الجنود الأتراك خلال مشاركتهم في الحرب الكورية (1950-1953) (AA)
تابعنا

لم يبدأ الدعم العسكري التركي لكوريا الجنوبية في أثناء الحرب الكورية لتدشين علاقات دبلوماسية وحسب، بل ساهم أيضاً في تعزيز العلاقات الأخوية الأبدية بين الشعبين، لترتقي إلى مستوى "الأخوّة بالدم".

إذ استمرت الصداقة بين تركيا وكوريا الجنوبية منذ أن تشكلت خلال الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953، التي كان لها دور أساسي في تعزيز العلاقات بين البلدين من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1957.

وخلال الحرب الكورية لعبت القوات العسكرية التركية التي شاركت في الحرب دوراً محورياً للغاية في استعادة العاصمة سيول، إذ سخّرت القوات التركية تجربتها العسكرية التي اكتسبتها خلال حرب جناق قلعة في أثناء مواجهتها القوات الصينية التي كانت تحارب بجانب كوريا الشمالية، وألحقت بهم خسائر فادحة، الأمر الذي مكّن كوريا الجنوبية مع إعادة العاصمة لسيادتها مجدداً، وإنقاذ البلاد من قبضة الشيوعيين.

وفي 25 يونيو/حزيران الجاري، أقيمت مراسم تذكارية بمناسبة الذكرى 71 للحرب الكورية، استضافتها الرئاسة العامة لجمعية المحاربين القدامى التركية وسفارة جمهورية كوريا الجنوبية في العاصمة أنقرة، فيما شاركت وزارة الدفاع التركية على حسابها الرسمي على موقع تويتر، صوراً للجنود الأتراك خلال مشاركتهم في الحرب الكورية، إحياءً لذكراهم.

الحرب الكورية

شهدت شبه الجزيرة الكورية التي كانت مقسمة إلى جزأين، شمالي يخضع تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، وجنوبي يخضع لسيطرة لجنة الأمم المتحدة المؤقتة لكوريا بقيادة الولايات المتحدة، صراعاً عسكرياً وحرباً أهلية تأججت في 25 يونيو/حزيران 1950، بدأ بمهاجمة كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية، وتوسع بعد دخول الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، ثم الصين، طرفين في الصراع.

في الوقت الذي غزت فيه كوريا الشمالية التي يحكمها الشيوعيون كوريا الجنوبية، اعتبرت الأمم المتحدة الغزو الشمالي خرقاً للسلم العالمي، وطالبت بانسحاب الشيوعيين من كوريا الجنوبية.

إلا أن الشيوعيين الكوريين استمروا في القتال، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى مطالبة الدول الأعضاء بتقديم مساعدات عسكرية من أجل مساعدة كوريا الجنوبية، فأرسلت 16 دولة من ضمنهم تركيا قوات عسكرية لمساعدة كوريا الجنوبية، وأرسلت 41 دولة معدات عسكرية وأغذية وإمدادات أخرى.

فيما حاربت الصين إلى جانب كوريا الشمالية، واكتفى الاتحاد السوفييتي بتقديم معدات عسكرية لبيونغ يانغ وبعثت بمستشارين عسكريين وطيارين.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في 27 يوليو/تموز 1953، اعتُبرت الحرب الكورية من أكثر الحروب سفكاً للدماء في التاريخ، فقد قُتل نحو مليون كوري جنوبي مدني، وشُرّد ملايين آخرون، فيما قُتل وجُرح أو فُقد نحو 580 ألفاً من قوات الأمم المتحدة وكوريا الجنوبية ومليون و600 ألف من القوات الشيوعية.

المشاركة التركية

صدّق البرلمان التركي في يونيو/حزيران 1950 على إرسال قوات عسكرية إلى كوريا ضمن قوات الأمم المتحدة، ليس فقط من أجل المساهمة في الأمن والاستقرار العالمي، بل أيضاً للحفاظ على الأمن القومي التركي، إذ نظر الحزب الديمقراطي التركي بقيادة عدنان مندريس إلى أنها فرصة مهمة من أجل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) من أجل مجابهة التهديد المتزايد لروسيا السوفييتية.

ودخلت الجمهورية التركية الحديثة في صراع عسكري لأول مرة منذ تأسيسها عام 1923، فتحت قيادة العميد تحسين يازجي، غادر اللواء التركي الأول المكون من 5090 عسكرياً وضابطاً، من ميناء الإسكندرون في 17 سبتمبر/أيلول 1950، ليصل بعدها بشهر تقريباً إلى ميناء بوسان، وفور وصوله انضم اللواء التركي إلى جيوش الأمم المتحدة التي كانت تتقدم بسرعة نحو الشمال.

وأُتبع اللواء الأول بثلاثة ألوية أخرى خلال فترة الحرب التي امتدت لقرابة 3 سنوات، فبين بداية الحرب في يونيو/حزيران 1950 ووقف إطلاق النار في يوليو/تموز 1953، خدم ما مجموعه 14 ألفاً و936 جندياً تركياً في كوريا الجنوبية، فقد 721 منهم حياتهم، واختفى 175، وأُسر 234، وأصيب 2147. وبذلك وصلت تركيا إلى معدل إصابات بلغ 22% واحتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في هذا الصدد.

"لولا تركيا لما كانت كوريا الجنوبية موجودة الآن"

في أثناء حواره مع لوكالة الأناضول عام 2018، قال الضابط في ملحق الدفاع البحري التابع لسفارة كوريا الجنوبية في أنقرة جاسيك بارك، إنه "لولا وقوف الجيش والشعب التركي إلى جانب بلاده، لما كانت كوريا الجنوبية الآن"، مذكراً بالإسهامات التي قدمتها تركيا لكوريا الجنوبية في حربها مع جارتها الشمالية بين عامَي 1950 و1953.

وأشار بارك إلى أن تركيا شاركت بـ4 ألوية مؤلفة من 21 ألفاً و212 جندياً، لا كما يذكر بعض المصادر من أن عدد الجنود الأتراك الذين شاركوا في الحرب بلغ 15 ألفاً فقط، ولفت إلى أن السبب يعود إلى كون اللواء الرابع الذي خرج من تركيا ووصل إلى ميناء بوسان في رحلة بحرية استغرقت 30 يوماً، تزامن مع إعلان وقف إطلاق النار.

وبعد احتلال كوريا الشمالية معظم المناطق في مدينة كونري الواقعة في كوريا الجنوبية، ترأس اللواء التركي الأول القوات العسكرية المتوجهة لتحرير المدينة، إلا أنه فوجئ بوجود أعداد ضخمة من الجنود الصينيين في انتظاره، الأمر الذي كلّفة خسائر كبيرة، إذ سقط 60% من إجمالي شهداء تركيا في كوريا الجنوبية في مدينة كونري.

وذكر بارك أن بلاده "لم تكن لتستعيد مدينة سيول (العاصمة الكورية الجنوبية)، لولا النصر الذي حققته تركيا أمام الجيش الصيني في كوميانغ جانغ ني"، وأشار إلى أن الجيش التركي سخّر تجربته التي خلص إليها في حرب "جناق قلعة" (1915-1916) خلال مواجهته مع الصين، مضيفاً: "عدد شهداء الجيش التركي في المواجهة بلغ 12 فقط، في حين بلغ عدد قتلى الجيش الصيني ألفاً و995".

TRT عربي