موقع تويتر من بين أكثر المنصات الرقمية رواجاً في المملكة العربية السعودية (AFP)
تابعنا

كان لمواقع التواصل الاجتماعي نصيب الأسد في تفجير ثورات الربيع العربي عام 2011، وبالتحديد موقع تويتر الذي كان من أوائل المواقع التي حجبتها الأنظمة الاستبدادية لقمع وتقليل حدة طوفان الثورات. وبالرغم من ذلك، لم يسعف الوقت هؤلاء فأخذت الأنظمة تتهاوى واحدة تلو الأخرى. لكن الأمر كان بمثابة نَذيرُ للأنظمة العربية التي لم تكن قد وصلتها موجة الثورات بعد.

فمع تفطن الحكام العرب لخطورة وسائل التواصل الإجتماعي على عروشهم، طفقوا يبحثون عن أشكال مختلفة لتعقب وقمع المعارضين من النشطاء على وسائل التواصل. وعلى هذا المنوال، اتبع محمد بن سلمان -الذي يقدم نفسه للعالم الخارجي باعتباره رائد الإصلاح- أساليب عدة لكي يخترق حسابات وأجهزة إلكترونية تابعة لمعارضين سعوديين، خصوصاً من هم مقيمون خارج البلاد.

في هذا الصدد جاء تصريح الناشط عمر عبد العزيز الزهراني -المعارض السعودي الحاصل على حق اللجوء بكندا والذي أشتهر بقربه من الصحفي جمال خاشقجي خلال الفترة الأخيرة من حياته قبل اغتياله على يد النظام السعودي- الذي قال إن: "في دولة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة، يوجد لديهم الكونجرس. أما في المملكة العربية السعودية، كل ما لدينا هو تويتر، لم يكن مجرد منصة نتحدث فيها عما نؤمن به، بل كان مكاناً نجتمع فيه، حيث نقابل أشخاصاً ممن يشاركوننا الأفكار والمعتقدات المتشابهة وهؤلاء الذين يحاولون القيام بأي شيء بشكل سلمي لتغيير الوضع في بلدنا ".

أولى علامات الاختراق

قبل التصريح الذي أدلى به الناشط عبد العزيز بسنوات، كان بن سلمان يعرف جيداً الأهمية التي تحملها منصة تويتر لمعارضيه، فالرجل القوي في المملكة يأبى أن يعلو صوت فوق صوته. ففي العام 2019 أقام الناشط عمر عبد العزيز -صاحب الـ30 عاماً- دعوى قضائية ضد موقع تويتر بسبب عدم إبلاغ الموقع إياه بشأن اختراق الحكومة السعودية لحسابه، ما عرضه وأسرته لمخاطر. وهو أيضاً ما جعل الناشط الشاب يكتشف أن تنصت النظام السعودي على حسابه مرتبط بشكل مباشر باغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

فمع تلقي عبد العزيز المقيم بمونتريال رسالة مشفرة من تويتر تفيد بأنه قد جرى اختراق حسابه من قبل جهة "برعاية الدولة"، نصحته الشركة أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية معلوماته الشخصية، ولم يُقدم له أي تفاصيل إضافية. هنا أوجس عبد العزيز خيفة أن يكون هذا الاختراق قد تسبب في مقتل خاشقجي لاحقاً بقنصلية بلاده بإسطنبول على يد المخابرات السعودية، والتي بدا الآن أنها كانت تتجسس على مئات الرسائل بينه وبين الراحل خاشقجي، مما جعل الرجل ينفجر غضباً ويشرع في فضح المؤامرة التي كان النظام السعودي وشركة تويتر طرفيها الأساسيين حسب قوله.

نفوذ السعودية داخل تويتر

"السلطات الكندية حصلت على معلومات تفيد أنني قد أكون هدفاً محتملاً للسعودية". هذا ما قاله عبد العزيز لصحيفة الغارديان البريطانية وكذلك بثه في فيديو على حسابه الشخصي بموقع تويتر. "محمد بن سلمان ورجاله يريدون إلحاق الأذى بي. هم يريدون القيام بشيء ما ضدي، لكنني لا أعرف تماماً ما هو. هل يتعلق الأمر باعتداء أم باختطاف؟ لا أعرف، لكن هذا أمر غير مقبول".

وفقاً للدعوى المقدمة من طرف عبد العزيز، فقد تمكن عملاء سعوديون في يونيو/حزيران 2018 من زراعة برمجيات خبيثة في هاتف عبد العزيز، مما سمح لهم بالتجسس على أنشطته. وكان عبد العزيز وخاشقجي في ذلك الوقت يخططان لمشروع “النحل الإلكتروني”، والذي كان يستهدف تنظيم النشطاء السعوديين المعارضين على تويتر لمواجهة الحملات الحكومية المعروفة باسم “الذباب الإلكتروني”. ومن المرجح أن نظام بن سلمان اكتشف تحركات خاشقجي من خلال تصنته على تلك المحادثات، وأعد العدة لاغتياله فور زيارته للقنصلية السعودية بإسطنبول.

أفادت مذكرة صادرة عن محكمة مقاطعة كاليفورنيا الشمالية أنها كشفت عن زرع جاسوسين سعوديين داخل تويتر بهدف التجسس على نشطاء معارضين سعوديين. أظهرت تلك المذكرة أسماء أشخاص متهمين مثل أحمد أبو عمو وهو مواطن أمريكي-لبناني مزدوج الجنسية، كان في ذلك الوقت رئيساً لشركات تويتر في الشرق الأوسط، وكان مكلفاً أيضاً بإدارة حسابات السعوديين على تويتر.

من ضمن لائحة الاتهام جاء اسم علي آل زبارة المتهم بتسريب بيانات شخصية لمعارضين سعوديين مثل رسائل البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف، والرسائل النصية المباشرة، وعناوين IP لـ6000 مستخدم. يشار إلى أن آل زبارة تولّى منصب الإدارة التنفيذية لمؤسسة محمد بن سلمان الخيرية "مسك"، وذلك عقب طرده من تويتر على إثر تلك الحادثة. وكشفت المذكرة أن هذا الاختراق قد جرى بتنسيق من أبو عمو وآل زبارة مع بدر العساكر وهو مدير مكتب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وفي سياق متصل، أكد مارك كليمان المحامي الخاص بالناشط عمر عبد العزيز أنه :"يبدو جليّاً أن ثمة أثراً مباشراً للدم نراه يتساقط من هذا الاختراق، والذي أدى في نهاية المطاف إلى مقتل جمال خاشقجي". كليمان كان قد أشار أيضاً إلى أن لقاء جاك دورسي، أحد مؤسسي تويتر ورئيسه التنفيذي الحالي، مع ولي العهد السعودي في نيويورك عام 2016 جاء كدليل حي على التعاون بين الطرفين: "هذه الصورة التي وضعنا أيدينا عليها رائعة! لقد انحنى دورسي واتجه نحو محمد بن سلمان ليصافحه، من المؤكد أن يكون الأمر مزعجاً لأي شخص تعرض للخطر بسبب هذين الرجلين".

هذا اللقاء المريب قد فتح الباب لعلامات استفهام عديدة، فلماذا يلتقي الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات وسائل التواصل الاجتماعي عالمياً بمسؤول أجنبي كان عملاؤه -وفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي- قد أساؤوا استغلال وظائفهم في شركته قبل ذلك اللقاء بوقت قصير؟ يبدو أن هنالك عوامل أخرى على دورسي وشركته أخذها في الاعتبار، وهي أن الأمير السعودي الثري الوليد بن طلال قد رفع حصته في شركة تويتر إلى 350 مليون دولار. وهو ما يجعل شركته (المملكة القابضة) إحدى أكبر خمس شركات مساهمة في ملكية عملاق وسائل التواصل الاجتماعي تويتر، وبالتالي فرضها لبعض الأمور التي يتعيّن على إدارة المنصة اتّباعها.

يذكر أن جمال خاشقجي قد قُتِل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولاً في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.

TRT عربي