تابعنا
لخوف أضحى يعتلي قلوب العراقيين من وقوع مأساة مشابهة في ظل عدم اكتراث الجماعات المسلحة لحياة المدنيين باتخاذها مناطق مأهولة بالسكان منطلقاً لأنشطتها العسكرية ومخازن لأسلحتها التي تمولها بها دول خارجية

سلّطت فاجعة انفجار مرفأ بيروت الضوء مجدداً على مخازن أسلحة وعتاد تابعة لفصائل مسلحة منتشرة داخل مناطق سكنية في العاصمة العراقية بغداد ومدن عراقية أخرى، خصوصاً مناطق جرف الصخر بمحافظة بابل، وأخرى في تكريت والموصل، يعتبرها العراقيون مخازن موت وقنابل موقوتة.

فالخوف أضحى يعتلي قلوب العراقيين من وقوع مأساة مشابهة في ظل عدم اكتراث الجماعات المسلحة لحياة المدنيين باتخاذها مناطق مأهولة بالسكان منطلقاً لأنشطتها العسكرية ومخازن لأسلحتها التي تمولها بها دول خارجية، وهذا الملف الحساس وضع الحكومة العراقية بموقف المواجهة المصيرية أمام الفصائل التي تسيطر على السلاح وتخزن المتفجرات في مستودعاتها.

مخازن السلاح والعتاد موزعة

وجود مستودعات لفصائل مسلحة في مناطق مختلفة بالعراق بناءً على انتشار النفوذ السياسي، ومواقع السيطرة العسكرية، أدى إلى إثارة القلق الشعبي لدى العراقيين بسبب احتمالية حدوث انفجارات للمستودعات، التي تهدد حياة آلاف المدنيين.

وفي هذا السياق تَحدَّث المحلل الاستراتيجي رعد هاشم لـ TRT عربي قائلاً: "إن دعوات إفراغ المدن من أسلحة المليشيات الموالية لإيران واقعية، وفقاً لحوادث كثيرة وقعت في الماضي من تماسّ، وانفجارات، خصوصاً في العاصمة بغداد، وعلى الحكومة تنفيذ وعودها بحصر السلاح بيد الدولة، وإن لم تفعل فستنتشر الجماعات المسلحة وستخترق جميع المؤسسات الأمنية".

كما تابع هاشم: "هذه الدعوات كشفت للعراقيين وللمجتمع الدولي وحتى للحكومات السابقة والحالية مدى خطورة تخزين أسلحة وصواريخ داخل المدن، خصوصاً لو كان حالها كحال سلاح المليشيات في البلاد التي تخزّن دون علم الجيش العراقي، وبمعزل عن عتاده، وفي ظل غياب التنسيق مع القوات العسكرية الرسمية".

وأشار المحلل الاستراتيجي إلى أن "سلاح مليشيات حزب الله خصوصاً، بما يتضمنه من صواريخ إيرانية بعيدة المدى، جعل مدينة جرف الصخر المخزَّن فيها بؤرة موبوءة، فإيران تسعى جاهدة لجعل العراق ساحة معركة لها مع أمريكا"، كاشفاً أيضاً أن مدينة آمرلي التابعة لمحافظة صلاح الدين شمال شرق بغداد أصبحت مخزناً لحفظ الأسلحة الإيرانية، ومستودعات أخرى في مناطق سهل نينوى قرب مركز مدينة الموصل".

لمَ تصرّ الفصائل المسلحة على إبقاء مواقع مستودعاتها؟

يؤكّد مراقبون أن جميع القوانين والأعراف العسكرية تمنع تخزين الأسلحة والعتاد والذخائر داخل المدن السكنية، والمبدأ الثابت هو دفع الأذى قدر الإمكان عن المدنيين في أي مواجهة عسكرية محتملة، كما شدد مختصون على ضرورة إعادة النظر في انتشار مخازن الأسلحة القريبة من المناطق السكنية، والتي تعد مخالفة للسياقات العسكرية.

في هذا الصدد صرّح الخبير الأمني علي جواد لـTRT عربي، بأن "فوضى السلاح في العراق، وضعف الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، تجعلنا نقول إن من أهم الأسباب الرئيسية لتخزين هذه المليشيات أسلحتها وعتادها في المناطق المأهولة بالسكان، إخفاءها عن عمليات الرصد الجوي والاستخباري، لتلافي الضربات الجوية المحتملة من القوات الأمريكية، بحكم الصراع الدائر بين المسلحين الموالين لإيران".

وتابع جواد "تعتمد الفصائل المسلحة إبقاء مواقع المستودعات في أماكن قريبة من السكان لأنها تحاول التحصن بالمناطق المدنية، واستخدام المدنيين دروعاً بشرية لسهولة نقلها إلى مناطق الإطلاق، لكون تخزينها في مناطق بعيدة يصعّب نقلها لمسافات طويلة خشية الاستهداف، لذا تُكدَّس في هذه المناطق، التي عادةً ما تكون قريبة من المناطق السكنية، خشية اكتشافها وضربها بالصواريخ".

كما أشار الخبير الأمني إلى أن "تخزين المليشيات المسلحة للأعتدة والذخائر في المناطق السكنية يأتي لضمان السيطرة والنفوذ على هذه المناطق التي تتمتع بها هذه المليشيا بشعبية ما، لكونها في مناطق موالية لها، لذا تُعتبر هذه المناطق آمنة لأن المليشيات لا تثق بالحكومة والدولة العراقية، رغم أنها هي من شكلّها ولديها وزراء في هذه الحكومة، ورغم سيطرتهم عليها".

دعوات لإبعاد مخازن الأسلحة

طالب سياسيون ونشطاء عراقيون عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، السلطات العراقية بإخراج مخازن السلاح من المدن والأحياء السكنية،إذ تفاعل العراقيون تحت هاشتاغ "بغداد منزوعة العتاد" مطالبين بضرورة عدم إقحام المدنيين بكوارث جديدة، وتدارك أزمة انتشار السلاح بمناطق سكن الأهالي، ومراقبة مصانع ومخازن السلاح الذي تحيط المدن العراقية بالألغام والقنابل وصناديق الرصاص من كل الجهات.

في هذه الأثناء كتب طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الأسبق، تغريدة على تويتر قال فيها: "هل سنتعظ من مأساة لبنان؟ فخزن المواد شديدة الانفجار يخضع في العادة لضوابط صارمة تستهين بها عادةً فصائل اللا دولة المسلحة، بسبب افتقارها إلى الخبرة، لهذا لا بُد من جرد مستودعات المتفجرات والأسلحة في العراق، ووضع اليد عليها وخزنها وفق الضوابط بعيداً عن المدن".

كما دعا الأمين العامّ لحزب المشروع العربي في العراق جمال الضاري في تغريدة على تويتر إلى نقل مخازن السلاح والأسلحة إلى خارج المدن، وكتب: "الانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت يذكّرنا بانفجارات مخازن العتاد بالأحياء السكنية في العراق، وهذا الحادث يستوجب قيام حكومة بنقل مخازن الموت ومعسكرات الفصائل المسلحة والقوات الحكومية من المناطق المكتظة بالسكان لحماية الأرواح والممتلكات من عبث الانفجارات لا سمح الله".

من جهته صرّح الناشط المدني سعد الجبوري في حديثه لـTRT عربي بقوله: "الحكومة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن حفظ أمن المواطن، ووجود مخازن الفصائل المسلحة وترسانتها الكبيرة داخل المدن وبين المنازل السكنية يُعتبر خطراً كبيراً قد يعرّض تلك المناطق لفاجعة".

وأضاف: "مخاطر مستودعات الأسلحة تفوق مخاطر المنافذ الحدودية البعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان. لذلك على الحكومة أن تتخذ قراراً بعيداً عن المجاملات، بإخراج تلك المخازن من المدن في أسرع وقت ممكن".

من جانب آخر قال النائب في البرلمان عن تيار الحكمة علي البديري لـTRT: "كل معسكر فيه عتاد وسلاح هو قنبلة موقوتة قد تتسبب في كارثة للمواطنين في أي لحظة، وأي معسكر ومكان سلاح في المدن يجب إخلاؤه عاجلاً".

ولفت البديري إلى أن "الفاجعة التي وقعت في بيروت تعطي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مسوّغاً لإبعاد كل المخازن عن المدن، لا سيما في بغداد التي بها أكبر عدد من تلك المخازن".

مديرية مكافحة المتفجرات تحذّر

خرجت تصريحات من مختصين حكوميين بضرورة التزام التعليمات العسكرية، وإبعاد مستودعات الأسلحة عن مناطق سكن المدنيين، واستدرك المعنيون ضرورة تخزين العتاد والمتفجرات بعيداً حتى عن المعسكرات وفي مناطق ذات خصوصية للتخزين، مطالبين وزارة الدفاع العراقية بأن تكون المسؤولة عن عملية التخزين نتيجة الخبرات المتراكمة التي تمتلكها وتتيح لها إنشاء مخازن بمواصفات عالية تبقى تحت سيطرتها حصرياً.

في هذا السياق أكّد مدير مركز تدريب مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية العميد رياض شوع هويدي، رفضه وجود مخازن داخل المدن، وأوضح لـTRT عربي قائلاً: "المخازن التابعة للجيش موجودة في أماكن خاصة ومناسبة للخزن، وعادةً ما تكون محصنة وبعيدة عن المدن لتلافي الحوادث، وإن المخازن الوحيدة الصالحة لخزن العتاد والمفرقعات تمتلكها وزارتا الدفاع والداخلية، وتتمتع بمواصفات نموذجية خاصة من حيث سمك الجدران وبأبواب تُفتح بالهايدروليك، ولديها مفرغات قابلة للتهوية لمنع الرطوبة ولا وجود لأسلاك حتى لا يحدث تماسّ كهربائي".

وأضاف هويدي: "يجب أن تكون عمليات خزن المفرقعات والعتاد تحت سلطة وزارة الدفاع حصراً لكونها تمتلك مخازن ذات مناشئ عالمية مخصصة للخزن، وبناءً على ذلك نوصي باتباع شروط الخزن والإتلاف التي تتبعها مديرية مكافحة المتفجرات التي حصلت على موافقة من مجلس القضاء الأعلى، وهي خزن عينة صغيرة جداً تقدر بثلاثين غراماً من المادة المتفجرة، وإتلاف المتبقي، وذلك للحيلولة دون تخزين كميات كبيرة من المواد المتفجرة وتعريض المستودعات الى خطر الانفجار المفاجئ".

وتابع: "نوجّه السلطات المعنية بإدخال جميع أمناء المستودعات التي تخصّ المتفجرات دورةً في مركز تدريب مكافحة المتفجرات بوزارة الداخلية لتدريبهم على إجراءات السلامة العامة في خزن المواد المتفجرة، ونحذّر من عدم التزام بقية الفصائل العسكرية لتجنب حدوث كوارث تهدّد حياة المواطنين".

عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب كاطع الركابي، قال لـTRT عربي: "ما حدث في بعض المناطق سابقاً كان بسبب تكديس الحشود المسلحة التي انضمت إلى جهاز الدفاع بعد الاحتياج للمشاركة في حرب داعش الأخيرة، الأسلحة في المناطق السكنية، علماً بأن تخزين هذه الفصائل المسلحة بطريقة عشوائية أمر ترفضه لجنة الأمن والدفاع النيابية، وما حدث في بيروت يجب أن لا يتكرر في العراق".

وأوضح الركابي أن "في وزارتي الدفاع والداخلية مديريات خاصة بتخزين السلاح، وضباطاً محترفين ومهنيين مسؤولين عن عملية التخزين، لذلك نشدد على جميع القوات العسكرية بأن يكون لها مخازن رسمية قانونية تحت إدارة الدولة، إذ يمكنها أن تخزن عتادها في مستودعات حكومية متوافرة في محافظات عراقية مختلفة، وهذا ما نأمل أن تلتزمه الفئات المسلحة التي تنضوي تحت مسؤولية الدولة العراقية".

وأفاد الركابي بأنه "اقتناعاً من الدولة بضرورة تنسيق التعاون الأمني بين جميع العناصر والفئات العسكرية، ستستضيف لجنة الأمن والدفاع النيابية وزيرَي الدفاع والداخلية للبحث في كثير من القضايا، من ضمنها ما أُثير بشأن خزن الأسلحة، وستسعى الحكومة إلى أن يكون تخزينها علمياً وبعيداً عن المدن. وندرك أن الفئات العسكرية ستتفهم موقف الدولة وستحاول تلبية مطالب الشعب".

وخلال الأيام الماضية علت أصوات تطالب بضرورة إبعاد مخازن السلاح عن بيوت المدنيين وحمايتهم من مخازن الموت التي تحيط بهم، واستمعت الحكومة العراقية إلى هذه الأصوات بضغط كبير من المحتجين في ساحات الاعتصام، إذ اضطُرت الحكومة إلى توجيه تعليماتها إلى هيئة المنافذ الحدودية بجرد كل الحاويات التي تحوي موادَّ عالية الخطورة أو ذات طبيعة كيميائية، وغيرها من القابل للتفجير في جميع القطعات، بحرية وبرية وجوية، واتخاذ الإجراءات اللازمة تلافياً لأي حادثة مشابهة لما وقع في مرفأ بيروت.

TRT عربي