تابعنا
أشهر قليلة تفصلنا عن خوض مغامرة الانتخابات الفلسطينية التي طال انتظارها من أطياف الشعب الفلسطيني كافة، فهي خطوة جاءت بعد سنوات طويلة من وقوع الانقسام السياسي الذي فرّق الفلسطينيين لسنوات وقسم شطري الوطن.

إن إجراء الانتخابات في بيئة سياسية منقسمة قبل معالجة قضايا الخلاف الجوهرية التي كرّست الانقسام يمثّل مخاطرة كبيرة قد تزيد حالة التوتر التي تعيشها الحلبة السياسية الفلسطينية.

فهل يتحقق الحلم الفلسطيني بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر خلال الفترة المقبلة رغم تذبذب الظروف المحلية والعربية والإقليمية بالمنطقة؟

في الخامس عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، فاجأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجميع بإصدار مرسوم رئاسي حدّد فيه مواعيد إجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ 15 عامًا، التي تُنظَّم فيها مثل هذه الانتخابات.

كما حُدّد يوم 22 مايو/أيار 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، ويوم 31 يوليو/تموز القادم للانتخابات الرئاسية، على أن تُعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن تُستكمل انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب القادم.

مخاض عسير.. ولكن...

هذه الخطوة جاءت بعد مخاض عسير وحوارات مطوَّلة جرت بين ممثلي حركتَي فتح وحماس في إسطنبول، عُقدت على خلفية مخطَّط حكومة الاحتلال الإسرائيلي لضمّ مناطق من الضفة الغربية المحتلة، وردّاً على اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية.

كما أن التطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة مؤخراً، تحديداً تغير الإدارة الأمريكية السابقة وقدوم الرئيس الأمريكي جون بايدن، ساهمت نوعاً ما في تقريب خطوة الانتخابات إلى الواقع، لا سيما وأنها استحقاق وطني لتجديد الشرعيات الفلسطينية.

موقف حركة حماس، أحد قطبَي الفصائل الفلسطينية بعد حركة فتح، جاء بالموافقةعلى المشاركة بتلك الانتخابات، وذلك لأنها بحاجة إلى تجديد شرعيتها سياسياً أمام العالم، لا سيما وأنه بعد الانقسام لم تحصل على الشرعية المحلية والعربية والدولية أيضاً كحركة فتح، مما يجعلنا أمام انتخابات حقيقية للسلطة بمشاركة مختلف الفصائل الوطنية الموجودة على الساحة السياسيةالفلسطينية.

ولعبت تركيا دوراً هامّاً في إقناع الفصائل، تحديداً حركة حماس، بدخول الانتخابات للحصول على مشروع أو برنامج سياسي جديد بالمنطقة، وأيضاً من أجل إنهاء الانقسام بشكل حاسم، أو أن توحّد الفلسطينيين على برنامج وطني موحّد.

هذا ما أكدهالمحلل السياسي طلال عوكل خلال حديثه لـTRT عربي، بأن الظروف الخارجية والفلسطينية الداخلية أجمعت على ضرورة إجراء الانتخابات، ليس فقط كاستحقاق لتجديد الشرعيات وإدماج الكل الفلسطيني في النظام السياسي، بل كذلك بما يشكّل مدخلاً لإنهاء الانقسام بخطوات متدرجة.

ولم تقم الانتخابات الرئاسية سوى مرتين، عامَي 1996 و2005، 1993، لكن هذه المرة تختلف الانتخابات عن سابقتها، لكونها تأتي في ظلّ إعلان السلطة الفلسطينية التحلل من اتفاقياتها مع الجانب الإسرائيلي، مما قد يدفع إسرائيل إلى عرقلة تنظيمها في المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

وتمهيداً لتحقيق الخطوة الفلسطينية، أحدث الرئيس عباس تعديلاً ذا دلالة سياسية على قانون الانتخاب، إذ عدَّل قانون الانتخابات لعام 2007، فاستُبدلَ بعبارتَي "السلطة الوطنية" و"رئيس السلطة الوطنية"، عبارتا "دولة فلسطين" و"رئيس دولة فلسطين".

مخاطرة

المطّلع على الشأن السياسي الفلسطيني يُدرِك جيداً أن إجراء الانتخابات في موعدها المطروح يسمح بتجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية، التشريعية منها والتنفيذية، لا سيما وأن ولاية الرئيس عباس قد انتهت منذ 11 عاماً، في حين أن المجلس التشريعي الذي انتهت ولايته قبل 10 سنوات، قد حلّته المحكمة الدستورية.

كما أن إجراءها في هذه الظروف يمثّل مخاطرة حقيقة لحركة فتح، بخاصة بعد إعلانها أن الرئيس عباس سيكون مرشَّحها الوحيد في الانتخابات الرئاسية، فهذا ما أكده المحلل السياسي مصطفي الصواف، أن خطوة عباس تُعتبر مغامرة بعد الحالة الفتحاوية في ظلّ الانقسام بين عناصر حماس، قائلاً: "من المتوقع لو جرت الانتخابات أن تنزل فتح بأربع قوائم، الأمر الذي يشكّل أزمة لحركة فتح، وهو دليل واضح على حالة التشظّي التي تمرّ بها الحركة في ظل الخلاف مع مروان البرغوثي والمستقلّين من فتح وتيار محمد دحلان".

بتلك الظروف لم يستبعد الصواف لـTRT عربي أن يتراجع محمود عباس عن خطوته أو تؤجَّل إلى أجل غير مسمى، لا سيما وأن خوض الانتخابات في هذه الحالة يمثل خسارة لحركة فتح.

وحسب آخر استطلاع للرأي العامّ في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن شعبية عباس متدنية، إذ أظهر أن أكثر من 60% من الفلسطينيين يطالبون باستقالته.

هل من تحديات؟

وعن التحديات التي ستواجه طريق الانتخابات الفلسطينية خلال المرحلة القادمة، أكد الصواف تحديات متمثلة بالتضييق على الحريات في الضفة الغربية، إضافة إلى تحدي الاحتلال، بخاصة في مدينة القدس، متابعاً: "هذا التحدي سيواجه الكل الفلسطيني، فيجب التصدي له وعدم الاستسلام، والاتفاق على أسلوب المواجهة من أجل تحقيق هذه الخطوة بإجراء الانتخابات في موعدها المحدَّد".

ونوه الصواف بأن الاحتلال لن يستسلم، وسيمارس إرهابه لمنع إجراء الانتخابات في القدس، إضافةً إلى فرضه معيقات أمام الفلسطينيين، قائلا: "الاحتلال يمارس حملة من الترهيب ضد الفلسطنيين باعتقالهم في حال ترشُّحهم للانتخابات، إضافة إلى شنّ اعتقالات لبعض القيادات الميدانية في الضفة الغربية، وهذا تحدٍّ آخَر".

ويتفق عوكل مع المحلل السابق على أنإسرائيل تجد في الانتخابات وإنهاء الانقسام تعارُضاً مع مصالحها، قائلاً: "إسرائيل ستحاول إفشال الانتخابات، لكن قد لا تستطيع بسبب الإجماع الدولي والعربي على دعم الانتخابات الفلسطينية القادمة".

وأعلنت إسرائيل أكثر من مرة رفضها السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة، في الوقت ذاته ترى المحافل الأمنية الإسرائيلية أن السماح بإجراء انتخابات يمكن أن تفوز بها حركة حماس سيشكّل مخاطرة كبيرة لها.

وهذا ما يؤكّد محاولات إسرائيل القادمة لإحباط تلك الانتخابات، لكونها عملت على مدار سنوات طويلة على إفشال أي تحرك فلسطيني يؤدى في نهاية المطاف إلى إنهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة.

وبالفعل كشفت مصادر صحفية إسرائيلية عن محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إحباط تطبيق اتفاق المصالحة الذي توصلت إليه كل من حماس وفتح، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، في القاهرة.

أما الموقف العربي، فيرى المحلل السياسي الصواف أن "الأنظمة العربية لن تقبل أن تفوز حماس في الانتخابات، وما زيارة المخابرات المصرية والأردنية الأخيرة لرام الله ولقاء محمود عباس إلا تحذير له من عدم الوحدة مع دحلان، لأن ذلك سيجعل حماس هي الفائزة"، وأضاف محدّثنا: "الأمر اليوم لم يتوقف عند دحلان، بل ظهرت لعباس تحديات أخرى هي البرغوثي والمستقلون".

وأكّد في الوقت ذاته أن النظام العربي الذي لم يعترف بنتائج الانتخابات عام 2006 لن يعترف بانتخابات 2021 إذا فازت بها حماس، قائلاً: "النظام العربي يريد التخلص من المقاومة التي تمثل حماس عمودها الفقري".

في حين يشير المحلّل عوكل إلى أن العرب لا يستطيعون سوى إظهار التأييد والدعم الذي قد لا يتجاوز الدعم اللفظي بالنسبة إلى البعض، معللاً ذلك بأن "المجتمع الدولي بما في ذلك أمريكا يدعم إسرائيل، والشيء الآخر إن العرب يدعمون أي خطوة لتنشيط المفاوضات وعملية السلام".

وقد جرت الانتخابات مرتين حتى الآن: الأولى عام 1996، وشملت انتخابات رئاسية وتشريعية وفق صيغة الدوائر الانتخابية، قُسمت فيها فلسطين إلى ست عشرة دائرة انتخابية حينذاك، أما الثانية فقد جرت كانتخابات رئاسية عام 2005، وتشريعية عام 2006، وذلك وفق صيغة 50% للدوائر و50% تمثيلاً نسبياً، وقد شملت القدس في الحالتين، ورُفع في تلك الانتخابات عدد أعضاء المجلس التشريعي من 88 إلى 132، منهم 20% نساء، وستُنظَّم انتخابات 2021 وفق صيغة التمثيل النسبي الكامل وعلى مرحلتين، تبدآن بالانتخابات التشريعية، على أن تليها الانتخابات الرئاسية، فانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.

كما نُظّمَت في وقت سابق عدة انتخابات محلية، وذلك منذ 2005، ولكن فقط بالضفة الغربية المحتلة، ودون مشاركة حماس وفصائل أخرى.

ما الخيارات؟

في السياق ذاته يرى مراقبون بالشأن السياسي الفلسطيني أن خيار تأجيل الانتخابات هذه المرة لا يبدو محتَملاً لعدة أسباب، أبرزها حاجة فلسطين إلى استعادة الوزن للقضية الفلسطينية بعدما همّشها بعض الأنظمة العربية التي انتقلت إلى التحالف مع إسرائيل، وفي إطار ذلك قبِلَت الضمّ الزاحف للأراضي الفلسطينية .

كما أن حاجة فلسطين إلى توحيد البيت الفلسطيني من أجل تحسين القدرة الفلسطينية على طرح مواقفها والضغط من أجل تحقيقها من خلال الحديث بصوت واحد مع الإدارة الأمريكية الجديدة والعالم.

لكن في الوقت ذاته قد تزداد احتمالات التأجيل إذا وقعت اختلافات بين فتح وحماس حول تفاصيل إجراءات الانتخابات، كالقائمة المشتركة لفتح وحماس مع أو دون بقية الفصائل، أو الفشل في الاتفاق على تفاصيل ما سُمّيَ "القائمة المنقوصة" التي تقضي بأن يخوض كل فصيل الانتخابات التشريعية بقائمة تقلّ عن 132 عضواً، وهو عدد أعضاء المجلس التشريعي، وذلك لترك مقاعد شاغرة لفصائل أخرى.

ليس ذلك فحسب، بل كذلك الاختلاف حول ما بعد الانتخابات التشريعية، مثل طريقة تشكيل الحكومة، والتشارك في الحكم في الضفة وغزة، والانتخابات الرئاسية، وآليات انتخاب المجلس الوطني، إضافة إلى وجود ضغوط أمريكية أوروبية شديدة بمشاركة بعض العرب لمنع حدوث انتخابات لدولة فلسطينية وتأجيل انتخابات كهذه إلى ما بعد الاتفاق مع إسرائيل على تلك الدولة وحدودها ونطاق سيادتها.

وتحكم السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة التي يبلغ عدد سكانها نحو 2.8 مليون نسمة، فيما تحكم حركة حماس قطاع غزة المحاصر إسرائيليّاً منذ سنوات طويلة، ويضمّ القطاع نحو مليونَي نسمة.

يبقى السؤال مطروحاً: هل سيتحقق الحلم الفلسطيني بذوبان جليد الانقسام الفلسطيني خلال الفترة القادمة، أم سيُفيق الجميع على كابوس التأجيل والفشل والعودة إلى الوراء كأنّ شيئاً لم يحدث؟

TRT عربي