منظمة على فراش الموت.. كيف يوسّع الهجوم الروسي شرخ الأمم المتحدة؟ (AFP)
تابعنا

منذ أول لحظات الهجوم الروسي على أوكرانيا، تعيش هياكل الأمم المتحدة حرباً داخلية، لم تشهد مثيلاً لها منذ أيام الحرب الباردة، مهدّدة بأن يتسع هذا الصدام ليشمل ملفات أخرى مطروحة منذ سنوات على طاولة المنظمة، كعرقلة أعمالها الإغاثيَّة في بقاع أخرى من العالم.

علَّة ذلك هو أن النزاع الدائر اليوم بين قوى عظمى داخل المجتمع الدولي، لها مقاعد دائمة في مجلس الأمن، وحق نقض لا آلية قانونية متاحة حتى الآن من أجل تعطيل مفعوله، وبالتالي يلوح خطر الانسداد السياسي بشدة بين هياكل الأمم المتحدة، جاعلاً منها أحد أبرز ضحايا الصراع الدائر الآن شرق أوروبا.

شقاق صعب الالتئام

في الثاني من مارس/آذار الجاري نجحت أخيراً الأمم المتحدة في تمرير قرار يُدين الهجوم الروسي على أوكرانيا، ويستنكر التهديد بالسلاح النووي الذي تنتهجه روسيا، بعد أن استعصى في محاولتين أن يخرج مجلس الأمن به بسبب "الفيتو" الروسي، حُوّل للتصويت الجماعي داخل الجمعية العامة.

مرَّ القرار بأغلبية 141 صوتاً، مقابل خمسة دعمت موسكو، تمثلت إضافة إليها في حلفائها التقليديين: بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا. مع ذلك واصلت القوات الروسية هجومها بغضّ النظر عن القرار أو مطالبات المجتمع الدولي.

بيد أنه كشف عن حجم الشقاق الحاصل داخل مجلس الأمن بسبب هذه الحرب، بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، شقاق يبلغ تصاعده مستويات سابقة من نوعها، فحتى إثر احتلال روسيا شبه جزيرة القرم سنة 2014، نجح الجانبان الأمريكي والروسي من تجاوز خلافاتهما، واللقاء في العمل على عدة قضايا بشكل مشترك داخل مجلس الأمن، عكس ما يعيشه المجلس اليوم.

وفي الأيام التي أعقبت الهجوم الروسي على أوكرانيا، حاول دبلوماسيون في مجلس الأمن مواصلة العمل المنتظم بشأن مواضيع أخرى. وسعت روسيا والولايات المتحدة لتوقيع بيان يؤيد استمرار المساعدة الإنسانية لسوريا، غير أن فرنسا منعتها في النهاية، معللة ذلك بأن الوقت الحالي ليس مناسباً لاتخاذ مواقف مشتركة مع موسكو.

وحسب مقال لمجلة "Foreign Affaires" الأمريكية، فإنه "سيكون من الصعب على الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين العمل بشكل بنَّاء مع نظرائهم الروس، إذا كانت في أوكرانيا حرب طويلة أو احتلال عسكري روسي مفتوح، بخاصة إذا استمرّ الغرب في عقوباته على موسكو". ويضيف المقال أنه "وإن انسحبت روسيا بمعجزة ما من أوكرانيا بسرعة نسبية، فسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لاستعادة الثقة بنيويورك".

شلل الأمم المتحدة

حسب مراقبين فإن هذا الشقاق الحاصل قد يشلّ أعمال الأمم المتحدة في ملفات أخرى خارج الملف الأوكراني، من بينها الملف الليبي الذي قد يؤدِّي فيه الاحتكاك بين روسيا ودول الناتو إلى إضعاف جهود الأمم المتحدة للحفاظ على سريان اتفاق السلام لعام 2020 في مساره الصحيح، وبالتالي يساهمون في انحدار البلاد مجدداً إلى مستنقع العنف.

كما سيؤدي هذا الوضع إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين باريس وموسكو، بخاصة بعد نشر هذه الأخيرة مرتزقة فاغنر في منطقة الساحل ومنازعة فرنسا نفوذها هناك، وبالتالي سيعرقل ذلك الاتفاقَ على تفويضات الأمم المتحدة الخاصة بالعقوبات وحفظ السلام والوساطة في تلك المنطقة من القارة السمراء.

فيما تشير "Foreign Affaires" إلى أن "نقطة الاشتعال المحتمَلة بين الجانبين (الروسي والغربي) هي قرار الأمم المتحدة السنوي الذي يوافق على تمديد مهمة قوات حفظ سلام تابعة للاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك"، لدعم روسيا انفصاليي جمهورية صرب البوسنة الذين يدفعون البلاد مجدداً إلى التفكك والعنف.

وسبق أن حذّر المبعوث الأممي للبوسنة والهرسك كريستيان شميت في تقريره من أن "الانقسامات بين الأطراف البوسنية آخذة في الاتساع، وخطر الحرب أكثر جدِّيَّة، في حين أن أي ضعف في الاستجابة لهذه الوضعية قد يهدّد اتفاق دايتون، في وقت يتزايد فيه التدخل الخارجي في شؤون البوسنة والهرسك". وهدّدَت موسكو بتعطيل التصويت على تجديد مهامّ القوات الأوروبية في البوسنة والهرسك "يوروفار" إن لم يسحب شميت اتهاماته للمسؤولين الصرب.

TRT عربي