كشف تسريب لبيانات 30 ألف عميل لـ"كريديت سويس" عن جرائم فساد مالي كبيرة. (Steffen Schmidt/AP)
تابعنا

فضيحة مالية جديدة تلك لتي كشفها ملفّ "أسرار سويسرا" الذي همَّ البحث في بيانات 30 ألف عميل مسرَّبة من بنك "كريديت سويس"، ثاني أكبر بنك في البلاد، إذ أظهرت تلك البيانات التساهل الكبير للبنك في مراجعة حسابات عملائه، وتمكين مجموعة من القتلة وتجار المخدرات ومبيّضي الأموال والسياسيين الفاسدين من خدماته.

بيانات دأب على البحث فيها وتحليلها فريق من 160 صحفياً و48 مؤسسة إعلامية، على رأسها صحيفتا نيويورك التايمز الأمريكية والغارديان البريطانية. ذلك بعد أن تحصَّلت عليها أول الأمر صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية التي قالت إنها "تلقّت البيانات من مصدر مجهول على صندوق بريد رقمي آمن منذ أكثر من عام"، وأشارت إلى أنه "من غير الواضح ما إذا كان المصدر فرداً أو جماعة". كما أكدت أنها "لم تدفع أي مبالغ مالية من أجل الحصول عليها".

وتكشف هذه البيانات المسرَّبة أن البنك منذ مطلع أربعينيات القرن الماضي حتى نهاية 2010 "استقبل أموالاً مرتبطة بالجريمة والفساد" بقيمة 100 مليار دولار. كما تكشف أن معظم أصحاب تلك البيانات قادمون من دول نامية، فيما لا يشكّل الأوروبيون منهم سوى نسبة 1%. ومن بين هؤلاء العملاء وجوه سياسية عربية بارزة، هرَّبت أموالها إلى هناك إبان فترة الربيع العربي، وبالتالي يواجه البنك اتهامات بتمكين هؤلاء من وسيلة لنهب بلدانهم، والهروب من المحاسبة.

فضيحة "كريديت سويس"

يهدف مشروع "أسرار سويسرا" إلى تسليط الضوء على أحد أكبر المراكز المالية في العالم، الذي اعتاد العمل في الظلّ، بكشفه الطرق التي يتعامل بها مع زبنائه من المجرمين وغاسلي الأموال، الذين تمكنوا من فتح حسابات مصرفية أو إبقائها مفتوحة لسنوات بعد انكشاف جرائمهم، بما يؤشر على تواطؤ البنك السويسري في ذلك. كما يهدف إلى كشف كيف ساعدت قوانين السرية المصرفية الشهيرة في سويسرا على تسهيل نهب البلدان في العالم النامي.

الأمر يتعلق بـ"كريديت سويس"، ثاني أضخم مؤسسة بنكية في المنظومة المالية السويسرية، الذي يدير ما مقداره 1.74 ترليون دولار من الأصول المالية، إذ تكشف البيانات البنكية المسربة منه أنه استقبل لعقود أموال فساد تُقدَّر بـ100 مليار دولار. هؤلاء العملاء الذين وكل إليهم نحو 3500 من مديري العلاقات منتشرين حول العالم، فيما أبرز الدول التي اندرج عملاؤها في هذه البيانات هي: مصر وفنيزويلا بأزيد من 2000 عميل، وتايلاند وأوكرانيا بأزيد من ألف.

ومن هؤلاء العملاء رودوليوب رادولوفيتش، محتال صربي وبارون مخدرات أدانته محكمة بلغراد في الاتجار بالكوكايين، امتلك حسابين في البنك السويسري، الأول يعود إلى سنة 2005، بعد سنة من محكامته المفوضية الأمريكية للأمن المالي والمبادلات له بتهمة الاحتيال، وواحد منهما كان يحتوي على مبلغ قدره 3.71 مليون دولار. ويقضي رادولوفيتش عقوبة السجن لـ10 سنوات في قضية اتجار بالمخدرات.

عميل آخر هو إدوار سيديل، الموظف الألماني بعملاق الصناعات الإلكترونية "سييمانس"، المحكوم عليه في قضايا تقديم رشوة لمسؤولين نيجيريين فاسدين لقاء أعمال الشركة هناك. وإلى حدود 2010 تركت "كريديت سويس" حساب الموظف الألماني مفتوحاً إلى حدود العقد الأخير، الذي كان يحوي مبلغاً يفوق 62 مليون دولار.

حسب صحيفة الغارديان، فإن تسريباً لتقرير داخلي سنة 2017، كشف كيف يتعامل البنك السويسري مع عملائه، إذ قال التقرير إن العملاء سيواجهون تدقيقاً مكثفاً، وسيتم تصنيفهم كشخص مكشوف سياسيًّا من بلد شديد الخطورة، أو شخص متورط في نشاط شديد الخطورة مثل المقامرة أو تجارة الأسلحة أو الخدمات المالية أو التعدين. هذه المعطيات التي تُظهِر أن إدارة "كريديت سويس" كانت على معرفة بهُويَّة مَن كانت تتعامل معهم، وبالتالي فهذا مؤشّر إلى تواطئها في تلك الأعمال الإجرامية.

وسائل لنهب الدول.. منها العربية!

وحسب الغارديان، فإن واحدة أكثر الفضائح التي كشفتها بيانات "كريديت سويس" تتعلق بالدكتاتور الفلبيني الفاسد فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا، إذ تشير التقديرات إلى أن الزوجين سرقا ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الفلبين خلال الفترات الثلاث التي كان فرديناند رئيساً للبلاد، والتي انتهت في عام 1986. وسمح لهم البنك سنة 1995 بفتح حسابات عليه بأسماء وهمية، كما تكشف البيانات حساباً باسم محامٍ أُدينَ في مساعدة الزوجين بغسل أموالهما تلك.

كذلك حملت تلك البيانات اسم بافلو لازارينكو، رئيس الوزراء الأوكراني السابق ما بين 1997 و1998، أي على مدى سنة واحدة كانت كافية له لنهب 200 مليون دولار من الحكومة الأوكرانية، من خلال التهديد بإلحاق الضرر بالأعمال التجارية ما لم يدفعوا له إتاوة 50% من أرباحهم.

بالنسبة إلى الدول العربية، ظهر اسم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كواحد من ملاك الحسابات في "كريديت سويس"، إضافةً إلى نجلَي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إذ امتدّت علاقة الأخوين بالبنك إلى عقود منذ افتتاح أول حساب لهما سنة 1993، وامتلكا ستة حسابات مختلفة طوال تلك الفترة، وبلغ رصيدهما 253 مليون دولار سنة واحدة فقط قبل الثورة التي أطاحت بعائلتهما عن عرش مصر.

كذلك ظهر اسم وزير الدفاع الجزائري خالد نزار، أحد الوجوه البارزة خلال فترة العشرية السوداء التي عرفتها البلاد، المتهَم بارتكاب انتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان ونهب مقدرات الشعب الجزائري.

فيما دافع البنك السويسري عن نفسه مقللاً أهمية ما كشفته البيانات بالقول إن "الأمور المعروضة في أغلبها تاريخية، وتعود في بعض الحالات إلى أربعينيات القرن الماضي، وتستند إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية مقتطعة من سياقها"، متهِماً الصحفيين بـ"تضافر الجهود لتشويه سمعة البنك والسوق المالية السويسرية، التي شهدت تغيرات كبيرة على مدى السنوات العديدة الماضية".

ويُجمِع فريق عمل "أسرار سويسرا" على أن قوانين السرية المرتبطة بالنظام المالي السويسري تمكن الفاسدين والمجرمين في العالم من الإفلات من المتابعة، كما تقدم وسائل سهلة للسياسيين في الدول النامية من أجل نهب مقدرات بلدانهم في انتهاك لحق تلك الشعوب في المعلومة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً