تقع منطقة الخليج ضمن المناطق الجغرافية حول العالم التي تواجه خطر ارتفاع "درجة حرارة المصباح الرطب" على نحو قاتل لا يمكن للإنسان التعايش معه (Hasan Jamali/AP)
تابعنا

بات مستقبل منطقة الخليج العربي خلال الأعوام الماضية محلّ حديث خبراء ومراقبين حول العالم، جرّاء مخاطر بيئية تتعلّق بالتغيّر المناخي، إضافة إلى الحديث المتكرّر عن نفاد النفط وما يترتّب عليه من أزمات اقتصادية وسياسية في دول تعتمد اقتصاداتها بشكل أساسي على إيرادات البترول والغاز الطبيعي.

ويشير عدد من الدراسات إلى أنّ الخليج العربي يقع ضمن المناطق التي تواجه خطراً مدمراً جرّاء موجات الحرارة المتصاعدة الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، والتي بدورها تتزامن مع عملية نضوب النفط.

ويوصي الخبراء بتغيير بوصلة موارد الطاقة بدول الخليج العربي من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة النظيفة المتجدّدة، وهو ما شرعت دول خليجية في تنفيذه تُجنّباً للمصير الكارثي الذي ورد في عديد من التقارير الدولية.

كما أنّ التوجّه المغاير والسياسات البيئية التي ينتهجها بعض دول الخليج خلال الأعوام الماضية قد تقلّل احتمالية تأثُّر دول الخليج بالكوارث الطبيعية الناتجة عن الظاهرة، بل وتجعلها في مقدمة الدول ذات الاقتصاد النظيف، حال نجاح توسيع نطاق سياسات البيئية النظيفة.

أجواء قاتلة جرّاء التغير المناخي

وفي مقدمة الكوارث التي قد تنتج عن التغير المناخي، يأتي عامل "درجة حرارة المصباح الرطب" (WBT)، وهو مقياس يستخدمه علماء البيئة لتحديد المناطق الجغرافية التي قد يصبح من الخطر على الإنسان العيش فيها مستقبلاً جرّاء ارتفاع درجات الحرارة.

وورد في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، أنّ منطقة الخليج تقع ضمن المناطق الجغرافية حول العالم التي تواجه خطر ارتفاع "درجة حرارة المصباح الرطب" على نحو قاتل لا يمكن للإنسان التعايش معه.

وبيّنت الدراسة أن الإنسان يواجه خطراً جسيماً حال ارتفاع درجة "WBT"، لا لارتفاع درجات حرارة الجو فحسب بل نتيجة كمية الماء الموجودة في الهواء، إذ يتمتّع الجسم بمرونة تكفيه للتعامل مع الحرارة العالية عن طريق التعرّق، لكن زيادة الرطوبة في الجو تعوق قدرته على تبريد نفسه، وهو ما يحدث بسبب تغير المناخ.

"ضربة مزدوجة"

يحذّر خبراء بيئيون من أنّ أزمة المناخ قد توجّه "ضربة مزدوجة" إلى منطقة الشرق الأوسط عموماً، من خلال "إنضاب دخلها من النفط، مع تحوّل العالم إلى مصادر الطاقة المتجدّدة وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات متطرّفة غير مواتية للحياة".

في هذا الصدّد يقول جيفري ساكس رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، عن تغيُّر المناخ وما يترتب عليه في الدول الغنيّة بالنفط: "نحن أمام مشكلات رهيبة (...)، هذه المنطقة هي مركز الوقود الأحفوري في العالم، لذا فإن كثيراً من اقتصاداتها يعتمد على وقود لم يعُد مواتياً للعصر، وعلينا وقف استخدامه".

ويتفق ساكس بذلك مع الباحثة والمتخصّصة في التغيّر المناخي ماري لومي، التي ترى أنّه "رغم احتواء دول الخليج على احتياطيات من النفط قد تكفي لقرن آخر"، فإنّ "الخليجيين لديهم بالفعل سبب للتخوّف"، لأنّ "تراجع الطلب العالمي قد يحصل مبكراً".

وتؤكّد لومي أنّ المجتمعات الخليجية ينتظرها "طريق طويل في سبيل بناء الهياكل المؤسساتية والاجتماعية، عندما ينتقل تركيز الصناعة العالمية مستقبلاً بعيداً عن صادرات الغاز والنفط".

استراتيجيات بديلة وخطوات إيجابية

حسب جيفري ساكس، فإنّه باستطاعة دول الخليج قلب المناخ الحارّ والشمس الحارقة من نقمة إلى نعمة، إذ قال إنّ "النبأ السار هو وجود كثير من أشعة الشمس لدرجة أنّ الحل موجود أمامهم، كل ما عليهم هو أن ينظروا إلى السماء، فأشعة الشمس توفّر لهم أساس اقتصاد جديد نظيف وأخضر".

وعمدت دول خليجية مؤخراً إلى تدشين خطط وبرامج بيئية لتنويع مصادر الطاقة والدخل القومي، من شأنها أن تجنّب المنطقة المصير الكارثي المزعوم.

وترى ماري لومي أنّه بالنظر إلى عدد سكان هذه الدول الصغير، ودخلها من صادرات النفط والغاز المرتفع، فإنّها في واقع الأمر "لديها مزيد من الموارد لتنويع الاقتصاد" والاعتماد أكثر على مصادر للطاقة المتجددة، إضافة إلى "بناء مجتمع معرفي وتخفيض كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".

بالفعل أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية للطاقة 2050، التي تهدف إلى رفع مساهمة الطاقة النظيفة من 25% إلى 50%، وخفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70%، كما تدشّن حالياً إمارة أبو ظبي محطة طاقة شمسية كبرى، ويأتي ذلك بجانب إطلاق محطة "براكة" كأولى محطات الطاقة النوويّة بغرض توليد الكهرباء في البلاد.

وأفاد تنزيد علم، مدير "إيرث ماترز" للاستشارة المتخصصة في البيئة، ومقرّها دبي، بأنّ في الإمارات مزيداً من الاهتمام بالمخاطر البيئية الناتجة عن تغيّر المناخ.

من جانبها أعلنت السعودية، وهي المصدر الأكبر للنفط في العالم، إطلاقها عديد من الإصلاحات الداخلية لتنويع الاقتصاد، وتضمّن ذلك عدداً من المشاريع البيئية الكبرى، مع التركيز الكبير على الطاقة الشمسية كأحد أهمّ مصادر الطاقة المستدامة.

TRT عربي