صورة من إحدى مستشفيات الصين / صورة: AP (AP)
تابعنا

شهد العالم قبل ثلاث سنوات في هذا الوقت من العام، بداية تفشّي فيروس كورونا الذي شلّ حركة العالم أجمع في واحدة من أشرس الهجمات الفيروسية التي شهدناها، وقد اتجهت الأنظار اليوم من جديد إلى نفس بؤرة تفشّيه أولّ مرة في ظلّ مخاوف تتصاعد من تكرار الأزمة.

كورونا يضرب من جديد

أشارت منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن فيروس كورونا لا يزال يمثل تهديداً، إذ تشير الإحصاءات إلى تسجيل مليون حالة وفاة منذ بداية 2022 حتى نهاية شهر أغسطس/آب من نفس العام.

وفي هذا الصدد قالت الدكتورة جيسيكا جاستمان، الأستاذة المساعدة للطب في علم الأوبئة بكلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا الأمريكية، والمدير الفني الأول لبرنامج الصحة العالمي ICAP: "على الرغم من أن كوفيد-19 في حالة (مستقرة نسبياً) في الوقت الحالي في الولايات المتحدة، فإن الأمّة لا تزال تشهد نحو 350 حالة وفاة مرتبطة بالمرض كل يوم، في حين أنّ معدلات الإصابة لا تزال أقلّ بكثير من مستويات الزيادات السابقة، إلا أنّ الاتجاهات آخذة في الارتفاع في أجزاء من الولايات المتحدة، والقلق متزايد من أنّ أعداد الحالات قد ترتفع بعد مواسم العطلات".

على الجانب الآخر من الكرة الأرضية تتلاحق الأخبار الواردة حول زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا في الصين من جديد بشكل أثار قلق منظمة الصحة العالمية، عقب تخفيف الإجراءات والقيود المفروضة بسبب الجائحة هناك. وعليه عُقد اجتماع رفيع المستوى يوم 30 ديسمبر/كانون الأول بين منظمة الصحة العالمية والصين بشأن الطفرة الحالية التي تشهدها حالات كوفيد-19، لالتماس مزيد من المعلومات عن الوضع، وعرض خبرة منظمة الصحة العالمية وتقديمها مزيداً من الدعم. كما طالبت المنظمة الصين بعرض بيانات واضحة ومحددة في ظلّ وجود تقارير تشير إلى عدم الشفافية في أعداد الإصابات في الصين.

في ظل هذه المخاوف، دعت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى فرض اختبار PRC على المسافرين القادمين من الصين إلى الولايات المتحدة، وابتدأ العمل به في الخامس من يناير/كانون الثاني. كما تشير CDC إلى أنّ عدم مشاركة الصين بيانات التسلسل الجيني الفيروسي إلى جانب انخفاض الفحوصات والإبلاغات هناك يمكن أن يسبّب تأخيراً في تحديد المتغيّرات والطفرات الجديدة التي قد تظهر. جدير بالذكر أنّ عديداً من الدول الأخرى أيضاً بدأت بالفعل تطبيق بعض القيود على المسافرين القادمين من الصين، مثل أستراليا، والمغرب وكندا واليابان وعديد من الدول الأوروبية.

مستشفيات ممتلئة ونقص في الأدوية

"وباء ثلاثي.. ماذا يحدث عندما تلتقي حالات فيروس الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، وكوفيد-19؟"، كان هذا عنوان مقال صدر نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن عيادات ييل التابعة لكلية الطب بجامعة ييل الأمريكية، أشار فيه سكوت روبرتس، اختصاصي الأمراض المعدية، إلى وجود مستويات قياسية للإصابة بـRSV لدى الأطفال في وقت مبكّر من فصل الشتاء، لأنّ الارتفاع الحادّ في الإصابات عادةً ما يكون في شهرَي ديسمبر ويناير، وهذا يقود إلى مخاوف إلى الحدّ الذي قد يسبّب فيه هذا الارتفاع امتلاء أقسام الطوارئ في المستشفيات مع وجود موجة جديدة لكوفيد-19 وارتفاع حالات الإصابة بالإنفلونزا أيضاً في هذا الوقت من العام.

من المهمّ الإشارة إلى أنّ الإصابة بالإنفلونزا أو بفيروس RSV ليست بالأمور المستجدة، ولكن الخوف يكمن في أنّ كبار السّنّ والأطفال ومنخفضي المناعة قد يعانون أعراضاً تستلزم نقلهم إلى المستشفى. وما يجعل الأطفال خصوصاً في مرمى هذا التفشّي للفيروسات التنفسية أنّ عديداً منهم لم يتعرّض لهذه الفيروسات في السنوات القليلة الماضية بسبب الاحتياطات والقيود التي فرضتها جائحة فيروس كورونا. ومع رفع القيود بدأت أعداد الإصابات الارتفاع، بخاصة لدى الأصغر سنّاً، من الذين تقلّ سنهم عن 3 سنوات، بما يسفر عن الحاجة الملحَّة إلى نقلهم إلى المستشفيات لمواجهتهم صعوبات في التنفس، لأن الرئتين لديهم لم تتطورا تماماً.

في هذا الصدد تشير الأرقام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدخال ما يقارب من 26000 شخص إلى المستشفيات مصابين بالإنفلونزا خلال أسبوع واحد بداية الشهر الماضي، بنسبة زيادة 32% مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، بما يجعلها النسبة العليا مقارنةً بهذا الوقت من كل عام خلال آخر عشرة أعوام في الولايات المتحدة. كما ارتفعت حالات دخول الأشخاص المصابين بكوفيد-19 إلى المستشفيات بنحو 14% بمعدّل 4800 حالة دخول يومياً في المتوسط، ووصلت نسبة شَغْل أسِرّة المستشفيات الناتجة عن أمراض الجهاز التنفسي خلال شهر ديسمبر في ذروتها إلى 80%، بما يدقّ ناقوس الخطر.

على صعيد آخر فقد سبّب انتشار ثلاثي الفيروسات هذا طلباً متزايداً على عدد من الأدوية التي تستهدف علاج الأعراض المرتبطة بالجهاز التنفسي. وبالنظر إلى أنّ هذا التفشي كان بنحو مفاجئ، فقد نفد بعض هذه الأدوية من الصيدليات في الولايات المتحدة وجعل البلد يواجه أزمة نقص في الأدوية في وقت حرج جداً. وتشمل أهم الأدوية التي سُجل وجود نقص فيها: الأدوية المسكنة للألم وخافضات الحرارة التي تصرف بلا وصفة طبية مثل الإيبوبروفين (Ibuprofen)، والأسيتومينافين (Acetaminophen) خصوصاً التركيبات السائلة منها المخصصة للأطفال. كذلك جرى تسجيل حالات نقص في المضادّات الحيوية مثل الأموكسسلين (Amoxicillin)، وعقار أوسيلتاميفير (Oseltamivir) المستخدم بديلاً لدخول المستشفى للإصابات الناتجة عن الإنفلونزا. إلى جانب بعض تركيبات ألبوتيرول (Albuterol) المستخدمة لعلاج الربو.

أملٌ يلوح بالأفق مع بداية 2023

على الرغم من أن عام 2022 كان تحدياً صعباً كما وصفه تيدروس أدهانوم غيبريسوس رئيس منظمة الصحة العالمية، إشارةً منه إلى عديد من الفيروسات التي ضربت بلداناً مختلفة حول العالم ابتداءً بمتحور أوميكرون، مروراً بتفشي فيروس جدري القرود، ووصولاً إلى فيروس إيبولا في أوغندا، إلا أنه يرى أن لدى العالم أسباباً كافية للأمل في عام جديد أفضل نظراً إلى عدم تسجيل أي حالات جديدة لفيروس إيبولا خلال أول ثلاثة أسابيع من الشهر المنصرم. كما أشار غيبريسوس إلى أنه بجانب انخفاض أرقام الإصابة بفيروس جدري القرود فإن الأرقام التي سجلها العالم لفيروس كورونا وعلى الرغم من ارتفاعها حالياً فهي أقل بكثير مما كانت عليه الأعوام السابقة.

وأكمل رئيس منظمة الصحة العالمية في بيانه الصحفي أنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 82000 حالة إصابة بفيروس جدري القرود في 110 دولة منذ بداية تفشيه، ولحسن الحظ انخفض عدد الحالات المبلغ عنها أسبوعياً بأكثر من 90% منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة المثيرة للقلق دولياً في يوليو/تموز الماضي. وفي حال استمرار الانخفاض بالوتيرة الحالية فمن الممكن أن يجري الإعلان عن نهاية هذه الحالة الطارئة خلال هذا العام. وبالمثل، في حال عدم ظهور أيّ حالات جديدة للإصابة بفيروس إيبولا، فسيجري الإعلان عن إنهاء تفشيه في العاشر من يناير/كانون الثاني الحالي.

في ظل هذه التصريحات المبشرة ووجود توقعات بإعلان إنهاء حالة الطوارئ الخاصة بتفشي كورونا خلال العام الحالي، فإن الحقيقة التي لا نزاع عليها هي أن الجائحة لم تنتهِ بعد. ويُرجع غيبريسوس ذلك إلى أسباب تتعلق بوجود فجوات بين بلدان العالم في تلقي اللقاحات وإجراء الفحوصات وتقديم الرعاية الصحية، إلى جانب استمرار ظهور طفرات فيروسية، والأهم من ذلك أنّه وإلى يومنا هذا فإنّنا لم نصل إلى فهم كامل لأسباب بدء الجائحة من الأساس، ما قد يجعل درء حدوث أيّ جائحة مستقبلية أخرى مهمةً أكثر صعوبة.

TRT عربي