تابعنا
مع تزايد الطلب على منظومة الدفاع الروسية المتطورة S-400 من شركاء الولايات المتحدة كتركيا والهند، تجد واشنطن نفسها أمام معضلة فرض عقوبات على هؤلاء الشركاء.

أزيلت الشكوك في 12 يوليو/تموز الماضي حول اعتزام تركيا شراء صواريخ أرض جو روسية، فمع ظهور صور الشاحنات التي تحمل منصات إطلاق صواريخ منظومة S-400 في أثناء نزولها من طائرات الشحن الضخمة عبر القنوات التليفزيونية والإنترنت، أصبح من الواضح أنَّ تركيا اتخذت هذه الخطوة الحتمية على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوباتٍ عليها.

ولعل هذه الصفقة ستفتح الباب أمام روسيا، التي تُعَدّ ثاني أكبر الدول المُصدِّرة للأسلحة في العالم، لتلقيها مزيداً من الطلبات للحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى التي طوَّرتها، وصُمِّمت لضرب أهدافٍ متعددة في آنٍ واحد.

إذ تمتلك الصين بالفعل صواريخ أرض جو من طراز S-400، فيما يُمتوقع أن تحصل الهند على أول شحنة منها في العام المقبل 2020 بعد توقيع عقدٍ بقيمة 5 مليارات دولار.

من جانبه قال مايكل كوفمان، المحلل الأمني المتخصص في شؤون روسيا "في روسيا، تُعتبر هذه الصفقة مع تركيا انتصاراً كبيراً في مبيعات الدفاع، لأنَّ S-400 ليست مجرد منظومة دفاع جوي، بل يُنظر إليها على اعتبار أنها صفقةٌ استراتيجيةٌ في مجال الأسلحة".

ومن ثم -حسبما أضاف- "يُنظر إليها باعتبارها إشارة من جانب تركيا على أنها تأخذ احتياطها، وتُنِّوع علاقاتها بعيداً عن الولايات المتحدة لتحسين علاقتها مع موسكو". 

جديرٌ بالذكر أنَّ روسيا لديها بالفعل عملاء يشترون مبيعاتها من الأسلحة التقليدية وأنظمة الدفاع عالية التقنية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، إذ توجد منظومات S-300، وهي نسخة أقدم من منظومة S-400 الصاروخية، في 14 دولة من بينها الجزائر واليونان وبلغاريا وروسيا البيضاء ومصر وسوريا وفييتنام، وقد يريد بعض هذه الدول شراء النظام الجديد.

لكنَّ الولايات المتحدة تُهدِّد باستخدام قوتها المالية والدبلوماسية لتقييد مثل هذه الصفقات التي تهدف إلى شراء صواريخ طويلة المدى، وكذلك شراء الطائرات الحربية التي تنافس طائراتها، مثل طائرة سوخوي سو-57، حسبما ذكر بعض الخبراء.

إذ يسمح قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" للحكومة الأمريكية بمعاقبة الدول التي تُبرِم "صفقاتٍ كُبرى" مع شركات الأسلحة الحكومية الروسية.

وفي هذا الصدد قال عمر العمراني المحلل العسكري البارز لدى مركز ستراتفور "لقد أعربت بعض دول الخليج عن اهتمامها بشراء نظام S-400، لكنَّها يجب أن تضع هذه الرغبة في كفةٍ والتعرُّض للضغط الأمريكي في الكفة الأخرى".

وأضاف أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تعتمدان بشدة على الضمان الأمني ​​الأمريكي، لن تُفسدا علاقاتهما مع واشنطن بإبرام صفقات شراء أسلحةٍ متطورة من روسيا.

لكنَّ بعض الدول الأخرى مثل الهند ستمضي قُدُما في شراء نظام S-400، ومن ثَمَّ، فعلى صناع السياسة في الولايات المتحدة اتخاذ قراراتٍ صعبة.

إذ قال العمراني "هذه عملية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة لأنَّ كثيراً من هذه الدول شركاءُ لها، ويمكن للعقوبات أن تقضي على هذه الشراكات. والحقيقة أنَّ بعض الدول يمانع السماح لبلدٍ آخر بأن يُملي عليها نوع الأسلحة التي تشتريها".

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه الرغبة في تقليل الاعتماد على قوةٍ واحدة فقط واضحةٌ في عدة بلدان، فحتى مصر، التي تتلقى مساعداتٍ أمريكية منذ مدة طويلة، تُجري محادثاتٍ متزايدة مع روسيا لتلبية بعض احتياجاتها من الأسلحة.

وجديرٌ بالذكر أنَّ مصر اشترت 76% من أسلحتها ومعداتها العسكرية من الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2011، لكنَّ هذا الرقم هبط إلى 49% بين عامَي 2012 و2015، وفقاً لتقريرٍ صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس.

فضلاً عن أن واشنطن لديها مصالحها طويلة الأجل التي يجب مراعاتها عند تهديدها الدول الأخرى بفرض عقوبات. فهي، على سبيل المثال، تريد من الهند أن تكون ثقلاً موازناً للصين في المنطقة، والعقوبات المفروضة على شراء S-400 قد تقوض جهودها نحو ذلك، حسبما ذكر العمراني.

وأضاف العمراني "لكنَّ مجرد التهديد بأنَّ قانون مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات يقول إنَّ الولايات المتحدة ستفرض عقوبات إذا اشترت الدول من روسيا لا يعني بالضرورة أنَّها ستنفذ هذه التهديدات".

وعندما نذكر العقوبات الاقتصادية والمالية، سنجد أن واشنطن منحت بعض الإعفاءات في الماضي، مثلما سمحت للعراق بمواصلة شراء النفط من إيران.

مقارنة بين منظومتي باتريوت وS-400

على عكس صواريخ باتريوت الأمريكية، لم تُختبَر صواريخ منظومة S-400 في أي ساحة معركة حتى الآن، وهو الأمر الذي أثار شكوكاً حول قدرة المنظومة الصاروخية الروسية.

لكنَّ بعض المحللين يقول إنه بالنظر إلى الخبرة الروسية ومواصفات منظومة S-400، فإنَّها تبدو أشد فتكاً في إسقاط الطائرات والصواريخ الباليستية.

إذ قال الباحث البارز في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا ماورو غيلي "تستثمر روسيا في أنظمة الدفاع الجوي منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وهذه التقنيات تعتمد بشدة على ذلك الاستثمار السابق. ففي مجال الحواسيب على سبيل المثال، ما زالت شركة أبل جيدة جداً لأنَّها اكتسبت خبرةً كبيرة على مرِّ الأعوام الأربعين الماضية وأكثر".

وأضاف "لذا فبناءً على كل الوقت والمال اللذين استثمرتهما روسيا في السنوات العديدة الماضية، ستكون هذه (المنظومة) جيدةً للغاية".

إذ إن صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية هي ثاني أكبر مصدر إيرادات لروسيا بعد النفط والغاز. وتستخدم موسكو هذه الأرباح منذ سنواتٍ لتمويل الأبحاث وصناعة أسلحة أكثر تطوراً.

وقد أصبح الحصول على طلبات شراء جديدة مهمّاً جداً لموسكو في الوقت الراهن، لا سيما وأنَّ مبيعات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية لدول العالم انخفضت بنسبة 17% بين عامَي 2014 والعام الماضي 2018، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو انخفاض طلبات الشراء من الهند وفنزويلا.

علاقةٌ متوترة

في يونيو/حزيران من عام 2012 أسقط صاروخٌ سوري طائرة استطلاع تركية فوق البحر المتوسط. وقد أثارت هذه الحادثة قلق أنقرة، التي لطالما كانت تعتمد على شركائها في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحماية مجالها الجوي.

إذ كانت صواريخ الأرض جو من طراز Nike Hercules، التي نُصِبَت حول إسطنبول في الحرب الباردة قديمةً، وكان كثير منها قد خرج من الخدمة بحلول ذلك الوقت.

صحيحٌ أنَّ تركيا كانت قد حصلت على صواريخ باتريوت الأمريكية الصنع، لكنها لم تُغطِّ كامل مساحة البلاد البالغة 783 ألف كيلومتر مربع.

وفي السنوات التالية، فكَّر المسؤولون الأتراك في بدائل أخرى مثل منظومة HQ-9 الصاروخية الصينية ذات الإمكانيات المشابهة لمنظومة S-300. لكنَّ الناتو لم يكُن سعيداً بذلك، وقال إنَّ التكنولوجيا الصينية يمكن أن تهدّد قدرة الحلف الدفاعية.

والآن، وبعد سنوات من المناقشات المتتالية والتهديدات والشكوك، مضت تركيا أخيراً في طريق الحصول على منظومة S-400.

وقد أصبح قرار تركيا المضي قدماً في الصفقة خبراً مهمّاً لسببٍ آخر كذلك، بالإضافة إلى أنَّها عضو قديم في الناتو، كانت تركيا جزءاً من الخطة متعددة الجنسيات لتطوير طائرة F-35 التي تنتمي إلى الجيل القادم من الطائرات.

إذ قال كوفمان "لقد ردَّت الولايات المتحدة بالفعل بطرد تركيا من برنامج F-35، وهو بالضبط ما قيل لتركيا إنَّه سيحدث. لكنَّ السؤال التالي هو: هل سيُستخدَم قانون مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات لفرض عقوباتٍ ضدّ تركيا ردّاً على تلك الخطوة".

وأضاف: "أظن أنَّ هذا سيُشكِّل جدالاً سياسياً بين إدارة ترامب والكونغرس في واشنطن" في المرحلة المقبلة.

وحدة صواريخ باتريوت في وزارة الدفاع في طوكيو ، اليابان ، ٨ أكتوبر ، ٢٠١٧. رويترز / كيم كيونغ هون / ملف صور (Reuters)
 التقطت الصورة في 22 أغسطس 2017 ، وفيها يتم عرض نظام إطلاق الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز S-400 في حقل المعارض في Kubinka Patriot Park خارج موسكو خلال اليوم الأول من المنتدى العسكري التقني العسكري الدولي 2017. (AFP)
TRT عربي