"معضلة شرعية النفط".. هل تنجح مساعي التحول الديمقراطي في دول الخليج؟ (Stephanie McGehee/Reuters)
تابعنا

تكمُن إشكالية أساسية في مسارات التحوّل الديمقراطي في العالم العربي أجمع، ومنطقة الخليج بشكل خاص، وهي اعتماد اقتصاد دولها على إيرادات الثروات الطبيعية، ما يؤخّر من فرص لحاقها بركب الديمقراطية، ويكرس من كونها "دولاً ريعيّة".

غير أن تلك الدول اتخذت مؤخراً بعض الخطوات الجادة لإحداث إصلاحات في هيكلها السياسي، ويصفها مراقبون بأنها "أكثر انفتاحاً على قيم الديمقراطية والمواطنة".

معضلة شرعية النفط

يصف باحثو العلوم السياسية الدول التي يعتمد دخلها القومي بشكل أساسي على إيرادات الثروات الطبيعية غير المتجددة، كالمواد الأحفورية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي، بمصطلح "دولة ريعيّة" (Rentier State).

وفي أدبيات التحوّل الديمقراطي، يشير الخبراء إلى أن الإيرادات الضخمة التي تجلبها الثروات الطبيعية تضفي شرعية مؤقتة على حكومات تلك الدول، التي تستند إلى كسب تأييد شعبي واسع من دون الحاجة إلى أن تستمد شرعيتها من آليات الانتخاب والتمثيل المباشر، ما يعرقل في نهاية المطاف أية فرص لخلق إصلاحات ديمقراطية.

وبحسب مليحة ألتون إيشيق، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، فإن السبب وراء نشأة تلك الحالة هو عدم استمداد الدولة شرعيتها من المواطن بشكل مباشر. فعلى عكس الديمقراطيات المعاصرة حول العالم، لا تستند الدولة الريعيّة إلى موارد الضرائب وثمن الخدمات التي تحصلها من الشعب، ما يعرقل في نهاية المطاف تمثيل الدولة لصوت المواطن، وغياب مفهوم "السلطة الحاكمة كخادم مدني لدى شعبها".

وتاريخياً يعبّر الشعار الأمريكي الشهير "لا ضرائب من دون تمثيل"، والذي رأى النور خلال القرن الثامن عشر في أثناء حرب الاستقلال الأمريكية عن بريطانيا، عن أهمية اعتماد الدولة على عنصر جبي الضرائب كعامل أساسي في دعم وتعزيز عملية التمثيل الديمقراطي والقيم والآليات المصاحبة لها.

"لعنة الموارد"

وفقاً لخبراء، فإن كثيراً من الدول الريعيّة تصيبها "لعنة الموارد" (Resource Curse)، حيث ينصرف الشعب عن المشاركة السياسية وتنكفّ الإدارات السياسية عن تطوير برامج تنموية حقيقية ذات انعكاسات إيجابية على المواطن والدولة على الصعيد الاستراتيجي طويل المدى.

ويشرح الخبراء مصطلح "لعنة الموارد" بشكل مبسط في نموذج فرد يرث تركة ضخمة عن أحد أقاربه، ما يجعله يتكاسل عن العمل ويصيبه نوع من الاسترخاء وغياب الدافع الذي ينوط به الحثّ على الإبداع والتفاني في العمل من أجل كسب القوت والعيش.

غير أن المتخصصين يعتبرون "لعنة الموارد" مصيراً غير حتمي للدول محل الذكر، فقد استطاعت دول غنية بالموارد الطبيعية مثل النرويج ألَّا تحيد عن المسار الديمقراطي رغم ما تملكه من ثروات طبيعية، وذلك من خلال استثمار إيرادات النفط والغاز الطبيعي في "صندوق الثروة السيادي"، الذي نجحت من خلاله أوسلو في تجنّب أية انعكاسات سلبية لمواردها الطبيعية على أسس وآليات الديمقراطية في البلاد.

وتلفت دراسة لمعهد أبحاث الدفاع الوطني الأمريكي "راند" (RAND)، إلى أن الأصول القبلية للمجتمع العربي إضافة إلى إيرادات النفط، أخرت من فرص التحوّل الديمقراطي في العالم العربي بشكل عام، ومنطقة الخليج بشكل خاص.

غير أن الدراسة ذاتها أردفت أن "الربيع العربي كسر وهم النظام الذي لا يقهر"، ما حثّ دولاً أخرى، لم تصل إليها موجة الاحتجاجات، على إحداث إصلاحات نسبية داخل المنظومة الحاكمة.

بيد أن الانتكاسات والموجات الارتدادية التي تعرّضت لها دول الربيع العربي لاحقاً، يراها متابعون أنها أعادت مسارات التحوّل الديمقراطي بالمنطقة إلى الوراء.

فرص التحوّل الديمقراطي

في نظرة أكثر تفاؤلاً، ترى الباحثتان ميرة الحسين وإيمان الحسين، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن دولاً خليجية بدأت بالفعل اتخاذ "إجراءات لتنويع مصادر الاقتصاد استعداداً لمرحلة ما بعد النفط".

وفي هذا الإطار قررت قطر أن تجري أول انتخابات تشريعية في تاريخها في الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري، حيث نصَّ بيان للديوان الأميري على أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني "أصدر مرسوماً بتحديد موعد انتخاب أعضاء مجلس الشورى"، والذي كانت تكتسب عضويته في السابق بالتعيين.

ويذهب المفكر والوزير البحريني السابق علي محمد فخرو، إلى أن الانتقال إلى نظام ديمقراطي في الدول الريعيّة يمكن أن يتم عبر "إصلاح جذري في نظام الاقتصاد الريعي، إنتاجاً للريع، وبيعاً، واستلاماً للثروة وتوزيعاً لها، واستغلالاً لجزء منها فى توليد ثروة إنتاجية قائمة على الجهد والتنظيم".

ويشير فخرو إلى أهمية "المراقبة المؤسَسَية المجتمعية لكل تلك الجوانب"، حيث ينبني عليها "خلق نظام اقتصادي يصب فى صالح الممارسة الديمقراطية بدلاً من نظام يشوهها ويحيلها إلى ممارسة مظهريّة لا تخدم عموم المواطنين".

ويفيد خبراء أن من العوامل المواتية لنجاح مساعي التحوّل الديمقراطي في دول الخليج، عامل البعثات التعليمية التي ترسلها أغلب دول الخليج إلى الغرب، حيث يعود المتعلمون بأفكار إصلاحية ومنظور أكثر انفتاحاً على الديمقراطية، ما قد ينعكس إيجابياً على إجراءات وتحولات سياسية أكثر ليبرالية على المدى المتوسط والبعيد.

TRT عربي