ملامح هزيمة مدوية للعدالة والتنمية المغربي (Fadel Senna/AFP)
تابعنا

من 125 مقعداً برلمانياً تسيد على إثرها العدالة والتنمية رأس الحكومة المغربية سنة 2016، إلى 12 مقعداً أقرب لليتم منه إلى التمثيل السياسي أحرزوها من انتخابات الأربعاء، هو العنوان الرئيسي. ليلة سوداء عاشها الحزب، وهو يطالع كل قلاعه السياسية تتهاوى تباعاً في قبضة الخصوم.

خيبة كانت صعبة على أمينه العام سعد الدين العثماني الذي تحدثت أنباء عن مغادرته مقر الحزب حتى قبل انتهاء عملية الفرز. هو الذي خسر مقعده البرلماني بدائرة "الرباط المحيط"، لتضاعف آلاماً تعددت أسبابها. كما تعدَّدت ملامح الهزيمة التي أثقلت كاهل الحزب، في حين حمَّل أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران هذا الثقل لخليفته في المنصب داعياً العثماني للاستقالة.

سقوط القلاع الحصينة

أحد أهم ملامح هزيمة العدالة والتنمية ما كابده داخل ما كان يعدها "قلاعاً حصينة" له. على رأسها دائرة طنجة أصيلة، التي اكتسحها خلال الانتخابات السابقة، جماعياً وبرلمانياً، ومع تقدم عملية الفرز فيها ليلة الخميس، بدت الأخبار مفجعة لحزب "المصباح" الذي صار يتهاوى أمام تزايد الأصوات لمرشحي "التجمع الوطني للأحرار".

دائرة وجدة أنجاد (شرق المملكة) هي الأخرى التي حصد منها العدالة والتنمية الانتخابات الماضية مقعدين في البرلمان، خرج منها خالي الوفاض في المرتبة السادسة، أمام حصاد ثمين لحزب "الأصالة والمعاصرة". وفي دائرة العاصمة الرباط، انهزم رئيس الحكومة في تنافسه على دائرة المحيط، وفقد مقعده البرلماني.

الدار البيضاء كذلك، حيث ظلت الخسارة التي تلقاها عمدة المدينة عبدالعزيز العماري في منطقة عين الشق عقب فشله في المحافظة على مقعده النيابي، أبرز النتائج السلبية التي تكبدها على صعيد المدينة. كما فقد الحزب مقاعده البرلمانية في دوائر آنفا والحي الحسني ودرب السلطان وعين السبع وسيدي عثمان ومناطق أخرى بالعاصمة الاقتصادية التي كانت في الماضي القريب منبع قوته تحت القبة التشريعية.

في فاس التي كان يحتفي العدالة والتنمية بانتزاعها من قبضة حزب الاستقلال، تهاوت تباعاً مقاعده لصالح عودة الحزب التقليدي للمدينة مرفوقاً بحزبي "الأصالة والمعاصرة" و"التجمع الوطني للأحرار". وفي سلا (غرب البلاد) الدائرة المعروفة بولائها الانتخابي لرئيس الوزراء السابق عبد الإله بنكيران تصدرها "التجمع الوطني للأحرار" ساحباً البساط من تحت أقدام العدالة والتنمية.

بالمقابل يعد تساقط هذه القلاع تهاوياً لقوة الحزب التي يركزها أكثر في المدن الكبيرة والمراكز الحضارية، فيما لا قوة له في العالم القروي حيث تكتسحه الأحزاب الأخرى مع أفضلية لـ"الأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" و"الحركة الشعبية".

ضياع القواعد

طوال عهدته الأولى تلك في الحكومة بعد انتخابات 2011 التي تصدرها، مرر العدالة والتنمية قرارات صعبة على مختلف شرائح الشعب المغربي، على رأسها رفع الدعم عن المواد الأساسية ووقف الاستثمار العمومي وإصلاح صندوق التقاعد والإجهاز على الوظيفة العمومية أمام التوظيف بالتعاقد. كما عرفت حكومته الأولى عدد كبيراً من الأزمات السياسية وتفكك أحلافها الداخلية.

هذه الإجراءات التي جرت عليه جام السخط الشعبي، لكنه ظل محافظاً على ولاء قواعده الذين كانوا يخوضون وقتها جدالات مريرة لتبرير قرارات وزراء حزبهم. هم أنفسهم الذين جددوا الثقة فيه في انتخابات 2016، حين تصدرها بحصد 125 مقعداً ما مكنه من تشكيل حكومة العثماني التي انبلجت بعد انسداد عسير نُحي إثره جانباً الأمين العام عبد الإله بنكيران وأعفي من تشكيلها.

تنحية بنكيران كانت الضربة الأولى التي يوجهها الحزب إلى قواعده، بعدها توالت الضربات القاصمة. بداية بفرنسة التعليم التي تنازل فيها الحزب عن دور باعتباره "حامي اللغة العربية" كما كان يسوق لتلك القواعد. بعدها أتى التصديق على تقنين القنب الهندي الذي أدى إلى انقسام بلغ القطيعة بين القيادة، إذ أعلن بنكيران إثره قطع علاقاته بكل وزراء الحكومة.

غير أن الضربة القاضية لقواعد الحزب كانت توقيع أمينه العام على اتفاق التطبيع. وعلى الرغم من أن سعد الدين العثماني حاول تبرير موقفه خلال دورة المجلس الوطني للحزب الذي ناقش حينها القرار، مؤكداً أن توقيعه الاتفاق على تطبيع القرار مع إسرائيل كان من إملاءات المسؤولية التي يشغلها باعتبارئه رئيساً للحكومة، فإن ذلك لم يكِف لامتصاص غضب قيادات الحزب وأنصاره.

هذا ما تسبب في الاندحار المدوي للعدالة والتنمية، يجمع مراقبون، كون الحزب فقد مخزونه الانتخابي من الأصوات التي كانت وفية له ويقدر تعدادها بـ1.6 مليون حسب تقديرات 2016.

هزيمة مؤكَّدة

تضافر هذه الشروط منضافة إلى تقليص الحزب تغطيته الانتخابية جعل من الهزيمة مؤكَّدة مع أن ثقلها كان مفاجئاً لأكثر المتابعين تشاؤماً. مقابل القوة الضاغطة للحملات المنافسة له، و"الاستعمال المفرط" كما سبق أن أشار في خراجات وبيانات لقياداته.

إذ تحدَّث في بيان له صباح الأربعاء عن وجود "خروقات بالجملة" جرت في الساعات الأولى من الانتخابات، "بلغت درجة الهجوم والاعتداء على مقر حزب العدالة والتنمية بمدينة برشيد (شمال) من طرف بلطجية محسوبين على حزب التجمع الوطني للأحرار، وتخريب تجهيزاته"، بجانب "تهديد مراقبين لحزب العدالة والتنمية بالاعتداء البدني عليهم، وإجبارهم على مغادرة مكاتب التصويت في مناطق مختلفة".

ولاحقاً أدان سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب "المصباح"، عدم توصل حزبه إلى محاضر عمليات الفرز، ملمحاً باحتمالية وقوع تزوير في العملية. بالمقابل، وإن صدق هذا الخطاب، يقول متابعون للشأن المغربي، لم يكن ليستثير أي ردة فعل شعبية، كون الحزب فقد أساساً مخزونه من التعاطف شعبياً وداخلياً بين قواعده. كذلك فإن حصيلة الهزيمة ضياع 113 مقعداً برلمانياً من بين يديه، تبقى بعيدة عن أن يجري تبريرها بهذا المعطى.

TRT عربي