي يقود حزب عوتسما يهوديت اليميني المتطرف (القوة اليهودية). بن غفير، مستوطن آخر غير شرعي، يشغل الآن منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي ويدير قوة الشرطة في البلاد بسلطة غير مسبوقة.

تغييرات نتنياهو هذه أثارت بالفعل غضب المؤسسة العسكرية. في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول، شارك قادة الأمن في إسرائيل، وهم مجموعة من كبار الضباط الإسرائيليين السابقين، بكتابة برسالة عامة حذّروا فيها من أن إعادة الهيكلة قد تثير "انقسامات داخلية ونزاعاً بين الضباط والقوات، والعصيان، والفوضى"، الأمر الذي سيؤدّي في النهاية إلى "تفكُّك جيش الدفاع الإسرائيلي كقوة قتالية فعالة".

لكن ردّ فعل الجيش على هذه الخطوة الجديدة التي هندسها حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف بخصوص الجيش لا يعني أن المؤسسات السياسية والعسكرية في إسرائيل ستتصادم، حسب شفايتسر، الذي استضاف معهده كوتشافي الأسبوع الماضي. لم يتحدّث الجنرال الكبير عن مكالمته لنتنياهو خلال برنامجه في مركز INSS، وهي مؤسسة فكرية إسرائيلية، كما قال شويتزر لـ TRT World.

في كثير من البلدان، إذا أصدر أي جيش تحذيراً للقيادة السياسية، فهذا يعني عادةً أن الجيش قد يتدخل في نظام الحكم. لكن شفايتسر يقول إن إسرائيل دولة ديمقراطية، مؤكداً أنه لن يكون "انقلاب عسكري ولا عمليات عنيفة" لأن الجيش سيمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية.

على الرغم من مخاوفه الشديدة والاحتجاجات الواضحة في ما يتعلق بالتغييرات الحكومية الجديدة في التسلسل القيادي العسكري، فإن الجيش "سوف يذعن" لإعادة هيكلته و"يحاول السير" بطريقته الخاصة عبر هذه المضايقات الرهيبة، على حد قول شفايتسر.

على صعيد آخر، يجادل شفايتسر بأن التغييرات الهيكلية للحكومة الجديدة يجب أن لا تُقلِق الجيش وحسب، بل الجمهور الإسرائيلي أيضاً، بما في ذلك أعضاء الليكود، حزب نتنياهو نفسه، مؤكداً أن "رغبات نتنياهو لا تتماشى مع رفاهية إسرائيل"، مضيفاً أن التغييرات التي تؤثّر في الجيش "غير منطقية ويستحيل تنفيذها".

يواصل شفايتسر القول إن الاعتقاد هو أن نتنيياهو قد وافق على هذه التغييرات بناءً على مصالحه الشخصية. نأمل أن يحاول الناس في الائتلاف وحزب الليكود ممارسة الضغط على نتنياهو من أجل تخفيف أو تقليل التغييرات في إعادة هيكلة الجيش.

يرى بعض المحللين أن مكالمة كوخافي لنتنياهو قد تكون مرتبطة أيضاً بتطلعاته السياسية لأنه سيستقيل الشهر المقبل، لا يعتقد شفايتسر أن هذه الفكرة صحيحة. في إسرائيل، جاء زعماء سياسيون بارزون مثل آرييل شارون وإسحاق شامير من خلفيات عسكرية.

كيف ستؤثر التغييرات في الفلسطينيين؟

في حين أن داخل الدوائر السياسية والعسكرية الإسرائيلية كثيراً من الجدل حول إعادة هيكلة جيش نتنياهو، فإن هذه التغييرات ستجلب مزيداً من المعاناة للفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، كما يقول أنتوني لوينشتاين، الصحفي المستقلّ مؤلّف كتاب سوف يُنشر لاحقا بعنوان "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم" (The Palestine Laboratory: How Israel Exports the Technology of Occupation Around the World).

ستعمل حكومة نتنياهو المتشددة على تسهيل "غطاء آيديولوجي وعملي أكبر للذراع المؤيدة للمستوطنين في الجيش الإسرائيلي"، كما قال لوينشتاين لـTRT World، في إشارة إلى الصراع المستمر داخل الجيش الإسرائيلي بين الجماعات اليمينية المتطرفة والوسطيين للسيطرة على الجيش الإسرائيلي.

وفقاً لبعض المراقبين، تتبنى القيادة العليا للجيش التي يهيمن عليها الوسطيون موقفاً أكثر اعتدالاً تجاه الصراع الفلسطيني من عديد من الضباط والجنود الأقل رتبة، الذين يميلون إلى تأييد عديد من وجهات نظر الأحزاب المتطرفة مثل الصهيونية الدينية لسموتريتش والقوة اليهودية لبن غفير. كلا الطرفين يعارض بشدة قيام الدولة الفلسطينية.

نتيجة لذلك، لطالما سعى الطرفان للسيطرة على المناصب السياسية في ما يتعلق بالمناطق المحتلة لزيادة نفوذهما داخل دولة إسرائيل، وتمكين الفصيل الموالي للمستوطنين داخل الجيش، فقد قال بن عفير بعد الحادثة الأخيرة في الخليل: "حان الوقت لحكومة تدعم جنودها وتسمح لهم بالتحرك"، مُبدِياً دعمه قواعد إطلاق نار أقلّ تقييداً للجيش الإسرائيلي.

يقول لوينشتاين: "لقد صوتت نسبة كبيرة من الجيش الإسرائيلي لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة، وهؤلاء هم الجنود الذين ينفّذون دوريات ويفرضون الاحتلال في جميع أنحاء الضفة الغربية".

لكن لوينشتاين لا يعتقد أن الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها، والتي وجدها عديد من المحللين أكثر اعتدالاً من الحكومة الحالية، كانت "أكثر سخاءً" مع الفلسطينيين. تؤيّد البيانات وجهة نظر لوينشتاين، إذ تُظهِر أن عام 2022 هو العام الأكثر دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أكثر من 15 عاماً في ظلّ حكومة تسيير الأعمال بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد.

بكل الأحوال، فإن اليمين المتطرف سيُحكِم قريباً السيطرة الكاملة على الجيش الإسرائيلي، وسيؤدي ذلك حتماً إلى "مزيد من الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين عبر الضفة الغربية [المحتلة] والقدس الشرقية [المحتلة]"، كما يقول لوينشتاين، مضيفاً أن الوضع المروّع القائم سوف "يزداد سوءاً"، إذ ستتحرك إسرائيل "لتبنّي مستقبل ثيوقراطي".

ويختم لوينشتاين حديثه: "مهما كانت التوترات التي قد تتطور بين الجيش وحكومة نتنياهو، فهي بالتأكيد أقلّ أهمية مما يمكن أن يواجهه الفلسطينيون كل يوم في ظل دولة إسرائيلية تعتبرهم مصدر إزعاج، في أحسن الأحوال".



TRT عربي