الأمين العامّ لحزب الله اللبناني حسن نصر الله (AP)
تابعنا

بينما يعيش لبنان على وقع سلسلة من الأزمات الحادة والمتراكمة، فاقمت التوترات الديبلوماسية الأخيرة من متاعبه أكثر، وألقت بظلالها على الأوضاع الداخلية التي تشهد تردياً بالأساس على مستوياتها كافة.

فعلى خلفية التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي اعتبر فيها أن جماعة الحوثي "يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي"، وأن "منازلهم وقراهم وجنازاتهم وأفراحهم تتعرض للقصف بالطائرات" التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية، اندلع فتيل أزمة حادة بين لبنان والسعودية امتدّ صداه إلى عدد من دول الخليج.

وبعد أن بدأ الخلاف يزداد تعقيداً ويأخذ أبعاداً أخرى، قرّر وزير الإعلام اللبناني نتيجة لعديد من الضغوط الاستقالة، في خطوة كانت الحكومة اللبنانية تتطلع عبرها إلى حلّ الأزمة التي هي في غنى عنها، بخاصة في ظل الظروف التي تمر بها.

ولكن يبدو أن جهود الحكومة اللبنانية قد تبوء بالفشل، بخاصة بعد تجديد حزب الله اللبناني على لسان أمينه العامّ حسن نصر الله، الهجوم على السعودية.

حزب الله والسعودية.. حرب تصريحات

لطالما اتهمت السعودية حزب الله اللبناني بهيمنته على مفاصل الدولة، ووقوفه وراء الأزمات التي يغرق لبنان في أوحالها منذ سنوات طويلة. جاء ذلك على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، خلال اجتماع مجلس الشورى السعودي، إذ دعا السلطات اللبنانية إلى إنهاء هيمنة حزب الله في لبنان قائلاً: "تقف المملكة إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، وتحثّ جميع القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها".

من جانبه كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال في تصريح إعلامي سابق له خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن "الأزمة مع لبنان تعود أصولها إلى هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية".

وردّاً على هذه التصريحات اتهم الأمين العامّ لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بدوره، السعودية بدعم الإرهاب.

وقال نصر الله في كلمة متلفزة ألقاها يوم الاثنين 3 يناير/كانون الثاني الجاري، بمناسبة الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وأبو مهدي المهندس النائب السابق لرئيس الحشد الشعبي العراقي: "إن الملك سلمان قد طالب اللبنانيين بالوقوف في وجه هيمنة حزب الله الإرهابي"، وأضاف: "إذا هناك أناس خائفون فتحَ فمهم في هذا البلد نحن لا نخاف، نحن عندنا كرامتنا".

وأضاف نصر الله موجهاً كلمته إلى الملك سلمان قائلاً: "يا حضرة الملك، الإرهابي هو الذي صدّر الفكر الوهابي الداعشي إلى العالم وهو أنتم، الإرهابي هو الذي أرسل آلاف السعوديين لينفّذوا عمليات انتحارية في العراق وفي سوريا وهو أنتم، الإرهابي هو الذي يشنّ حرباً 7 سنوات على الشعب المظلوم في اليمن ويقتل الأطفال والنساء ويدمر البشر والحجر وهو أنتم"، على حد تعبيره.

وتابع: "الإرهابي هو الذي يقف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في كل حروبها ويفتح لها أرضه وقواعده العسكرية لتمارس جرائمها ضد الإنسانية وهو أنتم، الإرهابي هو الذي يموّل كل جماعات الفتن والحروب الأهلية في لبنان والمنطقة وهو أنتم".

وردّاً على اتهامه بتخريب العلاقات مع السعودية قال نصر الله: "الإرهابي أيها اللبنانيون الذي يحتجز عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من اللبنانيين في السعودية والخليج يتخذهم رهائن يهدد بهم لبنان ودولة لبنان كل يوم، إذا حكيتم يطردهم ويحرمهم من أموالهم وممتلكاتهم، إذا فتحتم فمكم يرمونهم في السجون، هذا إرهاب أم لا؟".

ولم تكن تصريحات نصر الله العنيفة في هذه المرة، هي الأولى من نوعها في الحرب الكلامية المشتعلة بين حزب الله والسعودية منذ سنوات على خلفية عدة ملفات شائكة في المنطقة، كحرب اليمن وسوريا، ولكنها قد تُعَدّ هذه المرة فارقة، لأنها تتزامن مع تصاعد الأزمة بين لبنان والسعودية ودول الخليج بعد تصريحات قرداحي الأخيرة.

الحكومة اللبنانية تتبرأ من تصريحات نصر الله

بعد أن تبرأ منذ أسابيع من تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي التي أججت الخلاف مع السعودية، واعتبر أنها لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية إطلاقاً، داعياً مَن وصفهم بالشركاء العرب إلى "تنحية الأزمة الدبلوماسية الناتجة عن تصريحات وزير الإعلام وراءهم"، من جديد يتنصل رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، مما ورد في تصريحات حسن نصر الله.

جاء ذلك في تصريح إعلامي لميقاتي نقلته عنه الوكالة الوطنية للإعلام قال فيه: "طالما دعونا إلى اعتماد النأي بالنفس عن الخلافات العربية، وعدم الإساءة إلى علاقات لبنان مع الدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية، ومن هذا المنطلق كانت دعوتنا إلى أن يكون موضوع السياسة الخارجية على طاولة الحوار، لتجنيب لبنان تداعيات ما لا طائل له منه".

وأضاف ميقاتي: "ما قاله نصر الله بحق المملكة العربية السعودية هذا المساء، لا يمثّل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين، وليس من مصلحة لبنان الإساءة إلى أي دولة عربية، خصوصاً دول الخليج".

وتابع قائلاً: "فيما نحن ننادي بأن يكون حزب الله جزءاً من الحالة اللبنانية المتنوعة ولبناني الانتماء، تخالف قيادته هذا التوجه بمواقف تسيء إلى اللبنانيين أولاً، وإلى علاقات لبنان مع أشقائه ثانياً".

ودعا ميقاتي الجميع إلى "الرأفة بهذا الوطن، وإبعاده عن المهاترات التي لا طائل منها" على حد توصيفه.

ولم يصدر في المقابل أي تصريح رسمي عن السلطات السعودية، في ما يتعلق بتصريحات حسن نصر الله، فيما كتب سفير السعودية في لبنان وليد بخاري في تغريدة على حسابه في تويتر :" افتراءات أبي رغال العصر وأكاذيبه لا يسترها الليل وإن طال ولا مغيب الشمس ولو حُرمت الشروق والزوال!".

وفي الوقت الذي يتخوف فيه لبنان من الرجوع إلى مربع الأزمة مع الخليج، يؤكّد خبراء ومحللون أن تصريحات قرداحي ونصر الله ليست السبب الوحيد في الخلاف بين هذه الأطراف، بل يعود ذلك أيضاً إلى تضارب وتباين المواقف بين بيروت والرياض في عدة ملفات، كحربَي سوريا واليمن، ومحاولات تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية، وغيرها من الملفات المعقدة، التي قد تؤججها تصريحات يبدو لبنان في غنىً عنها في ظلّ ما يمر به من أزمات.

TRT عربي