احتجاجات في شانغهاي ضد الإجراءات الصحية القاسية التي تنهجها الحكومة الصينة لمكافحة كوفيد. / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

أجواء من الأمل لا تخلو من الخوف والترقب، تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي بعد فتح الصين حدودها والتخلي عن سياسة "صفر كوفيد".

وكانت الصين فتحت حدودها منذ 8 يناير/كانون الثاني 2022، بعد مضي 3 سنوات على القيود التي فرضتها بسبب جائحة كورونا. وتخلّت بكين بذلك عن فرض الحجر الصحي على القادمين إلى البلاد ومرضى كورونا بما يتماشى مع قوانين الصحة.

ومنذ مارس/آذار 2020 كان على أي شخص يدخل الصين الخضوع لحجر إلزامي في منشأة حكومية لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع في المرة الواحدة، وجرى تقليص ذلك مؤخراً إلى خمسة أيام.

كما تخلت الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم عن سياستها الصارمة المعروفة بـ"صفر كوفيد" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في أعقاب الاضطرابات والاحتجاجات غير المسبوقة في مناطق عديدة في البلاد.

ظلال إيجابية

وعن تأثير هذه الخطوة، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد الرحيم الهور: "تشكّل الصين نحو 19% من الناتج الإجمالي العالمي، وتشمل أكبر قطاع صناعي في العالم، وتمتلك تكنولوجيا المستقبل وعلى رأسها تقنية 5G".

بناءً على ذلك، يوضح الهور لـTRT عربي أن "أي تحرك سلبي أو إيجابي في الاقتصاد الصيني، سوف يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي".

وأردف: "شهدنا ذلك بالأثر الحيّ المباشر خلال جائحة كورونا، وما ترافق معها من ارتفاع الصادرات الصينية إلى كل أنحاء العالم، مما انعكس تضخماً على القطاعات كافة ذات الصلة، سواء السلع المباشرة ومدخلات الصناعات التحويلية".

ويرى الهور أن "الصين تحمل حساسية عالية جدّاً تجاه الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن قرارها تقبُّل الآثار الجانبية لكورونا والانفتاح شبه الكامل على العالم، سيُلقي بظلال إيجابية على العالم، حتى مع ضعف التوقعات والمراهنة على أزمات اقتصادية مرتبطة بالصراعات المسلَّحة حول العالم".

وفي ظلّ هذه التغيرات، يأمل المستثمرون أن تؤدّي إعادة الافتتاح إلى تنشيط الاقتصاد الذي تبلغ قيمته 17 تريليون دولار ويعاني أبطأ نموّ له منذ ما يقرب من نصف قرن، وفق ما تقول وكالة رويترز.

خوف من كورونا

وأدّى الإغلاق الصيني الطويل إلى تعطيل سلاسل التوريد وإلحاق الضرر بتدفُّق التجارة والاستثمارات، وسط أزمات دولية متصاعدة شكّلَت ضغطاً على دول العالم كالحرب في أوكرانيا.

وهنا يرى خبراء أن عودة الصين لفتح الحدود خطوة جاءت في التوقيت المناسب لدفع النمو والحركة الاقتصادية العالمية إلى الأمام.

لكن هذا القرار المفاجئ أدّى إلى موجة كبيرة من العدوى اجتاحت بعض المستشفيات الضخمة وتسببت في اضطرابات الأعمال، مما يضغط على الاقتصاد الصيني الذي يسعى جاهداً للتعافي.

ورغم اعتبار الحكومة الصينية أن وباء كوفيد-19 بلغ ذروته وأن الأسوأ انتهى بإجراءتها الوقائية ضد الوباء، يحوم كثير من الشكوك حول رواية الصين عن انتشار الفيروس الذي أثقل كاهل المستشفيات ومحارق الجثث لديها.

وهذا التحول بالسياسة الذي أعقب احتجاجات تاريخية ضد سياسة "صفر كوفيد" التي تبنتها الحكومة أطلق العنان للفيروس في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار شخص كانوا في أمان منه إلى حدّ كبير منذ ظهوره لأول مرة بمدينة ووهان أواخر 2019.

ويتوقع بعض خبراء الصحة وفاة أكثر من مليون شخص بسبب المرض في الصين هذا العام، فيما توقعت شركة البيانات الصحية إيرفينيتي ومقرها بريطانيا، في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، أن يصل عدد وفيات كوفيد إلى 36 ألف شخص يومياً الأسبوع المقبل.

بُعد آخر

هنا يقول الباحث الاقتصادي أحمد مصبح إنه بالنظر إلى تأثيرات هذا القرار نجد أن له بعدين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

فمن الناحية الإيجابية يمثّل هذا القرار دفعة قوية للاقتصاد الصيني، بخاصة مع عودة عجلة الاقتصاد الصيني بالعمل مرة أخرى.

ويوضح مصبح لـTRT عربي أن فتح الأسواق مرة أخرى يعنى تحسُّناً في الميزان التجاري وارتفاعاً في رصيد الصادرات الصينية، وزيادة في موجات التوظيف، ونموّاً إيجابيّاً في معظم القطاعات، خصوصاً التجاري، وبالتالي تحسناً في معدلات النمو الاقتصادي.

ولكن يبقى الخوف الأساسي المصاحب لهذا القرار هو عودة موجات جديدة من فيروس كورونا، الأمر الذي يُعيد تعريض الاقتصاد لخطر جديد، وفق مصبح.

وأضاف: "ناهيك بارتفاع تكاليف الأجور والإنتاج بسبب قلة الأيدي العاملة في فترات انتشار العمل، وعليه لن تستطيع الصين تلبية الطلب العالمي، فضلاً عن توقعات بحدوث ارتفاع أكبر في الأسعار".

التأثير الخارجي

وعن مدى تأثُّر دول العالم بهذه الخطوة، أوضح مصبح أن القرار يمكن النظر إليه من زاويتين أيضاً، الأولى إيجابية، هي عودة سلاسل التوريد العالمي وبالتالي تلبية احتياجات الأسواق العالمية وانحسار تدريجي في ارتفاع الأسعار.

وبالتالي يتوقع آثاراً إيجابية على الأسواق شريطة استمرار السيطرة على الفيروس وعدم العودة إلى الإغلاق، وعدم وقوع موجات جديدة حادة من الوباء.

ومن الزاوية السلبية، فإن فتح الأسواق يعنى مضاعفة حركة الإنتاج، وبالتالي زيادة الطلب على الطاقة الغاز والنفط وعليه زيادة أكبر في أسعار السلع المرتبطة بها، حسب الخبير الاقتصادي.

وبيّن أن إعادة فتح الأسواق مع عدم السيطرة على الفيروس حالياً أو مستقبلاً تعنى انخفاضاً في عدد الأيدي العاملة المتاحة للعمل في الصين، وبالتالي زيادة في أجور العمال المتاحين للعمل وارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات عالمياً.

وختم مصبح بالقول إن "الأمر معقَّد ولا يُنظَر إليه من زاوية واحدة، ويتمثل التحدي أمام الصين في القدرة على السيطرة أو التعايش مع المرض مع عودة الحركة الإنتاجية كما كانت سابقاً، وعدم انتشار موجات جديدة من الفيروس".


TRT عربي
الأكثر تداولاً