مؤامرات ومسلحون وخلايا سرية.. كيف يهدد اليمين المتطرف نظم الحكم في أوروبا؟ / صورة: DPA (DPA)
تابعنا

ألقت السلطات الألمانية القبض الأربعاء على 25 شخصاً في مداهمات عدة في أنحاء البلاد، يشتبه في تآمرهم للإطاحة بالحكومة. فيما أفادت تقارير بأن هؤلاء الأشخاص عمدوا إلى تشكيل خلية يمينية متطرفة مسلحة، تضم أفراداً من حركة "مواطنو الرايخ"، وكانوا يخططون لاقتحام مبنى البرلمان "الرايخستاغ"، والاستيلاء على السلطة وقلب نظام الحكم.

ويُزعم أن هذه الخلية كانت تقدر بنحو 50 رجلاً وامرأة كانوا جزءاً من مجموعة قيل إنها تآمرت للإطاحة بالجمهورية واستبدال دولة جديدة بها على غرار نظام الحكم في الإمبراطورية البروسية السابقة خلال القرن الـ19 وبداية الـ20م.

وتزعَّم تلك الخلية رجل من عائلة أرستوقراطية يدعى هاينريش رويس، الذي كان ينوي تنصيب نفسه حاكماً للبلاد بعد نجاح مخططه الانقلابي باسم "هاينريش الثالث عشر". كما تضم لائحة المعتقلين نائبة برلمانية من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، والمعروفة بعدائها الكبير للمهاجرين.

هذا وتستمر التحقيقات مع المشتبه بهم في القضية، ووفق ما أعلنه مسؤولان أمنيان في ألمانيا اليوم الخميس فإن من المتوقع إطلاق حملة اعتقالات ثانية بعد مراجعة السلطات مزيداً من الأدلة بشأن مخطط إسقاط الحكومة.

ألمانيا ليست الوحيدة

ليست أول مرة يشهد أحد البلدان الأوروبية مؤامرة يمينية متطرفة لقلب نظام الحكم على الأقل خلال السنوات الأخيرة. كما يتزايد حجم العنف المنظم الذي تقوده هذه الخلايا المتطرفة ضد المدنيين ومصالح الدولة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 كشفت السلطات الفرنسية عن مخطط "عملية أزور" التي كانت تهدف إلى قلب النظام الجمهوري بالبلاد. ووفق ما أفادت به التحقيقات فإن متزعم الخلية الانقلابية كان النائب السابق في "حزب الحركة الديمقراطية" ريمي داييه الذي "كان يخطط للانقلاب على الإليزيه بمساعدة شبكة واسعة من ضباط شرطة ودرك وجيش منهم مَن لا يزالون في الخدمة ومتقاعدون"، وفق صحيفة لوباريزيان.

كما كشفت التحقيقات أن هذه الشبكة تنتشر خلاياها على طول التراب الفرنسي، ويجمع عناصرها تبنِّيهم أيديولوجية اليمين المتطرفة ويؤمنون بعلوية العرق الأبيض ونظريات المؤامرة، وأنهم معارضون شرسون للّقاح وبعضهم يمجّد عودة النازية.

يسهر على تنظيم عناصر "عملية أزور" ضباط من الشرطة والجيش الفرنسي، لتنفيذ خطَّة الانقلاب التي تتمثل في "حشد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين" لخلق حالة من الفوضى والتشويش على أجهزة الأمن، "ثمّ الإطاحة بالحكومة وهياكل الدولة" في مواجهات مسلحة يجريها "كوماندوس" من أجل الاستيلاء على المراكز الحساسة في الدولة. هذا وأوضحت "لوباريزيان" أنّ العملية كانت في مراحل متقدمة من التجهيز، إذ اكتشفت في أثناء التحقيقات ترسانة أسلحة ومواد لتصنيع قنابل تقليدية، كانت مُعدّة لتنفيذ المخطط.

ووفق ما كشفت التحقيقات الفرنسية فإن جماعات الإرهاب الأبيض لم تعد وقائع معزولة، بل ظاهرة واسعة تقودها عصابات منظمة ومنتشرة في كل التراب الفرنسي. مضيفة على لسان رئيسة شُعبة مكافحة الإرهاب بمحكمة باريس قولها: "كنا فيما مضى نتعامل مع إرهاب اليمين المتطرف باعتباره حالات فرديَّة، الآن نحن أمام مشروع إرهابي متطور جداً". وفي ذات السياق أورد تقرير سابق لجريدة "Le Monde" أن إحدى الجماعات الإرهابية التي فُككت بفرنسا شهر مايو/أيار الماضي تتكون من 1000 عضو نشيط، وتبلغ دائرة تأثيرها 2000 شخص.

وفي هولندا دقت الاستخبارات الداخلية في تقريرها شهر أبريل/نيسان المنصرم ناقوس الخطر بشأن تصاعد تهديد العنف المنظم لجماعات اليمين المتطرف في أنحاء البلاد، وكذلك الخطر الذي تمثله على نظام الحكم هناك. وأورد التقرير أن هذه الجمعات اكتسبت مزيداً من الأتباع ولفتت مزيداً من الاهتمام عام 2021، كما أنها تشيد بالفوضى وتستبعد الأقليات وتنهج العنف بهدف الاستيلاء على السلطة في هولندا.

هذا وفي شتاء 2021 قادت الحركات اليمينية المتطرفة احتجاجات واسعة ضد الإغلاق العام في هولندا، تخللتها أعمال عنف دامية استهدفت رجال الشرطة وتخريب الأملاك العامة والخاصة. ووصف وقتها مقال لموقع World PoliticsReview بأن "العنف الذي انتشر داخل الأراضي الهولندية يظهر أن خلفه سياسيين يحركونه من أجل تنفيذ أجنداتهم مستغلين الأزمة الحاصلة".

ولعل أبرز عملية إرهابية ذات دوافع سياسية التي شهدتها أوروبا خلال العقدين الأخيرين كانت تلك التي نفذها اليميني المتطرف النرويجي أندرس بريفيك عام 2011 حين هاجم بأسلحة نارية مخيماً صيفياً لشبيبة الحزب الديموقراطي الاجتماعي، ما خلَّف حصيلة 77 قتيلاً. وتَعرف النرويج هي الأخرى ارتفاعاً لتهديد مثل هذه الجماعات المتطرفة، ومخاوف من تهديدها للسلم العام ونظام الحكم.

ظاهرة أوروبية؟

كل هذه المعطيات تدفع لطرح السؤال حول ما إذا كان نشاط هذه الجماعات ظاهرة سياسية واجتماعية أوروبية بامتياز، وكذلك نقاط التشابه بين هذه الجماعات المنتشرة في بلدان أوروبا وأصول أيديولوجياتها.

وللإجابة عن هذه الاستفسارات، تحدث علي سليمان، الباحث في جامعة لابزيغ الألمانية والمختص في تحليل الخطاب السياسي والعلاقات الدولية، لـTRT عربي، قائلاً "لا يمكننا الجزم بأن هذه الجماعات تشكل ظاهرة عامة في أوروبا. بل إن لكل منها خصائص مرتبطة بموطنها الأصلي، وتاريخيه وميراثه السياسي، والكيفية التي تدار بها العملية السياسية في الداخل".

ويضيف الباحث: "لا أظن أن منح القضية بعداً دولياً هي الطريقة الأمثل لمقاربتها. بالمقابل يمكننا أن نجد مجموعة الخصائص المشتركة بين هذه الجماعات، وبالأخص بين الجماعات المنتشرة في ألمانيا ونظيرتها في إيطاليا. لكن لفهم انتشارها تجب العودة إلى تاريخ تلك البلدان والكيفية التي تدار بها السياسية داخلها".

وأفادت التحقيقات الألمانية وجود دلائل على التأثر الكبير لأفراد الخلية الانقلابية التي كشف عنها مؤخراً بنظريات المؤامرة، بخاصة نظرية الـ"QAnon" التي يتداولها اليمينيون المتطرفون في الولايات المتحدة وأنصار الرئيس السابق دونالد ترمب الذين حاولوا بدورهم اقتحام مبنى الكابيتول.

وفي هذا الصدد يقول الباحث من جامعة لايبزيغ: "من الواضح وجود شكل من أشكال التأثر (بنظرية "QAnon") لدى هذه الجماعات، وهو بالأحرى استلهام من الفكرة وأفضل طريقة لكشف ذلك هو الاطلاع على ما يتداول من نشطاء اليمين المتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

TRT عربي
الأكثر تداولاً