تابعنا
تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون أزمات مالية للعام الثاني على التوالي، تتصاعد إثرها وتيرة عملية تسريح عشرات آلاف الموظفين.

تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون أزمات مالية للعام الثاني على التوالي، تتصاعد إثرها وتيرة عملية تسريح عشرات آلاف الموظفين.

انضمت شركة IBM إلى الشركات التي تتخذ من تسريح العمال سياسة لها لمواجهة الأزمة المالية الحالية، عندما أعلنت نيتها إلغاء 3900 وظيفة لتنضم إلى "ألفابت" الشركة المالكة لـGoogle، و"مايكروسوفت" و"أمازون"، ليصبح العدد الإجمالي للتسريح 44 ألف وظيفة تقريباً منذ يناير/كانون الثاني الماضي.

هذه القرارات لم تكن وليد اللحظة بل هي خطوة في سياق توجهات جماعية تنتهجها كبرى الشركات التكنولوجية وصفها بعض الخبراء والمحللون بسياسة "القطيع". وقد ظهرت جلياً بعد إعلان صادم لقطاع التكنولوجيا عن تخفيض 97171 وظيفة عام 2022، بزيادة 649% مقارنة بالعالم 2021، حسب شركة الاستثمارات Gray & Christmas Inc.

يأتي هذا بعد فترة من الازدهار شهدتها شركات التكنولوجيا الكبرى خلال جائحة كورونا مطلع عام 2020، حينها كان عدد الموظفين الكبير أحد معايير نجاح الشركات خاصة خلال فترة الإغلاق الشامل الذي شهده معظم دول العالم.

صراع الاقتصاد والقوة الناعمة

يرى خبراء أن عراب مسلسل الإطاحة بالموظفين حول العالم هو الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي أشعل شرارة التسريح الجماعي بعدما قلص عدد موظفي تويتر من 7500 إلى نحو 2300 موظف إثر استحواذه على المنصة بقيمة 44 مليار دولار أمريكي.

"أمريكا اليوم في حالة انحدار نسبي يتفاقم أكثر مع نمو الصين واقتصادها بشكل كبير". بهذه الكلمات وصف الخبير الاقتصادي والكاتب السياسي الدكتور غالب أبو مصلح الأسباب الخفية وراء عملية التسريح الجماعي للموظفين.

ويقول لـTRT عربي: "صراع الاقتصاد والقوة الناعمة بين الولايات المتحدة والصين من الموضوعات الرئيسية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي، لذلك تحاول الإدارة الأمريكية محاربة تقدم الصين الاقتصادي وهي أكبر منافس لها بأساليب خاطئة تتعلق بتسهيلات ائتمانية عبر ضخ كميات هائلة من الأموال في الأسواق والمصارف لمعالجة أزمة الاقتصاد، لكن هذه الأساليب تؤدي إلى تأزم الوضع الأمريكي أكثر داخلياً وخارجياً".

ومن المتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم عام 2028 لتتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل خمس سنوات مما كان متوقعاً، حسب مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال.

ويشير أبو مصلح أن "الإدارة الأمريكية خلال عهد رؤساء عدة اعتبرت أن هذا عصر ما بعد الصناعة على اعتبار أن الخدمات تغني عن الصناعة. ولكن مع تقدم الصين ومنافستها للاقتصاد الأمريكي، حاولت الإدارة الأمريكية إعادة التركيز على التصنيع لمحاربتها. بالتالي تعمقت الأزمة الأمريكية أكثر ولم تحل الأزمة البنيوية لناحية تسديد الديون نتيجة وجود فوائد مالية ضخمة، وتنامي العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي".

ويرى خبراء أن رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 0.25 نقطة مئوية ليصل إلى 5% هو أحد الأسباب التي أدت إلى سياسات التسريح الجماعي.

رفع الفائدة يزيد من الخسائر

وهو ما يفسره الباحث والمحلل السياسي في الشأن الأمريكي، الأستاذ توفيق طعمة، بأن "تكرار رفع نسبة الفائدة من قبل الإدارة الأمريكية لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، سبب مشاكل كثيرة للبنوك والمستثمرين وطالبي القروض".

ويضيف لـTRT عربي أن "شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وأبل وغوغل وغيرها كثير تعتمد بشكل كبير على هذه القروض، وإذا كانت نسبة الفائدة عالية فهذا سيكبدها خسائر فادحة، وبالتالي ستعمل الشركات على تخفيف أعمالها وتسريح عشرات آلاف الموظفين".

على صعيد متصل يشير الخبراء إلى التداعيات الاقتصادية التي تفرضها الحرب الأوكرانية في ظل المليارات التي تتدفق على شكل مساعدات من واشنطن إلى كييف وهو الأمر الذي بات يثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي.

حتى إن جائحة كورونا التي اجتاحت غالبية دول العالم على مدار عامين، وفرضت حالة من الإغلاق الشامل والعمل عن بعد وما تلاها من تبعات كان لها دور في أزمة التسريح التي تشتد وتيرتها يوماً بعد يوم، حسب الخبراء.

وهو ما أكده الأكاديمي والباحث الاقتصادي أحمد ذكر الله بالقول إن "الاعتياد على نظام العمل من المنزل بفعل جائحة كورونا دفع هذه الشركات لتوظيف أعداد هائلة من الموظفين عن بعد لفترة كبيرة من الوقت. إلا أنه بعد عودة الحياة إلى طبيعتها وانحسار الجائحة لم تعد حاجة إلى هذه الأعداد، بالتالي باتت تشكل عبئاً على الشركات".

ويضيف ذكر الله لـTRT عربي: "توجد حالة من عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الشركات تلجأ إلى تخفيض العمالة والتكاليف لتحقق المزيد من الأرباح . بخاصة مع وجود عقائد راسخة لدى الشركات بأن العامل الأول الذي يسبب زيادة التكاليف وارتفاعها هو زيادة عدد الموظفين لديها، وبالتالي فإن خفض أعدادهم سيزيد من أرباحها مستقبلا".

ويرى خبراء أن ما تمر به الشركات هو ما يسمى دورة حياة المنتج الإلكتروني، الذي وصل إلى مرحلة النضج، عندها يتشبع السوق من هذه المنتجات. وبالتالي فإن تخوف هذه الشركات من انخفاض مبيعاتها يجعلها تقلص أعداد الموظفين لتضمن أرباحاً أكثر خلال الفترة القادمة.

وهنا يصف الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة "مبدأ الشركات المبني على الاقتصاد الكلاسيكي الذي ينص على ربحيتها"، ويشرح ذلك في معرض حديثه مع TRT عربي بالقول: "لا يمكن لأي مساهم في الشركة أن يتحمل خسائر في دفع الأجور لموظفين لا يوجد عمل لهم داخل الشركة"، وشدد على أن عملية التسريح هذه تجد لها ظهيراً قانونياً في الولايات المتحدة وبريطانيا، وإلى حد ما في الدول الأوروبية أيضاً".

ويقول عجاقة إن "قطاع التكنولوجيا مصنف كقطاع خطر، وبالتالي الاستثمارات في هذا القطاع تتطلب عائدات أعلى من عائدات السوق. وعندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي صار صعباً على قطاع التكنولوجيا تأمين عائدات أعلى. وبالتالي تراجع القطاع، ولضمان استمرارية تدفق الأرباح وُجد توجه إلى تسريح العمال لخفض الكلفة".

وتأتي عمليات التسريح في فترة تباطؤ النمو، وارتفاع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، ومخاوف من ركود محتمل العام المقبل خصوصاً بعدما انهار بنك وادي السيليكون (SVB) في 10 مارس/آذار الماضي إثر سحب المودعين أرصدتهم، ما تسبب في أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية عام 2008.

انعكس ذلك بأرقام خيالية على أعداد تسريح الموظفين التي سجلتها الشركات التكنولوجية الكبرى خلال مرحلة التعافي من كورونا.

مثلاً سرّحت "مايكروسوفت" ما يقارب ألفاً تحت اسم التغيير في الإجراءات الهيكلية، فيما تنوي تسريح 10 آلاف حسب الرئيس التنفيذي للشركة ساتيا ناديلا.

كما قلصت "سناب شات" 20% من قوتها العاملة التي تتجاوز 6 آلاف موظف، واستغنت "سترايب" المتخصصة بالتكنولوجيا المالية عن نحو 14% من قوتها العاملة.

وجمدت "أبل" عمليات التوظيف ووقفت تقديم وجبات غداء مجانية للموظفين في حرم الشركة.

فيما ستسرح "ميتا" مالكة "فيسبوك" 10 آلاف موظف آخر إضافة إلى 11 ألفاً أعلن عن تسريحهم بنوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حسب الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرغ.

كما أثرت موجة التسريحات في شركة أمازون على 18 ألف موظف من أصل 1.5 مليون موظف، وهو أعلى معدل تقليص للوظائف في شركة تكنولوجية أمريكية كبرى، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

ويتوقع الخبراء موجة جديدة من التسريح الجماعي للموظفين في عالم التكنولوجيا، لكن إذا وُجدت فرصة للتحرر من عقلية التفكير الجمعي لشركات التكنولوجيا، فالفرصة سانحة الآن.

TRT عربي