تابعنا
تصاعدت وتيرة الاغتيالات للرموز العربية بريف محافظة دير الزور (شرقي سوريا) الواقعة تحت سيطرة مليشيات YPG/PKK، لتصل إلى رئيس المجلس المدني بدير الزور "غسان اليوسف" ذي القرابة بعشيرة البقارة، في محاولة نجا منها وقتل مرافقه.

تلك المحاولة التي لا تقل في أهميتها عن اغتيال "مطشر الهفل" أحد شيوخ عشيرة العكيدات (أكبر عشائر المنطقة) تعكس عمق المشكلة التي تواجهها مليشيات PYD بمنطقة تُشكِّل العشائر العربية بنيتها الاجتماعية الكاملة، وهذا ما يدخلها في نزاعات دائمة مع مليشيات PYD على حق امتلاك القرار السياسي وتقرير مصير المنطقة من جهة وعلى ضرورة تسخير إيرادات النفط لتنمية المنطقة بدلاً من تصديره إلى النظام السوري من جهة ثانية، ناهيك بتردي الحالة الأمنية وارتفاع وتيرة الاغتيالات.

شعور بالغبن

أثار استيلاء سلطة الأمر الواقع على مفصلَي السياسة والاقتصاد شعوراً بالغبن أدّى إلى حالة احتقان عبَّرت عنها العشائر العربية بمظاهرات وعصيان مدني وقطع الطرقات أكثر من مرة لشل حركة مليشيات PYD، مما أضاف على قائمة اغتيال شيوخ العشائر ووجهائها نشطاء في المجتمع المدني كان لهم دور كبير في تنمية المنطقة وتوعية أبنائها بحقوقهم، وكان من بينهم منسق برنامج الدعم المجتمعي USAID الذي تشرف عليه الخارجية الأمريكية "عبود المحيمد"، إضافة إلى محاولة اغتيال رئيس المجلس المدني الذي يعتبر من بين المؤسسات التي لا ترضى عنها مليشيات PYD.

يقول مصدر من وفد المجلس المدني الذي تعرَّض لمحاولة اغتيال إن التهديدات المتكررة لأعضاء المجلس المدني من أبناء المنطقة تزايدت بعد محاولات مليشيات PYD تطويع المنطقة من خلال "مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات" الذي مُني بالفشل عقب مقاطعة شيخي عشيرة البقارة والعكيدات، مما أدى إلى عدم حضور مسؤولي التحالف الدولي ومندوب الخارجية الأمريكية، فضلاً عن خروج رئيس المجلس المدني من المؤتمر احتجاجاً على عدم جدية مليشيات PYD في وعودها، ما أثار غضب سلطة الأمر الواقع، أما ما زاد في تأجيج الأزمة فقد كان اللقاء الذي أطلق عليه اسم الندوة الفراتية في ديسمبر/كانون الأول 2020 بدعوة من نشطاء المجتمع المدني وشخصيات عشائرية، وحضره مسؤولو الإدارة الذاتية والمجالس والوجهاء والشيوخ وممثلون عن التحالف الدولي والخارجية الأمريكية.

ويضيف المصدر أنّ ما طرحه رئيس المجلس المدني خلال الندوة الفراتية تعدّى موضوع المطالبة إلى عرض وثائق تثبت فشل مليشيات PYD في إدارة المنطقة بالأرقام، إذ كيف لمحافظة تنتج أكثر من 50 ألف برميل نفط يومياً لا يصل إليها سوى 12 صهريجاً من المحروقات، علما أنّ سد الاحتياجات يلزمه أكثر من 35 صهريجاً، وكيف لمحافظة يقطنها أكثر من نصف عدد سكان مناطق سيطرة مليشيات PYD تصل إليها ذات القيمة المالية التي صرفت لأصغر منطقة لمواجهة كورونا؟ "أليس هذا تعمُّد لإخضاع العشائر العربية بالقوة؟".

هذه الأرقام فضلاً عن احتجاج أبناء المنطقة على زيارة الرئيسة التنفيذية لمجلس مليشيات PYD "إلهام أحمد" إلى روسيا وتوقيع مذكرة تفاهم -من دون مشاورتهم- مع حزب الإرادة الشعبية الذي يقوده قدري جميل، ورفضهم فقرة تنص على أن “الإدارة الذاتية لشمالي سوريا وشرقيها ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلد وحاجات المنطقة التي أنتجتها الأزمة"، اعتبرته مليشيات PYD تجاوزاً للخطوط الحمراء، لتكون النتيجة إطلاق النار على وفد المجلس المدني من قِبل حاجز لمليشيات PYD في منطقة الكرامة التابعة لمحافظة الرقة بعد عودتهم من اجتماع عُقد فيها.

فض الشراكة

طبيعة مليشيات PYD المتأتية من تنظيم YPG/PKK الإرهابي لا تقبل التفاوض أو التنازل بأي شكل من الأشكال، وهذا ما دفع العشائر العربية لتخطي مليشيات PYD والتفاوض مع التحالف الدولي مباشرة، على اعتبارهم أبناء المنطقة وهم الأعلم باحتياجاتها وطريقة إدارتها بناء على فهم التركيبة الاجتماعية ومتطلبات المنطقة.

يقول مصدر كان من بين المجتمعين إن الاجتماع الذي حضره ممثل الخارجية الأمريكية وممثل التحالف الدولي ووجهاء عشائر وشخصيات نافذة في المجتمع المدني والمجلس المدني انتهى بإطلاق تهديدات بأن أبناء المنطقة ذاهبون إلى انتزاع استقلالهم بالقوة أياً كانت النتائج إن لم يكن لهم دور في القرار السياسي وإعطائهم الصلاحيات الكاملة لإدارة مناطقهم.

لماذا الاغتيالات؟

عندما تغيب لغة الحوار عن فكر التنظيمات الإرهابية الراديكالية وبطبيعة الحال YPG/PKK أحدها، يحل محلها مفهوم الجريمة المنظّمة، وهذا بالضبط ما تنتهجه مليشيات PYD متّكئة على موروثها الذي اكتسبته قياداتها في جبال قنديل، وإن كان هذا المفهوم يحقق ما تريده تلك التنظيمات في بعض الحالات، فإنّه غير فعّال في المجتمعات المتماسكة وعلى رأسها مجتمع دير الزور العشائري، وإن كانت العشائر غير متفقة فيما بينها على أمور كثيرة فإنّ المخاطر الخارجية وعلى رأسها الاغتيالات تدفعها إلى التكاتف بمعزل عن الخلافات الداخلية فيما بينها.

يرى عضو مجلس القبائل والعشائر "فيصل الزيانات" أن ما يدور في المنطقة من اغتيالات للرموز الاجتماعية يقصد منها استبدال شخصيات تتماشى مع ما تريد مليشيات PYD تنفيذه في المنطقة وعلى رأسها مشروعها الانفصالي، بالرموز التاريخية الموجودة في المنطقة.

فيما يذهب المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر مضر الأسعد خلال حديث إلى TRT عربي إلى أنّ هدف مليشيات PYD هو عملية إفراغ المنطقة العربية من قياداتها السياسية والاقتصادية والعشائرية من خلال عمليات الاغتيال والتجنيد الإجباري الذي طال حتى الكوادر التعليمية، هذا فضلاً عن سعيهم لإخضاع المنطقة بعيداً عن الأصوات التي تتعالى فيها.

تظاهرات شرق سوريا (AA)

ويضيف أنّ "سياسة مليشيات PYD هي السيطرة الكاملة على المنطقة من خلال سيطرتهم على مقدَّراتها وتجهيل أبنائها وإسكات الأصوات المعارضة لهم" وأنّ المسؤولية فيما يجري تقع على عاتق التحالف الدولي على اعتباره القوة النافذة في تلك المنطقة.

توتر متصاعد

لم تفلح مساعي مليشيات PYD إذن -بما فيها عمليات الاغتيال- بإخضاع أبناء العشائر العربية بدير الزور، وما يؤكد ذلك نفيهم ما جاء في بيان مليشيات PYD بأن استهداف سيارة رئيس المجلس المدني كان بسبب عبورهم الحاجز بلا تمهل، إذ أكد شهود عيان أن السيارات تمهلت عند الحاجز وسمح الحاجز لها بالمرور، هذا فضلاً عن معرفة الحاجز المسبقة بسيارات المجلس المدني التي مرت به قبل ساعات في طريق ذهابها إلى محافظة الرقة.

ولا يبدو أن الاحتجاجات ستتقلص ما دام إصرار أبناء المنطقة على نيل حقوقهم السياسية والتنفيذية يتنامى وسط تجاهل تام من الطرف الآخر، وهذا ما ينذر بتطور الاحتجاجات العشائرية الحالية من مفهومها السلمي إلى كفاح مسلح نحو الاستقلال، لا سيما أن تاريخ المنطقة مليء بالشواهد على مثل تلك الحالات، أهمها ثورة أبناء العشائر نحو الاستقلال إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، وإن كانت العشائر -من وجهة نظرها- قاومت دولة عظمى منذ مئة عام، فليس من الصعب أن يعيد التاريخ نفسه مع تنظيم إرهابي لم يضع أي اعتبار لطبيعة المجتمع وتقاليده اليوم.

TRT عربي