تابعنا
بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان الأربعاء، أن المهلة التي منحها للنظام السوري ليقوم بالانسحاب بنفسه تقترب من نهايتها، هذه هي السيناريوهات التي تنتظر إدلب.

"لن ندع إدلب للنظام السوري وداعميه الذين لم يستوعبوا عزمنا في هذه القضية"، بهذه الجملة قطع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الشك باليقين حول تصميم تركيا على تنفيذ تهديدها لقوات النظام مع اقتراب شباط/فبراير الجاري من نهايته، ما لم يقم بالانسحاب إلى الحدود التي حددها اتفاق سوتشي، أي إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية.

وأعلن الرئيس أردوغان الأربعاء، أن المهلة التي منحها للنظام السوري ليقوم بالانسحاب بنفسه تقترب من نهايتها، وأن العملية العسكرية التركية المرتقبة في إدلب باتت مسألة وقت، وأنها قد تبدأ على حين غرة، ما يعني أن هامش المفاوضات مع الجانب الروسي بات ضيقاً جداً، وما لم تتخذ روسيا قراراً بالتوصل إلى اتفاق مع تركيا حول حل القضية بطريقة تلبي مطالبها، وما نصّت عليه تفاهمات أستانا وسوتشي، فإن أنقرة لن تتردد في اللجوء إلى الخيارات الصعبة.

وبعد جولات من المحادثات الأمنية والسياسية والعسكرية بين وفود من البلدين، جرت في أنقرة وموسكو، ولقاء على مستوى وزيرَي الخارجية واتصالين هاتفيين على مستوى الرؤساء، لم تسفر أي من هذه الجهود عن اتفاق يُذكر.

وتمسكت أنقرة بمطالبها المنسجمة مع جوهر الاتفاقات السابقة المبرمة مع روسيا، ومع القانون الدولي الذي يتيح لها حقّ الدفاع عن النفس وحماية حدودها من جميع التهديدات الأمنية، فيما لم تُبدِ موسكو تقارُباً مع الموقف التركي، مفضلة -حتى الآن على الأقلّ- المحافظة على المكاسب العسكرية الأخيرة التي حقّقها النظام وحلفاؤه في إدلب، وهذا يحيلنا إلى استعراض ثلاثة سيناريوهات محتملة لمصير الوضع الميداني والسياسي في هذه القضية الحساسة.

أهمّية إدلب لتركيا

وقبل استعراض هذه السيناريوهات، يطرح سؤال نفسه: ما الذي يجعل إدلب والتطورات التي جرت فيها غاية في الأهمية لتركيا، إلى درجة تهديدها بعمل عسكري يضع حدّاً للمأساة الإنسانية ويتيح وقفاً لإطلاق النار، ويُلزِم النظام العودة إلى حدود سوتشي؟

الموقع الجغرافي والاستراتيجي والتركيبة السكانية هي عوامل تجعل إدلب مجتمعة خاصرة رخوة لأمن تركيا القومي.

محمود عثمان، محلل سياسي تركي

تتمتع إدلب بموقع استراتيجي مهم بالنسبة إلى تركيا، فهي تتشارك سلسلة جبال الأمانوس الممتدة داخل تركيا، وهي الجبال التي كانت عناصر PKK الإرهابي تتسلل من إدلب إليها في الماضي وتنفذ عمليات إرهابية في منطقة هاتاي، كما يؤكّد الباحث والمحلل السياسي التركي محمود عثمان.

ويعتقد عثمان، في حديث مع TRT عربي، أن الموقع الجغرافي والاستراتيجي والتركيبة السكانية هي عوامل تجعل إدلب مجتمعة "خاصرة رخوة لأمن تركيا القومي، ومِن ثَم فهي معنية بإدلب بشكل كبير للحفاظ على أمنها الاستراتيجي".

"التحوُّل من الاشتباك على أرض المعركة ينعكس على الاشتباك على الطاولة، ومِن ثَم خسارة مزيد من الأراضي والمساحات على أرض المعركة تعني موقفاً أضعف لمن يريد التفاوض، وبما أن تركيا هي الضامن للمعارضة السورية فإن أهمية الضامن بأهمية ما يضمنه"، حسب ما خلص إليه المحلل السياسي حول أهمية إدلب بالنسبة إلى تركيا.

وفي ظل تمسُّك تركيا وروسيا بموقِفهما من مسألة إدلب، فإن لما يمكن أن يحدث في الميدان وعلى طاولة المفاوضات خلال الأيام القادمة 3 سيناريوهات محتمَلة.

صِدام مستبعَد

السيناريو الأول يتمثل بانتهاء المهلة دون اتفاق، بما يعني انطلاق العملية العسكرية التركية التي توعدت بها أنقرة، مع إمكانية الصدام مع روسيا إذا قررت المشاركة في حماية قوات الأسد التي تمركزت مؤخَّراً داخل منطقة خفض التصعيد، وهو سيناريو مستبعَد لاعتبارات عديدة.

فمصالحُ البلدين متعددة الاتجاهات وقائمة في مجالات متنوعة ومختلفة، ومن الصعب إن لم يكُن من المستحيل أن يتخلى الطرفان عن هذه المصالح من أجل قضية خلافية عالقة بينهما مثل قضية إدلب.

وفي ظل إصرار أنقرة على تحمل تكلفة خيار إجبار النظام على التراجع، فإن روسيا وإن كانت لم تقدّم تنازلاً على طاولة المفاوضات حتى الآن، من المستبعد جدّاً في حال وُضعت أمام خيارين، إما تركيا وإما النظام، أن تفضّل النظام.

ويرى المحلل السياسي الخبير بالشأن الروسي محمود الحمزة، أن روسيا ملتزمة بالنظام السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية ولن تتخلى عنه، لكنها من جهة أخرى ترتبط بعلاقات اقتصادية وتعاون عسكري وفي مجال الطاقة والغاز والسياحة مع تركيا.

ويشير الحمزة في حديث مع TRT عربي، إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا يصل إلى أكثر من 35 مليار دولار، وهذا أكبر من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية مجتمعةً".

روسيا ملتزمة بالنظام السوري منذ اليوم الأول للثورة السورية ولن تتخلى عنه لكنها من جهة أخرى ترتبط بعلاقات اقتصادية وتعاون عسكري وفي مجال الطاقة والغاز والسياحة مع تركيا.

محمود الحمزة، خبير بالشأن الروسي

وخلص إلى أن "الروس لا يريدون كل التصعيد الذي حصل مع تركيا، لكن النظام هو الذي خلق المشكلات"، مضيفاً: "روسيا تريد ضمناً أن تستعيد إدلب إلى سيطرة النظام، ولكن بحيث لا تفسد العلاقات مع تركيا".

وذكر الخبير بالشأن الروسي أن المسؤولين الروس والأتراك أكّدوا أنهم لن يتخلوا عن هذه العلاقات، ولن يسمحوا للملف السوري بأن يكون سبباً لتدهور العلاقات بين البلدين.

تنفيذ التهديد التركي

أما السيناريو الثاني فيقتضي أن تنفّذ تركيا تهديدها بإبعاد قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي بعملية عسكرية كبيرة، مع التزام روسيا عدم التدخل في هذه المعركة، وهذا السيناريو تزداد احتماليته مع اقتراب نهاية الشهر الجاري دون اتفاق، لأن عدم الاتفاق لا يقتضي الصدام، بل إن روسيا "لن تتجرأ على صد العملية العسكرية التركية"، كما يرى المحلل السياسي التركي محمود عثمان.

ويرى عثمان أن رسم خارطة النفوذ يعود إلى حجم قوة الدول، مضيفاً: "تركيا لا تريد أن تكون دولة متفرجة في المسألة السورية، وهذا ما يؤكده أردوغان وكل المسؤولين الأتراك. لا يمكن أن نتوقع أبداً أن تتراجع تركيا وتخطو خطوة إلى الوراء في موضوع إدلب".

واعتبر عثمان أن "اللاعبين على الساحة السورية يلعبون سياسة حافة الهاوية، وهذا ما سيفعله الروس، إذ سيضغطون على تركيا بشتى الوسائل من أجل أن تتراجع وأن يفرضوا الأمر الواقع، ولكن تركيا كما في العمليات السابقة في درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، كانت تنفذ تهديداتها دون تردُّد رغم أن ظنّ الناس أنها لن تُقدِم على ذلك".

لكن إلى أي حد يمكن أن تصل العملية التركية المرتقبة؟ هل ستحاول إبعاد قوات الأسد إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، أي إلى الوضع السابق الذي كان قبل نحو عام ونصف؟ أم إن العمل العسكري التركي سيكون محدوداً بأقل من ذلك بحيث يكون مكملاً لجهدٍ سياسي من جانب آخر يؤدي المزج بينهما إلى النتيجة المطلوبة؟

"لن تلجأ تركيا كما يتمنى كثيرون إلى الاشتباك مباشرة، بل ستضغط حتى آخر لحظة، وفي نهاية المطاف إن لم يتحقق الحد الأدنى من مطالبها، وهو الحفاظ على نقاط المراقبة، فستستمر بالضغط وتلجأ إلى عمل عسكري محدود"، حسب المحلل التركي.

لن تلجأ تركيا كما يتمنى كثيرون إلى الاشتباك مباشرة بل ستضغط حتى آخر لحظة.

محمود عثمان، محلل سياسي تركي

ويرجّح عثمان أن يستمر كلا الطرفين بسياسة "عض الأصابع"، مضيفاً: "لن يتراجع لا الروس ولا الأتراك عن مواقفهم، ولكن في المحصلة ستُضطرّ تركيا إلى عمليةٍ عسكرية محدودة لن يقف الروس في وجهها، وستقوم تركيا باستعادة بعض المناطق وتحصين نقاط مراقبتها في سوريا".

وشدد على أنه ليس من المتوقع استعادة كل الأجزاء التي فقدتها المعارضة مؤخراً، ولكن المؤكد أنه لن يبقى الأمر على ما هو عليه اليوم، وهذا يعني أن استكمال تحقيق كامل المطالب التركية قد يتوقف على جهد سياسي ودبلوماسي يجري موازاياً التحرك الميداني.

اتفاق يمنع الحرب

أما السيناريو الثالث والأخير، فهو التوصل إلى اتفاق في قمة تجمع بين بوتين وأردوغان، بحيث يحقّق لتركيا مصالحها، وهذا يعتمد على موعد عقد القمة، إذ إن عقدها بعد نهاية الشهر الجاري سيَعني أن التحرك العسكري التركي سيبدأ قبلها.

ويرجّح الخبير بالشأن الروسي، محمود الحمزة هذا السيناريو، مستبعداً وقوع مجابهة عسكرية بين تركيا وأي من الأطراف في إدلب، مضيفاً: "قد تقع مناوشات بين تركيا والنظام كما حدث بعد الهجوم على الجنود الأتراك مطلع الشهر، أما الحرب المفتوحة فأمر مستبعد".

ورأى أنه "سيُتوصَّل إلى اتفاق إذا كان ثمة ضوء أخضر أمريكي".

TRT عربي