تابعنا
أثار خبر انهيار شركة غرينسيل كابيتال، والحقائق التي كُشف عنها تباعاً، هزة كبيرة في الأوساط المالية والسياسية ببريطانيا. وتواصل إلى اليوم لجان التدقيق الوطني ولجان الحسابات العامة التحقيق في تهم فساد وُجّهت إلى مسؤوليين سابقين، على غرار قضية الشركة.

في ظلّ الانتشار السريع لجائحة كورونا حول العالم، ومخافة من التداعيات السلبية لذلك على المستوى الاقتصادي، أطلقت المملكة المتحدة السنة الماضية، مجموعة من المبادرات واتخذت إجراءات مختلفة، لمساعدة الشركات على تخطي الأزمة وإنقاذ مواردها، قدر الإمكان.

ومن أهمّ القرارات التي اتخذتها الحكومة البريطانية حينها، إطلاق برنامج "مساعدة الشركات الكبرى في ظل فيروس كورونا"، الذي يقضي بتقديم قروض وأموال للشركات الكبرى، على أن تتولى الهيئات الرقابية الإشراف في تطبيق الضوابط التي تنظم عملية الإقراض.

إلا أنه بتنبُّه بعض البنوك الكبرى للقروض التي يزعم أنها تخالف قواعد البرنامج الحكومي، وبالاستناد بعد ذلك إلى الوثائق التي كُشف عنها عبر دوائر المحاسبات والتدقيق المالي، أثيرت فضيحة مالية كبرى بالمملكة المتحدة، بتورط رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون في الضغط على الحكومة وبعض المسؤولين لمنح قروض مالية لشركة غرينسيل المنهارة منذ فترة، ضمن البرنامج الحكومي لمساعدة الشركات من التعافي من تبعات انتشار فيروس كورونا حول العالم.

ووسط تضارب في الحقائق والتصريحات الرسمية، مثل كاميرون أمام لجنة برلمانية لتقديم مجموعة من الإيضاحات حول هذه الفضيحة السياسية الكبرى، التي تتعلق بإفلاس شركة غرينسيل.

غرنسيل.. إنهيار مالي مروّع

تقدّم شركة غرينسيل قروضاً لعديد من العملاء في أنحاء العالم، ومن ثم تُجمَّع وتُباع لمستثمرين خارجيين يؤمّنون بدورهم هذه القروض ويشترون حصة منها نقداً، وذلك كله عبر صندوق Credit Suisse.

واستمر عمل الشركة على النحو ذاته فترة طويلة، وتصدرت الأسواق المالية العالمية، حتى سرعان ما بدأت بوادر المشكلات في الظهور، وانهارت الشركة بشكل مروّع، حين انسحبت شركة التأمين الرئيسية "طوكيو مارين مانيجمنت"، وقررت عدم تجديد التأمين، وذلك على خلفية اتهامها أحد موظفيها، بالتصرف خارج نطاق سلطته. ولم تتمكن غرينسيل من إيجاد شركة تأمين أخرى مستعدة لتقديم التغطية.

ورغم أن انسحاب شركة التأمين الأم مثل المسمار الأخير الذي دُق في نعش الشركة وأدى إلى انهيارها بشكل فظيع، فإنها لم تكن الحلقة الوحيدة في سلسلة الإخفاقات والمشكلات التي تعرضت لها غرينسيل.

ففي سنة 2018 تداولت وسائل إعلامية خبر وقف تيم هايود، أحد أكبر مديري الصناديق البريطانية، بعد أن أثار تحقيق داخلي مجموعة من التساؤلات حول الاستثمارات التي نفّذها في شركات مرتبطة بغوبتا، وأن الوسيط في تلك الصفقات كان غرينسيل.

ورغم أن رجل الأعمال الإنجليزي ذا الأصول الهندية غوبتا، لم يكن له دور رسمي في شركة غرينسيل، فإنه كان أحد أكبر المقرضين لها. ليكشف منظم البنك الألماني Bafin في سنة 2019، عن أدلة على عدم وجود الأصول المرتبطة بغوبتا المدرجة في الميزانية العمومية للبنك، ليوافق القضاء إثر ذلك على طلب Bafin بدء الإجراءات الرسمية التي تعلن إفلاس غرينسيل.

أثار سقوط الشركة وانهيارها قلقاً واسع النطاق في الوسط المالي والصناعي، إذ نتج عن هذا الإفلاس المدوي خسائر فادحة في بنك Credit Suisse، ويمثل تهديداً حقيقياً في الوقت ذاته للإمبراطورية الصناعية لرجل الأعمال الكبير غوبتا الذي تقدم شركاته عشرات الآلاف من الوظائف لكثير من العائلات في المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا.

لكن الحدث أثار في الوقت ذاته فضيحة سياسية كبرى، إذ وجهت انتقادات حادة وتهم بالفساد والمحسوبية إلى رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.

هل يتحمل ديفيد كاميرون المسؤولية؟

نجحت شركة التمويل المنهارة غرينسيل في الحصول على حق الوصول إلى خطة قروض مدعومة من الحكومة، ضمن برنامج دعم الشركات الكبرى في تخطِّي أزمة كورونا.

إلا أن الشركة لم تخضع لفحوصات دقيقة، واختزل التدقيق المطلوب في مجرد النظر في قدرة تلك المؤسسة المُقرِضة على تقديم الأموال بطريقة موثوقة، مما ترك دافعي الضرائب في المملكة المتحدة يواجهون خسائر كبرى، قُدرت بنحو 335 مليون جنيه إسترليني، أي 462 مليون دولار.

ووُجّهت التهم إثر ذلك إلى رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، بالضغط على زملائه السابقين في الحكومة للسماح لشركة غرينسيل بالتسجيل في برنامج الحكومة COVID Corporate Financing Facility (CCFF)، وذلك بإرسال ما لا يقلّ عن 73 رسالة إلكترونية أو رسالة نصية قصيرة أو رسالة على تطبيق واتساب، وإجراء عديد من المكالمات الهاتفية، في أقل من 4 أشهر خلال سنة 2020، حسب الوثائق التي كشفت عنها لجنة الخزانة.

وكان كاميرون تولى منصب مستشار شركة غرينسيل، بعد سنتين من تقديمه استقالته. وفي هذا السياق صرحت الشركة خلال جلسة الاستماع، بأنها استدعت كاميرون سنة 2018 للانضمام إلى صفوف الشركة مستشاراً لها، للعمل على تطويرها وتوسيع نطاق أنشطتها.

وبعد أن التزم الصمت لفترة طويلة، أصدر دافيد كامرون بياناً رسمياً يعلّق فيه على التهم الموجهة إليه، مؤكداً أنه لم ينتهك مدونة السلوك ولا القواعد الحكومية، لكنه يُقِرّ في الوقت ذاته بأن الاتصالات مع الحكومة كان يجب أن تتم حصرياً عبر القنوات الرسمية.

مسؤولون حكوميون يدافعون عن كاميرون

أثارت الفضيحة السياسية الكبرى عن تورُّط رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون جدلاً كبيراً لدى الأوساط السياسية والسيادية في المملكة المتحدة.

وفي سياق متصل قال وزير البيئة جورج يوستيس، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن كاميرون لم يحصل على أي امتيازات خاصة عندما ضغط للحصول على مساعدة مالية لشركة غرينسيل.

من جانبها قدّمَت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون، الدعم المعنوي لكاميرون في الفضيحة التي طالته، ونفت عنه تهم الفساد، إلى حين إتمام التحقيق والكشف عن ملابسات القضية.

ولكن اللافت للانتباه أن إثارة القضية مكّنَت من الكشف عن ارتباط عديد من المسؤولين بشركة غرينسيل وتلقيهم رواتب منها في أثناء مزاولتهم مهامَّهم الحكومية، ولكن الضغط على كاميرون زعيم حزب المحافظين السابق بالذات ربما يعود إلى التأثير على نسبة الأصوات للمحافظين خلال الانتخابات القادمة.

TRT عربي