لماذا تطمع روسيا في شمال كازاخستان؟ (Alexei Nikolsky/AP)
تابعنا

في تصريحات أخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حذّر السلطات الكازاخية من مغبَّة انتشار الجيش الروسي على أراضيها. ذلك بعد أن فعَّل الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف "معاهدة الأمن الجماعي" طالباً من روسيا مساعدته على إعادة الأمن لمدن بلاده بعد الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها.

وقال بلينكن إن "أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث هو أنه بمجرد وصول الروس إلى منزلك، يكون من الصعب جداً في بعض الأحيان إقناعهم بالمغادرة". مستغرباً من أن "السلطات والحكومة في كازاخستان لديهما بالتأكيد القدرة على التعامل بشكل مناسب مع الاحتجاجات"، وبالتالي "ليس من الواضح سبب الشعور بالحاجة إلى أي مساعدة خارجية".

فيما يؤكد هذه التصريحات الواردة على لسان خارجية واشنطن عدد من التهديدات السابقة لسياسيين روس، ادعوا فيها أن "كازاخستان لم تكن دولة" وأن لروسيا "حقاً في مناطق شمال البلاد"، بما يزيد المخاوف من تكرار السيناريو احتلال شبه جزيرة القرم، مستغلين على نفس الشاكلة وجود أقلية سلافية في تلك المناطق الحدودية.

أطماع روسية قديمة

لا يخفي القوميون الروس ادعاءهم أن الجزء الشمالي من كازاخستان أراضٍ لروسيا الحق الأكبر فيها، وذلك منذ انفصال الدولتين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي سنة 1991، إذ لمح الرئيس الروسي وقتها بوريس يلتسن، بأن حدود الحقبة السوفييتية قد لا تعكس بالكامل مصالح الكرملين وأن له "الحق في إثارة مسألة الحدود".

لكن هذه المطامع دائماً ظلت متجاهَلة، في المقابل أظهر اندلاع أزمة أوكرانيا سنة 2014، إمكانية أن يصبح هذا "الحق" الذي أثاره يلتسن وسيلة ضغط روسي وبسط نفوذ على دول الجوار. هكذا نجد موسكو، متعللة بالأقلية الروسية في شبه جزيرة القرم، تدفع بضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها إثر استفتاء أحادي الجانب، كما دعم انفصاليي دونباس، من أجل محاصرة كييف وتجريدها من أراضيها الشرقية.

قبل ذلك، مع اندلاع الأزمة الجورجية سنة 2018، دعمت روسيا عسكرياً وسياسياً الانفصاليين بإقليمَي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وفرضت الأمر الواقع بقوتها العسكرية، في حرب خاطفة لم تدم سوى ثمانية أيام.

حسب المؤرخ سيرجي بلوخي، فإن الأقاليم التي طُرحت وقتها على أجندة يلتسن لمراجعة حدودها كانت: منطقة أبخازيا الجورجية التي تمكن روسيا استراتيجياً من منفذ أوسع على البحر الأسود والسيطرة التامة على مضيق كيرتش وبحر أزوف. إضافة إلى حوض الدونباس وشبه جزيرة القرم، اللتين تمكّنانها من كبح تمدُّد الغرب نحو حدودها. فيما لم يبقَ من تلك المناطق سوى شمال كازاخستان الذي لم يشهد إلى الآن تحركاً روسياً شأن بسط نفوذها عليه.

تهديدات متتالية وفرصة لتحقيقها

لطالما حضر شمال كازاخستان على لسان السياسيين الروس، مهددين بضمه إلى أراضي بلادهم. هكذا نجد الرئيس فلاديمير بوتين يردّ على سؤال أحد الصحفيين عما إذا ما كانت كازاخستان ستشهد نفس السيناريو الأوكراني، قائلاً: "لم يكن للكازاخيين دولة خاصة بهم"، بنفس المنطق الذي وصف به أوكرانيا قبل بتره أراضيها على أنها "دولة ملفَّقة".

وعلى نفس المنوال طالب عدد من السياسيين الروس السنة الماضية بضرورة "إعادة" أراضي شمال كازاخستان إلى نفوذ الجمهورية الاتحادية، وعلى رأسهم فياتشيسلاف نيكونوف، النائب الروسي عن الحزب الحاكم، الذي زعم أن "كازاخستان لم تكن موجودة كدولة، وأراضيها كانت هدية عظيمة من روسيا والاتحاد السوفييتي".

هذه التهديدات، حسب مراقبين، لم تجد فرصة ذهبية أفضل من سماح السلطات الكازاخية لروسيا بالتدخل في أراضيها بحكم تفعيل "معاهدة الأمن الجماعي" لأجل إنهاء حالة الانفلات الأمني التي تعيشها البلاد بعد اندلاع الاحتجاجات فيها مطلع هذا الشهر.

هذا رغم محاولات الجانب الكازاخي تقليل التقارب مع روسيا، والتوجه إلى الاعتماد على علاقاته مع الدول التركية في إطار منظمتها المؤسسة سنة 2009، إذ تَبدَّى ذلك في سعيه للتخلي عن الأبجدية السريانية الروسية وتعويضها بالحرف اللاتيني من أجل تسهيل الاندماج مع باقي تلك الدول.

الورقة الديموغرافية الروسية

المشترك بين كل الحالات السابقة التي بسطت فيها موسكو سيطرتها على أراضي دول الجوار هو اعتمادها على ورقة الديموغرافية، وتهييج النزعات الشوفينية لدى الأقليات السلافية في تلك الدول. في شمال كازاخستان كذلك تنتشر العرقية الروسية التي تمثل أغلبية في تلك المناطق، حيث يبلغ تعدادها 3.4 مليون نسمة وتشكل 20% من مجموع سكان البلاد.

ويعتقد هؤلاء، حسب محللين، اعتقاداً خالصاً بـ"الحق الروسي في شمالي كازاخستان". وحسب استقصاء أوردت نتائجه الباحثة في الشأن الكازاخي جوانا ليليس، في كتابها "داخل العالم السري لكازاخستان"، فإن ثلاثة أرباع سكان مدينة ريدر ذات الأغلبية الروسية يفضلون الاستقلال عن كازاخستان والانضمام إلى روسيا.

وتضيف الكاتبة أن هذه المؤشرات الجغرافية لطالما أثرت في علاقات السلطات الكازاخية مع جارتها الشمالية، جعلتها تحرص على تفادي إثارة غضب موسكو لكي لا تعيش نفس المصير الجورجي والأوكراني.

TRT عربي