ولي عهد أبورظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في العاصمة الإماراتية أبو ظبي (Bandar Al-Jaloud/AFP)
تابعنا

يعتبر مراقبون القمّة الخليجية الثانية والأربعون، الّتي انعقدت الثلاثاء بالعاصمة السعودية الرياض، قمّة استثنائية إذ تأتي بعد عام أوّل لافت للمصالحة بين أغلب دول مجلس التعاون الخليجي، والذي شهد توافقاً وتناغماً وبيانات مشتركة بين الأعضاء حول ملفات إقليمية مثل برنامج إيران النووي ومطالبتها بإصلاحات لبنان ونظرتها لأزمات اليمن وسوريا وليبيا، والموقف من الأوضاع بأفغانستان.

غير أنّ العام الماضي ذاته شهد خلافاً وتنافساً غير مسبوق بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدءاً بالخلافات حول المسائل الإقليمية مثل تقارب أبو ظبي المفاجئ مع إسرائيل ثم تركيا وإيران وملف حرب اليمن، مروراً بصراعات التفوّق الاقتصادي وما يتعلّق بملف النفط.

"حليف واشنطن المُفضَّل"

عادة تُصنَّف الرياض وأبو ظبي حليفتين وثيقتين لما يجمعهما من شراكة تاريخية ومصالح استراتيجية، غير أنّ ذلك لم يمنع وقوع خلافات بينهما، لا سيّما مع التنافس بينهما للعب دور الشريك والحليف الاستراتيجي الأقرب لدى الولايات المتحدة بالمنطقة.

وتعود أصول التنافس الإماراتي-السعودي إلى ما قبل اثني عشر عاماً عندما أقدمت أبو ظبي على أوّل تحد كبير لها ضد السعودية، فعقب موافقة مجلس التعاون الخليجي على مشروع بعام 2009 لإنشاء بنك مركزي مشترك بين أعضاء المجلس ويكون مقرّه في الرياض، أعلنت الإمارات انسحابها على نحو مفاجئ، راغبةً بذلك أن يكون مقرّ البنك في عاصمتها أبو ظبي.

واعتبر محلّلون أنّ ذلك الصراع خطّت فيه الإمارات خطوات كبيرة نحو استبدال المملكة كشريك عسكري عربي مفضّل للبيت الأبيض، حيث اجتمعت كل من إدارتي ترمب وبايدن على جعل أبو ظبي أول عاصمة عربية تستقبل الطائرة المقاتلة الأمريكية الأكثر تقدماً F-35، بينما أوقفت إدارة بايدن بيع جميع الأسلحة الأمريكية الهجومية للرياض بسبب اتهامات حول جرائم الحرب ضد المدنيين في اليمن.

مقاربة إقليمية متباينة

لم تقتصر نقاط الخلاف بين البلدين الخليجيين حول التنافس لتوطيد علاقاتهما مع الولايات المتحدة، إذ اختلفا في مقاربتهما الإقليمية وأخذ كل منهما منحى مختلفاً عن الآخر، فسلكت أبو ظبي طريقاً منفصلاً تماماً عن الرياض بملف التطبيع مع إسرائيل، وشرعت توطّد علاقاتها أيضاً مع تركيا وإيران دون تنسيق مع المملكة.

وتظهر وتيرة التطبيع الذي تنتهجه الإمارات مع إسرائيل حجم الخلاف، حيث اندفعت الأولى آخذة زمام المبادرة في إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب في "اتفاقيات إبراهيم"، في حين لم تواكب الرياض خطوات أبو ظبي ذاتها. فرغم ظهور بعض الأصوات المرحبة بالتطبيع في المملكة، فإن القرار السعودي الأخير لم يشارك الإمارات وتيرة التطبيع ذاتها لما فسّره متابعون بالانقسام الحاد بين المستشارين داخل البيت السعودي.

كما تباينت مقاربة الحليفين الخليجيين في العديد من الملفات الأخرى الحرجة، مثل تراجع الإمارات على نحو مفاجئ في عام 2019 عن المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن ضد جماعة الحوثي، إضافة إلى إقبال السعودية بوتيرة سريعة على رفع الحصار عن قطر وتحسين علاقاتها بها. علاوة على سعي أبو ظبي للتقارب مع أنقرة وطهران وتبادل الزيارات الدبلوماسية على المستوى الرفيع معهما، في نهج لا تخفي الرياض تحفظها على وتيرته وطبيعته.

النفط وتنويع مصادر الدخل

وصلت حدة الخلاف بين السعودية والإمارات إلى ملف النفط، والذي يُعدُّ البلدان العضوان بمجلس التعاون الخليجي ومنظمة الدول المصدِّرة للنفط "أوبك" أضخم منتجيه ومصدّريه حول العالم، ويسعى كل منهما إلى تأمين أهدافهما الربحية في هذا السوق الضيق.

غير أنّ الرياض أطلقت في مارس/آذار الماضي مبادرة "السعودية الخضراء" لتحسين جودة الحياة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتحييد الآثار الناتجة عن النفط وحماية البيئة، ويشمل ذلك رؤية الرياض لـ"الشرق الأوسط الأخضر"، الذي تسعى من خلاله لأن تكون مركزاً للترويج للاقتصاد النظيف بالمنطقة.

ورغم ذلك شاركت الإمارات في صفقة "إعلان النوايا" مع الأردن وإسرائيل، والتي نصّت على التعاون بينهما في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، وأُبرمَت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، فيما أفاد موقع "أكسيوس" الأمريكي باعتراض الحكومة السعودية على الصفقة، ومحاولتها الضغط على الإمارات للتراجع عنها، وأنّ الرياض فوجئت بنشر خبر الصفقة.

وذكر الموقع ذاته أنّ المسؤولين السعوديين كانوا مستائين بشدّة لأنّهم شعروا أنّ الصفقة قوّضت خطط الرياض لقيادة المنطقة في ما يتعلّق بالمناخ من خلال مبادرتها "الشرق الأوسط الأخضر"، فيما دفعت "اتفاقيات إبراهيم"، الّتي تعترض عليها المملكة السعودية في الأساس، إلى إتمام الصفقة.

TRT عربي