تابعنا
"إنّ الترحيب باللاجئين أو جعلهم يشعرون بالأمان أصبح بمثابة تهديد لأوروبا!" هذا ما قالته الباحثة في منظمة العفو الدولية إليسا دي بيري. وعليه، فإن من دخل أوروبا ليس بآمن!

أحدثت تقارير المنظمة صدمة أخلاقية وقانونية في الحيز الاجتماعي الأوروبي _حسب محللين، عندما أكدت "أنّ هناك أشخاصاً في الاتحاد الأوروبي يتعرّضون للمحاكمة والمضايقة بسبب أنشطة التضامن مع طالبي اللجوء" المعتصمين في الحدود اليونانية التركية، حيث تشمل الأنشطة المجرَّمة لأول مرّة في تاريخ أوروبا المعاصر "إمدادَ اللاجئين بالملابس الشتوية الثقيلة، أو توفير مأوى لهم، أو إنقاذهم في عرض البحر"، حسب تقرير منظمة العفو الدولية الذي عنونته: بـ "المعاقبة على التعاطف الإنساني"!

وقد وضعت تركيا السياسة الأوروبية في مواجهة مباشرة مع أزمة اللجوء والمنظومة القانونية والأخلاقية للاتحاد الأوروبي، عندما فتحت الحدود أمام اللاجئين السوريين المهجّرين قسراً من بلادهم.

فهل ستنجح أوروبا بإحداث توازنٍ مقبول ما بين الأزمة والقانون؟ أم أنّها تتعاطى مع قانونها بطريقة أشبه بمن يصنع إلهه من تمرٍ وعجوة لكن سرعان ما يلتهمه إذا ما داهمه الجوع، لتصوغ بعد ذلك رؤىً جديدة لحقوق الإنسان تتناسب بدورها مع الإله السياسي للقرن الحادي والعشرين؟

وعلى الرغم من ذلك، يبقى الخوف لدى الاتحاد الأوروبي في أن يؤدي تغليب السياسة على القانون إلى اضطرابٍ وتخبطٍ داخل البنية الاجتماعية الأوروبية المفطورة على الحرّية والمتأطرة غالباً في أحزاب اليسار المؤيد لحقوق اللاجئين، وأيضاً اليمين المتطرف المعارض لوجودهم بالأساس، أم أنّ الحرّية لن تكون أفضل حالاً من القانون؟

أوروبا وجهاً لوجه أمام الأخلاق!

في حديثه لـTRT عربي، يرى الباحث الاجتماعي والسياسي فانسان ميسبولي، رئيس جمعية قصص البحر المتوسط الحقيقية في فرنسا، أنّ "الاتحاد الأوروبي أصيب بحالة من الرهاب نتيجة وجود الأجانب وتهافتهم على أراضيه، والإعادة القسرية الجارية على حدود اليونان تضع أوروبا اليوم في مواجهة مع مبادئها الأخلاقية والقانونية القاضية بوجوب فتح الحدود أمام المنكوبين في ظل الظروف الاجتماعية والاستثنائية التي يعانيها المشرق".

ويضيف ميسبولي: "يمكن لأوروبا أن تكون متزنة في تحقيق رؤاها السياسية دون تمزيق اتفاقية جنيف وتجاهلها لتطبيق القانون الدولي والإنساني، لاسيما وأنّ الكارثة الإنسانية في إدلب السورية قد أصبحت اليوم أولوية".

ومن جهته، اعتبر المحامي عمار تباب، الخبير في القانون الدولي ورئيس المركز الثقافي العربي في أوروبا، أنّ العالم السياسي والقانوني يشهد صراعاً بين القيم والسياسة.

يقول لـTRT عربي: "ما يحدث اليوم يعيدنا لأبجديات النقاشات القانونية حول تطابق المعايير الأخلاقية مع المعايير القانونية، الأمر الذي جزم به الفقه القانوني حين بيّن أن الأخلاق ذات طبيعة "مثالية" تسعى إلى تحقيق ما ينبغى أن يكون، في حين أن القانون ذو نزعة "واقعية" يسعى إلى تحقيق الممكن والمتاح".

وبناء على هذا الطرح، يرى تباب أنّ السلوك الأوروبي الحالي أقرب إلى الأنانية السياسية، إذ لا يمكن إنكار المثالية المتجسدة في القواعد الأخلاقية التي نشأ عليها الاتحاد الأوروبي في قبول المستضعفين والمشردين أثناء فترة الاستقرار، إلا أنّ انقلاب أوروبا على تلك القواعد اليوم دافعُه الاضطراب السياسي الآني، فالاتحاد الأوروبي يتأهّب لصعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم متأثراً بالتجييش ضد الفئات المهجّرة، التي تحولت إلى جزء لا يتجزأ من القارة العجوز.

ويتابع الخبير في القانون الدولي: "لذا يجد السياسي الأوروبي نفسه مضطراً لتجاوز النصوص القانونية أو الالتفاف عليها من خلال تعزيز حدوده وعدم السماح للمهجّرين بالعبور، خوفاً من اضطراره للتأثير على القواعد القانونية أو إحداث شرخ اجتماعي لا يملك له رتقاً في الإطار الأوروبي".

وهكذا، فقد تحوّل القانون لكرة يتقاذفها الساسة. فتركيا ترفع يدها عن ضبط الحدود لوضع العالم أمام مسؤولياته والتزاماته، في الوقت الذي تلتفّ فيه أوروبا على مواثيقها من خلال إغلاق الحدود.

في هذا السياق، يحذّر الباحث الاجتماعي والسياسي فانسان أوروبا ويدعوها لمراجعة موقفها وسياستها في التعامل مع ملف المهجّرين العالقين على الحدود التركية ـ اليونانية، مشيراً إلى أنّ إصرار السياسة الأوروبية على إجراءاتها التعسفية بحق الإنسان المهجّر سيؤدي إلى ردة فعل شعبية ستؤثر سلباً على الداخل الأوروبي، لأن السياسة الأوروبية اليوم تضع الإنسان الأوروبي البسيط _الذي لا يجيد الكذب السياسي_ في مواجهة مباشرة مع ثقافته ومبادئه وإنسانيته وكل ما جُبِل عليه".

يقول لـTRT عربي: "العديد من المظاهرات اليوم يقودها اليسار الأوروبي بغية إجبار أصحاب القرار السياسي على إعادة النظر في إنقاذ الأرواح وعدم تركها ضحية الأنانية والتجاذبات والتوحّش السياسي".

فشل المجتمع الدولي

ويُرجع مراقبون أزمة تدفّق اللاجئين إلى أوروبا بعد الهجوم على إدلب إلى كونها انعكاساً لفشل المجتمع الدولي في التعاطي مع الملفّ السوري.

وفي هذا السياق، يؤكد المفكّر السياسي لؤي صافي أنّ "الموجة الجديدة من اللجوء لا تعود فقط إلى القصف الوحشي للطيران الروسي وطيران النظام على المدنيين، بل يرتبط مباشرة بتخاذل القوى الدولية في وضع حد لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام بحق المدنيين السوريين. فالنظام وحلفاؤه يستهدفون المنازل والأسواق والمستشفيات، بل ووسائل النقل التي تحمل اللاجئين أيضاً".

ويضيف صافي لـTRT عربي أنّه "إن وُضِع حدّ لعدوان النظام على الشعب السوري وإجبار المليشيات الطائفية الإيرانية على الخروج من سوريا، فإنّ هذا سيغير المعادلة الأمنية التي تتسبب بالموجات المتتابعة من اللاجئين".

إنّ السبيل الوحيد لحلّ أزمة الإنسان السوري اليوم، بالنسبة لمراقبين، هو الخروج من قضبان العسكرة، وهو ضرورة ملحّة لمعالجة الواقع السياسي والإنساني الراهن.

في الإطار ذاته، يؤكد الباحث الفرنسي فانسان أنّ "الإصرار على الخيار العسكري هو السبب في الكوارث الإنسانية في المشرق وتشريد كل هؤلاء البشر والعوائل السورية وغيرها. لكن بكل الأحوال في المدى الآني، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتقاسم على الفور مسؤولية استقبال اللاجئين الموجودين على الحدود اليونانية التركية بشكل عاجل".

"رقصٌ على حافّة الجرائم"

وانتقد المختص بالقانون الدولي عمار تباب سلسلة التصريحات الأوروبية الأخيرة التي تهدف لاحتواء الأطفال والنساء فقط، واصفاً ذلك بكونه "رقصاً على حافة الجرائم"، ومؤكداً في الوقت نفسه "أنّ مطالبة بعض دول الاتحاد بأخذ الأطفال أو النساء بحجة أنهم الفئة الأكثر تضرراً سلوك غير مقبول ويسعى لاغتيال الحضارة والثقافة وتفسيخ العوائل وتدميرها، بل ويُخشى أن يكون لمثل هذا السلوك مآرب أخرى غير إنسانية".

وختم المختص بالقانون الدولي تصريحه بالقول: "لم يدخل الكثير من المهاجرين الأراضي اليونانية ما يجعلهم خارج الحماية القانونية، إلا أنهم تحولوا على الصعيد السياسي إلى مادة تفاعلية وأداة ضغط، ليبقى الإنسان المادة الأضعف في كل هذه الجعجعة".

آلاف المهاجرين يواصلون التدفق إلى الحدود التركية اليونانية (AA)
مهاجرون يخرجون من تركيا متجهين إلى أوروبا بعد إعلان الأولى فتحها الحدود أمامهم (AA)
TRT عربي