البرلمان العراقي يمنح الثقة لرئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي (AA)
تابعنا

إن استئناف المظاهرات بعد أيام قليلة من منح البرلمان العراقي الثقة للحكومة الجديدة برئاسة رجل المخابرات السابق مصطفى الكاظمي، يعبر عن رفض الناشطين لأي رئيس وزراء يُحسب على طبقة سياسية كانت سبباً في تضييع حقوق المواطنين، وإغراق البلاد بمشاكل سياسية وأزمات اقتصادية.

وقد نظم الناشطون مسيرات احتجاجية في بعض المدن العراقية بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، إذ شهد العراق عودة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد تهدئتها نحو ثلاثة أشهر جراء فرض حظر التجوال في البلاد بسبب انتشار وباء كورونا.

أسباب عودة التظاهرات

الانقسامات السياسية الداخلية وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، والحظر المفروض بفعل تفشّي جائحة كوفيد-19، لم يُنهِ الحراك الشعبي في العراق، بل عادت المحافظات كي تنصب خياماً جديدة لتعلن مرحلة جديدة من المظاهرات التي ترفض أي مرشح يخرج من قبة البرلمان العراقي.

وبهذا الصدد تحدث أستاذ الفكر السياسي عصام الفيلي لموقع TRT عربي، قائلاً إن: "سببين وراء عودة المظاهرات في العراق بعد تولي الكاظمي رئاسة الحكومة. فالأول يتعلق بمطالبات حقيقية من قبل المتظاهرين لإحداث ضغط على حكومة الكاظمي من أجل الإسراع بتشريع قوانين تحمي حرية التعبير، وتؤكد إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. بالإضافة إلى رفض الشارع نظام المحاصصة الحزبية على الوزارات، ومناصب الدولة التي اتبعتها الحكومة في تشكيلتها الجديدة".

وأضاف الفيلي أن السبب الثاني "يدور حول أن بعضاً من الأحزاب دفعت أتباعها إلى النزول إلى الشارع لعدم إعطاء فرصة لحكومة الكاظمي لتحقيق منجزات، في ظل وجود طبقة سياسية فاسدة تمتلك الكثير من المال وتستعمله من أجل تأجيج الشارع، واستغلال الخطابات الشعبية لتحقيق مكاسب سياسية، والحصول على مناصب مهمة في التشكيلة الحكومية الجديدة".

ملاحقة قتلة المتظاهرين

مراقبون يقولون إن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قادر على ملاحقة قتلة المتظاهرين الذين بلغوا نحو 700 شهيد، بالإضافة إلى 27 ألف جريح. وهذه المهمة الصعبة تعتبر من أهم شروط الحراك الشعبي للتفاوض مع الحكومة الجديدة، وهي بداية إعادة بناء الثقة بين السلطة والشعب.

وفي هذا السياق، تحدث الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي لـTRT عربي، مصرحاً: "من المبكر جداً أن نحكم على الأدوات التي سوف يستخدمها الكاظمي لمعالجة الأزمات التي تنتظره ومنها قضية المتظاهرين والاعتداء عليهم، وهذا يستدعي سحب السلاح من الفصائل المسلحة التي تخترق ساحات التظاهرات وتقمع المخالفين والمؤيدين لسياستهم، وهذه مهمة صعبة يواجهها رئيس الوزراء".

من جانبه، تحدث رئيس المفوضية العليا لحقوق الانسان عقيل الموسوي إلى TRT عربي، بالقول إن: "مهمة ملاحقة قتلة المتظاهرين ليست مستحيلة في ضوء امتلاك رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي لمعلومات استقصائية دقيقة تثبت تورط قادة أمنيين وسياسيين، ولكونه كان رئيساً لجهاز المخابرات الوطني فسيكون بمقدوره الوصول إلى القتلة الذين قمعوا المتظاهرين بوحشية وأبرزهم "القناصون".

كما أضاف الموسوي أن "ملاحقة الجُناة ستكون على رأس قائمة قبول حكومة الكاظمي من قبل المتظاهرين، الأمر الذي سيحدد استمرارية الحراك الشعبي وتهدئته. لذلك يجب على الكاظمي مراعاة مطالب المحتجين وأن يأخذ مناشدتهم بجدية ويتعامل معها بشفافية".

هذا وقد أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن عدد قتلى الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها البلاد منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019 حتى بداية شهر فبراير/شباط 2020، قد بلغ 433 قتيلاً، وربما يتزايد هذا الرقم في الأشهر القادمة، فيما ناهز عدد الجرحى 20 ألفاً. أما إجمالي المعتقلين فقد قُدر بنحو 2600، إذ أفرجت الحكومة عن 2441 منهم حتى الآن.

وعود بالإفراج عن المعتقلين

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد تعهد بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبيّة، واعداً أيضاً بتحقيق العدالة وتعويض عائلات الشهداء والجرحى، ومؤكداً ضرورة حقن الدماء والصبر على إصلاحات الحكومة الجديدة.

وبهذا الخصوص قال عبد الستار البيرقدار المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى العراقي، موضحاً لـTRT عربي أنه: "وصلتنا توجيهات مباشرة من السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لفتح تحقيقات تخص 2500 معتقل على خلفية التظاهرات، وذلك بهدف الإفراج عن المعتقلين من المتظاهرين السلميين، والإبقاء على الأشخاص الذين ثبت تورطهم بالدم العراقي أثناء الاحتجاجات".

كما لفت البيرقدار إلى أنه شُكلت "لجنة عُليا للتقصي عن الحقائق لغرض تقديم الدعم والمساعدة وتعويض أهالي شهداء ممن فقدوا أبنائهم نتيجة الاشتباكات مع القوات المجهولة التي انتهكت حرية المواطن العراقي بالتعبير عن رأيه، وخلقت فجوة كبيرة بين السلطة والشعب، لذلك سنلاحق الملثمين الذي قتلوا المتظاهرين، وسنسرع بالإفراج الفوري عن المعتقلين وضمان سلامتهم الصحية".

من الجدير بالذكر أن مؤسسات دولية كبرى كشفت هوية المسؤولين عن القتل والاختطاف للمتظاهرين في العراق، ومن بينها منظمة العفو الدولية، التي اتهمت السلطات العراقية بممارسة انتهاكات خطيرة من قمع وقتل اختطاف في بغداد وعدد من المحافظات، مشيرة إلى مقتل 600 متظاهر حتى نهاية أبريل/نيسان 2020.

من جانب آخر، تحدث الحقوقي سعد العامري إلى TRT عربي، بالقول بأنه "لا نزال نتلقى صوراً مسربة من داخل السجون الحكومية تثبت تعرض المتظاهرين للتعذيب الجسدي وجرحهم بأدوات حادة، وإهانتهم بحلق شعر رؤوسهم بطريقة ابتزازية، لذلك على الحكومة الجديدة أن تنتبه لما يحدث في سجونها وعدم السكوت عن الجلادين الذين يخرقون مبادئ حقوق الإنسان".

قمع المتظاهرين من جديد

عشرات المتظاهرين يعودون إلى ساحة التحرير في بغداد، وينقلون النداءات إلى المحافظات الجنوبية، هاتفين: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وذلك رداً على تمرير الحكومة لمرشح جديد وتكليفها شخصية كانت ضمن الطبقة السياسية والأمنية التي حكمت البلاد وجرّته إلى صراعات دولية خطيرة.

وعن هذا الوضع تحدث علي الربيعي وهو طبيب وناشط في التظاهرات إلى TRT عربي، قائلاً: "عُدنا إلى ساحة التحرير في بغداد من جديد بعد فتح حظر التجوال، ورفعنا صوراً ولافتات ترفض الحكومة الجديدة، لأننا لا نثق بالسياسيين الفاسدين الذين دمروا البلاد ونهبوا حقوق المواطنين، لذلك صعّدنا من خطاباتنا وزحفنا نحو المنطقة الخضراء للمطالبة بحقوقنا بطريقة سلمية".

وتابع الربيعي بالقول: "عندما وصلنا إلى جسر الجمهورية لنعبر الساتر القريب من المنطقة الخضراء حيث مقر البرلمان العراقي، واجهتنا القوات الأمنية بفتح خراطيم المياه ورمي القنابل الصوتية والمسيلة للدموع، بعد ذلك اعتقلت قوات مكافحة الشغب بعضاً من الشباب المتظاهرين، كما أصيب عدد كبير من المحتجين بحالات اختناق جراء قنابل الغاز".

أما في الناصرية مركز الاحتجاجات جنوباً، فقد تجددت التظاهرات لمطالبة الحكومة بالإسراع بتنفيذ وعودها، إذ تحدث الباحث الاجتماعي كمل الحيدري إلى TRT عربي، قائلاً: "أحرق المتظاهرون الإطارات لقطع الطرق والشوارع والضغط على الحكومة كي تلتزم بوعودها بمحاسبة المسؤولين والأحزاب الذي أهدروا دماء العراقيين في التظاهرات، نطالب بإجراء انتخابات مبكرة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للعاطلين، والابتعاد عن المحاصصة الحزبية".

أما في محافظة واسط، فقد تحدث جاسم الميالي وهو شيخ عشيرة مشارك في التظاهرات، وقال لـTRT عربي: "كلما جاء رئيس حكومة جديد، ظهر في الإعلام بشخصية المنقذ والمحارب للفساد، لكننا وصلنا إلى مرحلة الانفجار ولا نستطيع الوثوق بأي مسؤول سياسي يتحدث عن إصلاحات في البلاد، ففي الوقت الذي وعد الكاظمي بإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين، استخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع لتفريقنا، كما اعتقلت القوات الأمنية بعض المحتجين، بل وأطلقت الرصاص الحي فوق رؤوسنا، وهذا يثبت أن وعود الحكومة زائفة".

من جانبها، قالت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "سواء كانت الحكومة أو الجماعات المسلحة وراء عمليات القتل والاختطاف في بغداد، تتحمل الحكومة مسؤولية الحفاظ على سلامة الناس من هذا الاستهداف. وبعكس ذلك فقد تخذل الحكومة العراقية مواطنيها إذا سمحت للقوات المسلحة باختطاف الناس، ويقع على عاتق الحكومة أن تتحرك سريعاً ضد الانتهاكات".

إغلاق قضية عادل عبد المهدي

لا تزال الملفات الحقوقية تطال رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وتتهمه بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق التظاهرات وقتل المحتجين. وقد تحدث بهذا الخصوص القيادي في ائتلاف النصر أحمد الحمداني" وقال لـTRT عربي: "إن جهات عدة تعمل على منع ملاحقة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، كما تعرقل الحكومة الجديدة بإجراء أي تحقيق من شأنه أن يكشف الجهات المتورطة بهذه الجرائم".

ولفت الحمداني إلى أن "أوامر قتل المتظاهرين وقمعهم كانت تخرج من مكتب القائد العام للقوات المسلحة السابق عادل عبد المهدي، خصوصاً أن أغلب الذين قُتلوا وقُمعوا هم على يد القوات الأمنية الرسمية، بإيعاز من مكتب عبد المهدي"، وإذا سُكِت عن هذه القضية فسيؤدي ذلك إلى تصعيد الاحتجاجات وعودتها بشكل أكبر من السابق". 

على ما يبدو أن المشهد العراقي سيبقى متأزماً، فعلى الرغم من الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، عاد الشارع المحتج ليعلن رفضه القاطع للنخبة السياسية في البلاد منتقداً الحكومة باتباعها النهج الطائفي القديم في عملية تقسيم الوزارات والمناصب على أساس المحاصصة المعمول بها منذ عام 2003 حتى هذه اللحظة.

TRT عربي